أسطورة سيزيف ولجنة المناقصات
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

يتمثل الهدف الرئيسي لمشتريات الدولة، أو أية جهة أخرى عن طريق المناقصة، الحصول على أفضل خدمة أو بضاعة مقابل المال المدفوع، أو الجمع المثالي ما بين تكلفة الصنف وجودته على مدى عمره الافتراضي. وعلى المنوط بهم الموافقة على عملية الشراء، عند تحديدهم الأسس الخاصة بتقييم العطاءات، مراعاة التالي:

  1. عدم الاعتماد على عامل السعر وحده في تقييم العطاءات.
  2. اختيار العطاء الذي يوفر أفضل قيمة مقابل المال، ولأحكام محددة.
  3. الترسية تتم لأفضل العطاءات من الناحية الفنية والسعرية، وليس لأحدهما فقط.

***

ما يجري في لجنة المناقصات، المحكومة بقوانين مشددة، أمر مختلف، حيث نجد غالبا أنها تعطي الوزن الأكبر للسعر على حساب الجودة! ولو أخذنا المثالين التاليين لعرفنا ما يتكلفه المال العام من مبالغ هائلة تنفق دون فائدة تذكر، بخلاف ما تتعرض له سمعة الدولة من سوء كبير، داخليا وخارجيا، وما يضيع من وقت ثمين في إعادة طلب المادة نفسها بعد تلفها، لتتكرر الفوضى إلى الأبد، بسبب تفضيل الجودة على السعر.

المثال الأول: توجد في كل مرافق الدولة كراسي مخصصة للمراجعين، وغالبيتها غير مريحة وذات تصاميم قبيحة، وجودة هابطة، وغالبا ما تتعرض للكسر والعطل، لتستبدل بغيرها من النوعية نفسها، وهكذا منذ عقود، وكأن الوزارة «سيزيف» الذي يحمل الحجر على ظهره وينقله لرأس الجبل ليتدحرج مرة أخرى! والسبب في ذلك أن لجنة المناقصات والجهة الموردة مقيدتان بمعيار السعر السحري!

المثال الثاني: تتطلب أعمال التنظيف وغيرها كثافة في استخدام اليد العاملة غير الماهرة. وتقوم مختلف الجهات الحكومية بتلزيم أعمال التنظيف لشركات نظافة، وتحدد هيئة القوى العاملة الحد الأدنى لرواتب هؤلاء. وعند فتح المناقصات ترسى المناقصة غالبا على السعر الأدنى، والذي يكون في أحيان كثيرة أقل حتى من الراتب الذي حددته الجهة المعنية قانونا!

ولو علمنا أن استقدام أي عامل نظافة يتطلب صرف مبالغ على أمور عدة بخلاف الراتب مثل تذاكر السفر، رسوم تسجيل خروج العامل من وطنه، ورسوم دخوله الكويت، بما في ذلك التأمين الصحي ورسوم الإقامة والفحص الطبي. وسيحتاج العامل مكانا للسكن ولثلاث وجبات طعام في اليوم، بخلاف تكلفة انتقاله من وإلى مكان عمله، وتكلفة ملابس العمل، والعلاج وغير ذلك من أمور، وأخيرا نسبة محددة تمثل أرباح الشركة!

فكيف يمكن تصديق أن الشركة الفائزة مثلا بعقد توريد 6000 عامل ستتمكن من ذلك والسعر الذي تقدمت به يقل حتى عن مبلغ راتب العامل الشهري، المحدد قانونا، دع عنك كل التكاليف الكبيرة الأخرى لستة آلاف عامل، وأرباح الشركة!!

وكيف تقبل أية جهة حكومية ترسية المناقصة على شركة ما، وسعرها يقل عن التكلفة التي حددتها الوزارة، وهي تعلم يقينا بأن المقاول لن يخسر وسيقوم حتما بالتلاعب، لتجنب الخسارة؟

***

ملاحظة: ذكرت في مقال أمس قصة شاحنة البطيخ التي انقلبت في بغداد، وكيف قام البعض بأخذ بعضها، وهم في طريقهم لأداء الصلاة!

من المهم توضيح حقيقة أن هذا التناقض في التصرف موجود في كل دولنا، ولا يخص أهل مدينة معينة.

Back to top button