كيف أحرج رئيس الحكومة اللبناني المجتمع الدولي بإعادة النازحين السوريين؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
قبل أيام، أسمع لبنان الرسمي المجتمع الدولي موقفًا متقدّمًا في ملف عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، أعلنه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خلال رعايته إطلاق “خطّة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022-2023” طالبًا من المجتمع الدولي التعاون مع لبنان، لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم “وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً لدى دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.
لموقف ميقاتي دلالات لافتة، من حيث الشكل والمضمون. في الشكل اختار رأس السلطة التنفيذيّة منبر السراي الحكومي ليعلن موقفه، وعلى مسمع ممثّلين عن المنظّمات الدوليّة وسفراء الدول، كانوا مشاركين في المناسبة، مما أكسب موقفه بعدًا حازمًا، ثم عاد وأكّد عليه خلال لقاءٍ على شاشة التلفزيون العربي. في المضمون لم تأتِ مطالبة ميقاتي بصيغة التمنّي من المجتمع الدولي، بل استخدم لغة حاسمة فيها نوع من التهديد على قاعدة “استجيبوا وإلّا سنتصرف ” وبذلك يكون ميقاتي أوّلَ رئيس حكومة يتبنّى الدعوة الصريحة لإعادة النازحين إلى ديارهم.
الموقف الأجرأ بأبعاد أمنيّة اجتماعيّة وقانونيّة
وفق توصيف مصدرٌ دبلوماسي “موقفُ ميقاتي يُعدّ من أكثر المواقف الرسميّة اللبنانية قوّة، وهذه شجاعة لافتة منه، كما أنّه الموقف الأول من نوعه على صعيد رئاسة الحكومة في مخاطبة المجتمع الدولي في قضية النازحين، بهذا القدر من الجرأة والصراحة والجدّية. وباعتقادي لم يطلق موقفه في هذا التوقيت عن عبث، لاسيّما وأنّه أقرنه ببعد قانوني “يتوافق مع القوانين والمعاهدات الدوليّة بهذا الصدد” فضلًا عن “تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”. كما دعّم موقفه ببعد مالي واجتماعي ضاغط من جرّاء أكلاف النزوح الباهضة “وضعنا الحالي اختلف جذرياً عما كان عليه سابقاً، لأّننا نمر الآن بواحدة من أشد الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في العالم. نتيجة لذلك، يعيش حوالي 85 في المائة من اللبنانيين الآن تحت خط الفقر. كما أن حوالي ثلث سكان لبنان هم الآن نازحون يعانون من فقر أيضاً، ما يعني أنه بعد 11 عاماً على بدء الأزمة السورية، لم يعد لدى لبنان القدرة على تحمل كل هذا العبء، لا سيما في ظل الظروف الحالية”.ولم ينس الإشارة إلى البعد الأمني، من خلال مطالبته المجتمعَ الدولي مساعدةَ لبنان في الحفاظ على الإستقرار الأمني والإجتماعي والإقتصادي.
ماذا عن المجتمع الدولي، هل تغيّرت مقاربته للنزوح السوري في لبنان؟ وهل سيلاقي دعوة البلد المنهار في تحقيق العودة الآمنة؟
برأي المصادر الدبلوماسيّة نفسها في حديث لـ “لبنان24” قضيّة النازحين ليست مدرجة في قائمة اهتمامات المجتمع الدولي، وإعادتهم إلى بلادهم مسألة غير ناضجة لدى دول القرار “فالأزمة الروسيّة الأوكرانيّة طغت على مجمل الوضع، كما أنّ عدم الإجماع على رأي موحّد في لبنان من عودة النازحين يضعف موقفه. من ناحية ثانية هناك أزمة في التواصل الرسمي اللبناني مع النظام السوري، والأخير دون أدنى شك غير راغب بإعادة النازحين، ولا مصلحة لديه بذلك لاعتبارات عديدة، منها أنّ النازحين يؤمنون إيرادات لسوريا بالعملة الصعبة من خلال تحويلاتهم، أو من خلال ما يدخلونهم معهم أثناء زياراتهم المتكررة، إذ أنّ النظام السوري فرض على كلّ سوري يدخل إلى سوريا جوًا أو برًا أن يقوم بصرف مئة دولار على الحدود بسعر 280 ألف ليرة سوري، من خلال المصرف التجاري السوري الموجود على الحدود، بينما في سوريا تعادل المئة $ 400 ألف ليرة سوري في السوق السوداء، هذا فضلًا عن عدم رغبة النظام بتحمل عبء استهلاكهم للبنى التحتيّة من كهرباء ومياه وغيرها”.
