إذا أراد جونسون السقوط المشرف فعليه المفاجأة بالاستقالة
بقلم: سلمى شاه

مطلوب منه العودة إلى المقاعد البرلمانية الخلفية والاستمرار في حياة ما بعد اعتزال السلطة

النشرة الدولية –

على ما يبدو لم ينجح رئيس الحكومة البريطانية المحاصر حتى الآن في اعتماد خطة استراتيجية أساسية لعهده. ولقد أجرى محاولات عدة لإدخال تعديلات على تكوين فريقه الأساسي، لكنها تركته أبعد ما يكون عن حل اللغز حول أسباب عجز حكومته المستمر عن السيطرة على أمورها. وإذا كانت لديه أي آمال بتحقيق عودة تشبه أسلوب بوريس جونسون بعد فوزه بهامش ضئيل ضد حجب الثقة عنه، فعليه أن يلجأ من جديد إلى صفاته غير التقليدية، ويُقدِمْ على الاستقالة كي يتمكن من خوض المنافسة من جديد في السباق للفوز بترشيح حزب المحافظين له.

أرجوكم أن تتحلوا بالصبر وأن لا تردوا عليّ بالمقولة المملة التي تفيد بأنه لن يقوم أبداً بالخطوة المشرفة، ويختار الرحيل من منصبه. هذا ليس اقتراحاً بأن نجري جراحة على دماغ جونسون بهدف تغيير عاداته التي رافقته طوال عمره. ببساطة، إن استقالته من شأنها أن تقلب رأساً على عقب تلك الافتراضات التي كونها الجميع، وأن تتسبب بفوضى عارمة، وهي الأشياء التي يبدو أن جونسون يتمتع بقدرات خاصة على تحقيقها.

إن غياب وجود قائد محتمل بديل شكّل حتى الآن سردية تمثّل دفاعاً قوياً ومقبولاً [عن التمسك بجونسون]. فلماذا لا نمتحن تلك الفرضية كي نرى إذا كان لها أن تصمد؟ هل يمكن لجونسون أن يعيد تنشيط موقعه عبر الالتفاف على نواب الحزب المعارضين لنهجه، ممن يجلسون على مقاعد البرلمان الخلفية [بمعنى أنهم لا يمسكون مناصب وزارية ولا يتصدرون النقاشات البرلمانية]، بالتالي أن ينقل المعركة إلى ملعب الطامحين لخلافته؟ هل يغامر بكل شيء من أجل أن يفوز بعد ذلك بكل شيء؟

ليس لديه الكثير ليخسره من الإقدام على خطوة كتلك. فنحن نعلم أن الثائرين في حزبه هُمْ أشخاص ناقمون عليه وليسوا منظمين، ولا يتبعون استراتيجية محددة بل يوجهون غضبهم من دون هدف عبر كتابة رسائل عدم ثقة برئيس الوزراء. ويضع ذلك الأمر المسؤولين في “داونينغ ستريت” [مقر الحكومة] في وضع صعب للغاية فيما هُمْ ينكبون بجهد على دراسة سيناريوهات الخيارات المحتملة كلها. فمن الصعب التكهن ماذا ستكون حركة أعدائك المقبلة حينما ينخرطون في أساليب حرب عصابات.

في المقابل، لقد بات معروفاً الحجم الكامل للانتفاضة [ضد بوريس جونسون]، لكن معرفة من يقف وراء الأعضاء الـ148 الذين صوتوا من أجل حجب الثقة عن رئيس الحكومة سيبقى أمراً تصعب معرفته. إذ يعرف أولئك الأشخاص أن أيام رئيس الوزراء على رأس عمله باتت معدودة، لكن ليست لديهم آلية للتخلص منه، ولذلك سيجعلون الأمور أكثر صعوبة عليه شيئاً فشيئاً. سيطلقون النار في اتجاهات مختلفة، وسينهار الالتزام بالنظام [الحزبي] ولن يعود ممكناً إدارة العمل النيابي من قِبَلْ مسؤول حفظ النظام في حزب المحافظين داخل مجلس العموم. إن اللجوء إلى التهديد بتعديل حكومي كبير والذي جرى غض النظر عنه حالياً، سيفشل في تحقيق الهدف المنشود.

كل ذلك يجري بموازاة توالي الأخبار الفظيعة عن الأزمة الاقتصادية التي تترافق مع خطط حكومية راكدة لن يمكنها أن تؤتي ثمارها، ما من شأنه زيادة سوء وضع جونسون باستمرار. وفي وقت سابق، أدى جونسون دوراً محورياً في إطاحة رئيسي وزراء سابقين، ما يعني أنه يعلم كيف تجري هذه الأمور. إذ إنك قد تربح تصويتاً حزبياً على الثقة، لكن مسألة النهاية تكون قد حُسِمَتْ. وقد تحاول إعادة إحياء زعامتك، لكن لا يبدو أن أحداً سيعطي ذلك أي اعتبار لأنه منشغل في بدء ترتيب أدوات الإطاحة [برئيس الوزراء].

بالتالي، بدلاً من تركه الأمور تأخذ مجراها الطبيعي وأن يسير بعرجٍ صوب خسارة محدقة، لماذا لا يسعى إلى  ترتيب سقوطه بشكل مشرف وأن يفعل ما ليس متوقعاً منه؟ إنّ رئيس الحكومة السابق جون ميجور [من حزب المحافظين] دعا إلى اقتراع على الثقة بزعامته لأنه رأى أن الأمور كانت تسير في ذلك الاتجاه. وكذلك استقال النائب ديفيد دايفيس كنائب ثم عاد وترشح للفوز بمقعده النيابي لتسجيل نقطة [سياسية]، على الرغم من أن أحداً لا يمكنه تذكر ماهية تلك النقطة. بالطبع، قد تكون لتلك الاستراتيجية نتائج متفاوتة، لكن علينا أن نعترف بأنها لعبة قد تكون مفيدة.

أما إذا سارت الأمور بشكل سيء، فسيجد أنه من الصعب عليه أن يكون كبير رؤساء الوزراء السابقين الفخريين. في المقابل، ثمة سوابق مماثلة حتى أن بابا الفاتيكان اليوم لديه بابا متقاعد سابق ما زال على قيد الحياة، تماماً على غرار ما تولت ملكتنا المحبوبة موقع المتدرب الذي يتمتع بلباقة شديدة، في الأزمنة الحديثة.

ثمة حياة تستمر بعد اعتزال السلطة. ربما يمكن لجونسون العودة والجلوس على المقاعد البرلمانية الخلفية في مجلس العموم البريطاني، بدلاً من أن يجلس القرفصاء كأنه “ضفدع عملاق يهيمن على السياسة البريطانية”، وفق ما وصفه ذات يوم المحرر السياسي تيم تشابمان؟ وكضفدع، يستطيع أن يهيمن على حفلات طبقة النخبة من السياسيين السابقين، أو كتابة الكتب واختلاق المشكلات. في الأحوال كلها، يجب أن يعبّر رحيله عن مسيرته السياسية التي لا بد أن تنتهي بشكل دراماتيكي.

زر الذهاب إلى الأعلى