سوريا وإسرائيل تعتديان على غاز لبنان وسياسيوه “العدو الأكبر”
النشرة الدولية –
المدن – عزة الحاج حسن –
ليست اسرائيل وحدها من تغتصب ثروة لبنان من الغاز والنفط، فسوريا أيضا تتطاول على حق لبنان عبر الحدود المفترضة شمالاً. وبين الشمال والجنوب ثمة عدو في الدار، أكبر وأكثر خطورة. فالسلطات السياسية اللبنانية تحارب نفسها وتحول ممارساتها دون وضع لبنان يده على مكامن ثرواته. تتعامى السلطة اللبنانية عن انتهاك سوريا شمالاً وتلتزم الصمت وتتخاذل أمام اسرائيل جنوباً وتفرّط بثروة قد تجنّب الأجيال القادمة من اللبنانيين مآسي الفقر والمديونية والعجز الواقع اليوم.
وإذا كانت السلطات اللبنانية عاجزة عن اتخاذ قرار بشأن تعديل المرسوم 6433 والإصرار على الدفاع عن حق لبنان الممتد حتى الخط 29 (رسم بياني مرفق) واكتفائها بالوقوف موقف المتفرّج على استقدام إسرائيل سفينة “انرجين” للتنقيب في مياه للبنان الحق فيها، فإن هذه السلطات نفسها وقفت ولا تزال كشاهد على انتهاك سوريا المياه اللبنانية شمالاً واستقدامها شركة روسية للتنقيب عن ثروة غازية للبنان حق فيها أيضاً.
لا يقتصر التخاذل اللبناني على الحدود الجنوبية، فهناك الحدود الشمالية أيضاً غير مرسّمة، وبين لبنان وسوريا نحو مئات الكيلمترات المختلف عليها، وتشير الدراسات الى اكتنازها ثروة طبيعية وافرة، بدليل تلزيم الدولة السورية إحدى الشركات الروسية عملية التنقيب في بلوك حدودي مع لبنان في المنطقة غير المرسّمة.
والسؤال ما الذي منع لبنان من مواجهة اسرائيل وسوريا عبر الأمم المتحدة لوقف تطاولهم على حدوده شمالاً وجنوباً؟ وما صحّة الحديث عن كميات وافرة من النفط والغاز في المياه الحدودية؟ أسئلة كثيرة تدور في إطار ملف النفط والغاز تجيب عنها خبيرة في مجال حوكمة الطاقة وعضو الهيئة الإستشارية للمبادرة اللبنانية للنفط والغاز LOGI* ديانا القيسي وهي التي تصف طريقة إدارة السلطات اللبنانية لقطاع النفط بـ”الفاشلة”.
لا كميات دقيقة
لبنان الموجود في شرق المتوسط وفي محيطه أكثرمن بلد ثَبُّت وجود ثروة طبيعية في مياهه إن كان العدو الإسرائيلي أو اليونان أو قبرص أو مصر فالجميع يقوم باكتشافات ومسوحات تثبت تواجد الثروة الطبيعية. من هنا يمكن الجزم بأن لبنان كما باقي الدول المحيطة يمتلك في مياهه ثروة هاربوكربونية. ولكن بحسب حديث القيسي لـ”المدن” يخطئ من يحاول تحديد هذه الثروة أو تقديرها برقم لأن لبنان طالما أنه لم يقم بأي اكتشافات حتى اليوم لا يمكن تقدير حجم ثروته الكامنة في المياه إلا أن التخمينات والمسوحات الزلزالية جيدة لجهة التقديرات بما يكفي لاستقطاب شركات عالمية فئة أولى وجذب اهتمامها للبحث والتنقيب في المياه اللبنانية. والتقديرات مشجّعة لجعل الشركات تدفع ملايين الدولارات لتقوم بأول محاولة للإستثمار مع الإشارة إلى أن التخمينات لا تبنى على تكهنات إنما على مسوحات زلزالية علمية قام بها لبنان. من هنا تُعتبر ثروة، والثروة المفترضة مبنية على علم.
أما ما حصل على المستوى السياسي من العام 2010 وحتى اليوم وبعد تسييس الملف بات الحديث عن الثروة بالأرقام رهن التكهنات والتجاذبات. لا يمكننا تحديد حجم تلك الثروة ولا قيمتها لاسيما أن سعر النفط عالمياً عرضة للتغير بشكل يومي فلا يمكن تقدير لا حجم الثروة ولا قيمتها المالية. وتؤكد القيسي أن “كل التقارير التي صدرت بهذا الشأن مرفقة بأرقام للثروة النفطية ومنها تقارير كبرى المصارف هي للأسف غير دقيقة لا بل كاذبة”.
