هذا الفيلم شاهدناه مِن قبل
بقلم: مصطفى أبو لبدة
إرم نيوز –
كلا الرئيسين الأمريكيين الأسبق باراك أوباما والحالي جو بايدن أسبغ كل واحد منهما على زيارته الأولى للشرق الأوسط، بعد أن أصبح سيد البيت الابيض، تفاصيل إجرائية ليس أفضل من الوقت الراهن مناسبة لاستذكارها ومقارنتها لرصد حجم التغيير أو الاستدارات التي حصلت للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال السنوات العشرين الماضية..
بعضها تغييرات مبرمجة، وبعضها استدارات قسرية.. وفي الحالتين طبيعي أن يصاحب مثل هذا التغيير قرقعة عالية في صوت ماكينة الشرق الأوسط المعقدة، مع توجس من كلفة المخاتلة الأمريكية أو الخطأ في الحسابات.
في مثل هذه الأيام قبل 13 سنة (وتحديداً في 4 حزيران 2009)، وصل أوباما إلى القاهرة؛ اختارها أن تكون نقطة عبوره إلى العالمين العربي والإسلامي، تقديراً لدورها الكبير في صنع السلام بالشرق الأوسط، كما قال.
بايدن، الذي كان قبل 13 سنة نائباً لأوباما، اختار إسرائيل محطة أولى له لجولته الرئاسية الأولى في الشرق الأوسط، وقصر الجولة على القدس وجدة بمواقيت تنتصف الشهر القادم.
جولتا الرئيسين أوباما وبايدن في المنطقة تماثلتا في أن هدفهما المعلن هو السلام في الشرق الأوسط، مع فارق أن أوباما جعل ”التغيير“ أداة السلام، وهو ما أعلنه في خطابه بجامعة القاهرة وصفق له الحضور، وبينهم ثمانية من قادة الإخوان المسلمين كانت السفارة الأمريكية أدرجتهم في قائمة مدعويها.
أما جولة بايدن فقد اختار لها الناطق باسمه عنواناً هو ”إنهاء الحروب في الشرق الأوسط عن طريق الدبلوماسية“؛ عنوانٌ فضفاض يسمح بالمقايضات والتسريبات، ويصعب تقييم نجاحه أو فشله في ختام الرحلة.
الفرق كبير بشكل لافت في النهج الذي اعتمدته واشنطن في المرتين لشعار السلام في الشرق الأوسط.. فقبل 13 سنة، اعتمدت تغيير الأنظمة من خلال الشارع بدعوى نقل السلطة للأجيال الشابة كونهم الأقوى على إعادة صياغة العالم، كما قال أوباما الذي حاول تنفيذ برنامجه من خلال الإسلام السياسي، في حقبة ما أصبح يُعرف بـ“الربيع العربي“ الذي استغرق عشر سنوات تقريباً وانتهى إلى الفشل الموصوم بالفوضى والدم.
في مصر ما زالوا يتندرون على الاستعراض الذي قدمه أوباما في خطابه الشهير بجامعة القاهرة الذي طلب من مبارك ألا يحضره بدعوى تجنّب إساءة الفهم..
يومها قال أوباما للحضور: ”لقد جئتكم بالتغيير“.. بدأ الخطاب بكلمة ”السلام عليكم“، قالها بنطق عربي سليم وأعقب ذلك الآية الكريمة من سورة الأحزاب ”اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً“..
ويومها أيضاً قيل إن مبارك أبلغ اثنين من مقرّبيه: ”ألم أقل لكم إن أوباما يريد رأسي؟“، وهو ما حصل فعلاً بعد ذلك بثلاث سنوات ونصف.
أما اليوم، فقد استبدلت واشنطن أسلوب تغيير الأنظمة أو تعديل سلوكياتها بأسلوب الدبلوماسية والبراغماتية، وجعله بايدن شعاراً لجولته الشرق أوسطية التي ستستمر من 13 إلى 16 تموز / يوليو 2022.