قانونيًّا صفة اللجوء لم تعد تنطبق على النازحين السوريين
التوصيف القانوني للنازحين السوريين في لبنان، لديه مفهوم مختلف، وفق مقاربة المحامي سلام عبد الصمد، الدكتور في القانون الدولي “مصطلح نازح لا ينطبق هنا، إذ أنّ كلمة نزوح لا تستعمل لمن ينتمي لجنسيّات خارج جنسيّة الدولة الواحدة، بمعنى نزوح أهل الأرياف إلى المدن، أمّا المغادرة التي تحصل من دولة إلى أخرى ليست نزوحًا، بل هي لجوء وفق القانون الدولي، إذا ما توفّرت فيها حالة الضرورة والقسرية، بعنى إذا اضطر شخص أن يترك بلده عنوة، وينتقل لبلد آخر، لأسباب أمنيّة وعسكريّة، كحالة الهاربين من الحرب السورية أو الأكرانية الروسية. بالتالي نحن أمام لاجئين سوريين اضطروا لمغادرة بلدهم قسرًا بسبب الحرب”.
ردًّا على سؤال عن قانونيّة مطلب لبنان بإعادتهم إلى بلدهم، أجاب عبد الصمد في حديثه لـ “لبنان 24” “بالتأكيد ولكن أختلف بالطريقة. الأمور بسوريا بدأت تأخذ المسلك الطبيعي، هناك العديد من المناطق أصبحت آمنة، والعاصمة تستعيد حياتها تدريجيًّا، وهناك الكثير من المحافظات السوريّة تنعم بالسلام أو على الأقل لا تفرض مغادرة هؤلاء، وعليه مفهوم اللجوء لم يعد متوفّرًا، ومتى زال السبب زالت النتيجة، من هنا يمكن أن يعودوا إلى وطنهم. والسؤال الذي يطرح نفسه هل يتحقق ذلك قسرًا أم طوعًا، المنطق يقول طوعًا، وعلى السوري وهو شقيق بحكم العلاقة الجغرافية بين البلدين، أن يعود إلى وطنه وممتلكاته من تلقاء نفسه”.
في حال عدم عودة هؤلاء طوعًا هل يمكن للحكومة اللبنانيّة أن تجبرهم ؟
“الأمر محل نظر، القانون الدولي لا يقبل بالعودة القسريّة، ولكن هناك سيادة الدولة والمصلحة العليا ومصالح الشعب اللبناني الذي لا يستطيع أن يلبّي احتياجاته راهنًا، فكيف بالحري تلبية احتياجات الآخرين، ويجب أن نتفاوض مع من يمثلهم أو معهم، ونطلب منهم العودة، بعد إعطائهم فترة زمنيّة محدّدة أو أن نؤمّن لهم التسهيلات اللازمة. السوري مرحب به كضيف، لكن كلاجىء الأمر مختلف، لأنّ حالة الضرورة لم تعد قائمة، وسوريا استعادت أمنها إلى حدّ ما”.
أعداد مبالغ بها: الدولية للمعلومات تنفي
مؤخرًا ضجّت مواقع التواصل الإجتماعي وبعض المواقع الإخبارية وغروبات الواتس آب بأرقام حول واقع النزوح السوري، والأعباء التي يرتّبها، ونُسبت إلى “الدولية للمعلومات”، الأمر الذي نفته الأخيرة، وأكّدت أن الأرقام المتداولة لم تصدر عنها ولا تتبنّى مضمونها، وأنّها قامت بإجراء عشرات الدراسات لصالح المؤسسات المانحة، ولم تنشرها. في السياق لفتت مصادر إلى أنّ هناك مبالغة في الأعداد المليونيّة “وأنّ العدد قد تناقص بفعل عودة حوالي 450 ألف نازح إلى سوريا، وحوالي 122 ألف سوري غادروا إلى ألمانيا وفرنسا وسويسرا ضمن خطة إعادة التوطين، وبقي حوالي 900 ألف سوري في لبنان، وفي حال أوقفت المنظّمات الأممية الأموال التي تمنحهم إياها كل شهر سيرحلون جميعهم، خصوصا أنّ كلفة المعيشة في لبنان مرتفعة”.
لا يختلف اثنان على أنّ عبء النازحين السوريين أنهك لبنان، الذي يعاني أساسًا من أزمة ماليّة واقتصاديّة صُنّفت بإحدى أشدّ ثلاث أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي في حزيران 2021. أعداد مليونية من النازحين السوريين قصدت لبنان هربًا من نيران المعارك، وعلى رغم انتهاء الحرب في بلادهم، جزء لا يستهان به بقي في لبنان، خصوصًا أنّهم يتقاضون أموالًا شهريّة من المنظّمات الأميية، فضلًا عن ما يحصّلونه جرّاء انخراطهم في سوق العمل، وعلى أوسع مدى، خلافًا للقوانين اللبنانية. يدرك المجتمع الدولي أنّ الغالبية العظمى من السوريين في لبنان ليسوا نازحين أو لاجئين بالمعنى القانوني للكلمة، كونهم يزورون بلدهم بشكل دائم، وهو ما ينزع عنهم صفة اللجوء، رغم كل ذلك أدار المجتمع الدولي ظهره لبنان ولم يستجب لمطالب إعادتهم إلى المناطق الآمنة في ديارهم، والتي تفوق مساحتها مساحة لبنان بمرّات عدّة. فهل سيقلب موقف ميقاتي المعادلة الدوليّة، ويجبر المجتمع الدولي على تسهيل العودة والإقلاع عن التفكير بتوطين هؤلاء في البلدان المضيفة؟