العدو بالداخل
عدم دقة الأرقام والتوقعات لحجم وقيمة الثروة النفطية والغازية المفترضة لا يقلل من أهمية سعي لبنان لحمايتها والدفاع عن حقه بها واستخراجها، تقول القيسي، وقد تمكّن لبنان من استقطاب أول 3 شركات وهي الكنسورتيوم (إيني الإيطالية وتوتال الفرنسية ونوفاتك الروسية) لكن عاملين أثرا على مسار العمل والتنقيب، الأول وهو الأخطر يتمثل بالفشل الداخلي بإدارة القطاع والثاني بانتشار كوفيد 19. بالنسبة للعامل الثاني فإن الفيروس ضرب العالم بأسره وقد بدأ يتعافى منه وبالتالي استعادت الدول تدريجياً نشاطها ومنها قبرص التي استأنفت الحديث عن التنقيب أما في لبنان فاستمر التعطيل بفعل الإنهيار الإقتصادي والفشل المؤسساتي الذريع والتخبط الداخلي حول أهم ملف ألا وهو ترسيم الحدود الذي يجب أن يُحل قبل الدخول بملف قطاع النفط والغاز.
وإذ تقول القيسي “لا يلومن أحد الخارج قبل الداخل، فالتخبط والفشل داخلي قبل أي عامل آخر فلا اسرائيل، ولا سوريا يمكن مواجهتها اليوم، بالإعتداء على ثروتنا لأن القانون اللبناني والمراسيم لم يحم الثروة وعمليات الحفر التي تقوم بها اسرائيل تتم في بقعة غير متنازع عليها بنظر القانون. فليتفق اللبنانيون على خط مياه واحد قبل أن نتفاوض مع الآخر”. تضيف: العالم كله يشاهد إخفاقنا وخلافاتنا في إدارة الملف الأهم في تاريخ لبنان ومن المحتمل ان تدرس جامعات العالم لاحقاً في مناهجها الحالة اللبنانية كأسوأ مثال لإدارة الحدود”.
باختصار لا يمكن القول سوى ان لدى لبنان ثروة افتراضية تحت البحر محجوبة عنه بفعل الخلافات والتخبط السياسي الداخلي.
بين الحدودين السورية والإسرائيلية
للبنان فعلياً 3 بلوكات فقط في مياهه غير حدودية. فهناك 3 بلوكات هي 8 و9 و10 حدودية مع إسرائيل وبلوكين 3 و5 حدودية مع قبرص وبلوكين حدوديين مع سوريا هما البلوك 2 والبلوك 1 وهو أيضاً حدودي مع قبرص.
إذاً البلوكات غير الحدودية هي فقط 4 و6 و7 أما الباقي فلا حدود مرسمة بين لبنان والدول المحيطة به وبما أن لبنان اختار التلزيم التدريجي ففتح بلوكات للتنقيب هي 1 و4 و8 و9 و10 فاختارت الشركات 4 في الداخل والـ9 على الحدود مع اسرائيل. وبحسب القيسي، عادة ما يتم ذلك بناء على مسوحات زلزالية وداتا بيانات تبني الشركات قرارها على أساسها وقد رأت بنتيجة تدقيقها بالبيانات ان النتائج مشجعة في البلوكات 4 و9 فدخلت الشركات في عملية استثمار هذه البلوكات.
أما المشكلة الكبرى فظهرت في إطلاق جولة التراخيص الثانية إذ لم تتقدم إليها أي شركة والسبب أن غالبية البلوكات على حدود غير مرسمة والتخبط داخل لبنان واضح للعيان. فلم تتشجع الشركات العالمية على المخاطرة ودفع تكاليف للتقدم في جولة التراخيص من دون أن تلقى نتيجة في نهاية الأمر؟.
الحدود مع سوريا
لا يمكن وصف بلد غير مرسمة حدوده شمالاً جنوباً وغرباً سوى بالبلد الفاشل، تقول القيسي، فالحدود مع سوريا غير مرسمة أيضاً، وهناك البلوك رقم واحد وفيه 750 كلم من المياه مختلف عليها مع سوريا، وقد لزّمت سوريا البلوك لشركة “كابيتال” الروسية، في حين لم يعترض لبنان على ذلك، واكتفى بتشكيل لجنة لدراسة الملف منذ سنوات ولم يُحل الأمر حتى اليوم.
بالنتيجة تضيع ثروة لبنان تدريجياً شمالاً وجنوباً وربما غرباً أيضاً، أمام أعين اللبنانيين وبدافع من سلطاته السياسية المتخاذلة عن ترسيم حدودها والتي أدخلت ملف النفط والغاز في البازار السياسي، ولا غرابة في ذلك “فمن سرق أموال مودعين بمليارات الدولارات لن يعصى عليه المساومة على ثروة كامنة في البحر”.
* LOGI وهي منظمة غير حكومية مستقلة مقرها بيروت تعمل على تعزيز الشفافية والمساءلة في قطاع الطاقة في لبنان.