إلى أي حد يمكن المراهنة على احتمالات نجاح بايدن في إحداث اختراق سياسي في منطقة تختزن كمّاً كبيراً من الشكوك في مصداقية واشنطن وفي جدّية رئيسها الموصوم بالضعف؟
وهل لدى واشنطن المشغولة بأولويات استراتيجية ليس بينها الشرق الأوسط، مِن الوقت والجَلَد ما يمكنّها من معالجة وتطويع هذا الكمّ القياسي من الإشكالات والأزمات التي تبدو معها المنطقة وكأنها تقف على حافة الانفجار؟
هذه عينة من المشاكل التي يعرف الرئيس الأمريكي أنه سيواجهها وأنها ستمتحن قدرته على إنهاء الحروب الشرق أوسطية عن طريق الدبلوماسية، بينما حرب أوكرانيا، مثلاً، مرصودة للإطالة والتوسع لإنضاج نظام عالمي جديد معظم أوراقه مخفية..
في إسرائيل، المحطة الأولى لبايدن، حكومة ائتلافية فقدت أغلبيتها البرلمانية فأصبح سقوطها مسألة وقت.. أي دبلوماسية إذن يمكن لمثل هذه الحكومة أن تشارك فيها بحثاً عن حل للقضية الفلسطينية يكون بديلاً لمشروع الدولتين الذي مات منذ سنوات؟
وفي بيت لحم حيث سيلتقي بايدن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سيكون المشهد طريفاً للغاية؛ الحديث بينهما سيكون محكوماً بالضرورة بمأزق انتقال السلطة من الرئيس عباس إلى خليفته المنتظر حسين الشيخ، ومدى قدرة الخليفة أن ينفذ التزامات أعطاها لمختلف الأطراف التي رشحته وتبنّته.
خصوصية أو طرافة اجتماع بايدن مع عباس، مبعثها أن الرجلين يعرفان كيف ولماذا رست المداولات السرية على شخص حسين الشيخ رئيساً قادماً للسلطة ولمنظمة التحرير الفلسطينية.
كلاهما يعرف أن ترتيبات خلافة الشيخ لعباس، لم تختلف عن قصة خلافة عباس لياسر عرفات كما كانت روتها هيلاري كلينتون في كتابها ”الخيارات الصعبة“ أو ما كان سرّبه المستشار الاقتصادي لعرفات خالد سلام (اسمه الحركي محمد رشيد) من معلومات محرجة.
مع فارق أن الانتخابات الداخلية في فتح ومنظمة التحرير هذه المرة لن تحسم موضوع الرئاسة الفلسطينية، فهناك شواهد أكثر من مقلقة عن مرحلة فوضى مسلّحة يمكن أن تقع في الضفة يقودها طامحون كثر بالرئاسة ويرون في أنفسهم شرعية وأهلية ليست متوفرة بحسين الشيخ.
أكثر ما يهدد جولة بايدن في الشرق الأوسط هو المستجدات الأخيرة على ملف النووي الايراني، والمدى الذي يمكن فيه لطهران وموسكو أن توظّفا علاقة بينهما على طريقة التحالف، وتحولانها إلى تفريعة شرق أوسطية للحرب الأوكرانية.
خذ حديث أمين عام حزب الله حسن نصر الله عن المواجهة العسكرية التي تكاد تكون منظورة مع إسرائيل بشأن الحدود البحرية وحقول الغاز في المياه الإقليمية شرق المتوسط.. وخذ معه لغة التهديدات الاستثنائية التي تراشقت بها تل أبيب وطهران خلال الأسبوع الماضي وعمّمت انطباعات بالجدية المفزعة..
عندها لن تفاجأ إذا ما استفاقت المنطقة ذات صباح، من الآن وعلى مدى الأسابيع الثلاثة القادمة، على تركيبة متفجرة توجب إلغاء زيارة بايدن للشرق الأوسط، ليُعاد مشاهدة ”فيلم السلام والاستقرار الإقليمي“ للمرة العاشرة.