سيرة جسدية للحب “في الزمن وخارجه” للشاعرة التونسية لمياء المقدم

تخاطب في مجموعتها الشعرية الثالثة العالم وقاطنيه موجهة لهم الكلام لا لينصتوا وحسب، بل ليشاركوها تجاربها في حياةٍ تكتبها بسريالية

النشرة الدولية –

صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط في إيطاليا، المجموعة الشعرية الثالثة للشاعرة التونسية المقيمة في هولندا لمياء المقدم، جاءت بعنوان “في الزمن وخارجه”، تكتبُ الشاعرة الجسد والحبّ، وتقف بينهما شاهدةً وقاتلة وضحية، غير آبهة بما ينفلتُ من حياتها ويغرق في الوحدة والموت والغياب. قصائد لها أن تكون سيرة جسدية للحب، تستجيب للفطرة وتضيف لهذا الصوت القادم من الأعماق أصواتاً أخرى وخيالاً يتّسع للزمن وخيباته، للانتصارات الصغيرة والانكسارات، للجرأة في كسر الزجاج المعتم الذي تختفي وراءه الأشياء الحميمة، والاقتراب منها أكثر ببقعة ضوء كبيرة.

لمياء المقدم: أكتب لتراني

لا تتدَّعي لمياء المقدم في قصائدها شيئاً خارجاً عن تجربتها الشخصية، وهي تُبِعدُ كما لو أنَّها تحمل ملقطاً كلَّ ما يجعلُ صورتها غائمة، أو غير واضحة في عيون رجل تخاطبه بطرقٍ وأشكال كلامٍ مختلفة ولها أن تصنعه أو تتخلى عنه، كما تبكيه وتنتظر رجوعه، ثمَّ تهدِّدهُ إذا منعها من ارتداء فستان قصير:

إذا منعتني من ارتداءِ فستانٍ قصير

ماذا سيبقى لنسعى من أجله؟

ترى في ركبَتَيَّ النافرَتَيْن إغواء

ولا ترى ما في القَدَمَيْن من محبّة

أتعرفُ أني صنعتُ هاتَيْن الركبَتَيْن من علب صفيح

قديمةٍ وعصيٍّ تركَها أبي معلَّقةً على جدار غرفتِه؟

تخاطب لمياء المقدم كذلك العالم وقاطنيه موجهةً لهُم الكلام لا ليُنصِتوا وحسب، بل ليشاركوها تجاربها في حياةٍ تكبتها بسريالية، وهي تحدِّثهم عن الغدر، عن اعوجاج الوقت، عن الجثة التي وصلت كاملة في صندوق:

تصلُكُم الجُثَّةُ كاملةً، بعدَ قليلٍ، لا ينقصُها شيء

فاسْتَلِمُوا الصندوق

تجدون داخلَهُ، خواتمَنا، أبناءَنا الميتين وأشجارَنا المقطوعةَ من أسفلِ الجذع

تجدون أيضاً وصيةً مختومةً بلعابِ القبلةِ الأخيرة.

اِلبسُوا أجملَ ما لديكُم، اصطفُّوا واقرؤُوا بصوتٍ عالٍ ما كتبتْهُ يدهُ قبل أن يموتَ:

“أنا الكلبُ الضائعُ سيِّئُ الحظِّ أعودُ إليكُم وفي حلقي عظمٌ ظننتُهُ الحب”.

في شعرِ لمياء المقدم يحضر الجسدُ ويصنعُ بلا تردُّدٍ عوالمَه الخاصة، ليغدو الكتابُ في جلِّ قصائده نوعاً من المكاشفة الحقيقية والتي قلَّما نجدها في الشعرية العربية النسوية.

في قصيدة “هكذا تعلَّمتُ الشِّعر”، نقرأ:

أكتبُ لتراني

لتعرفَ كم أحبًّكَ،

هكذا تعلَّمتُ الشِّعر

وربّما سأتعلَّمُ أشياءَ أخرى كالتّعرّي في بارٍ مليءٍ بالشّحّاذين

والمقامرين.

من أجلِكَ أشقى

ومن أجلِكَ أُلقي بالقطعةِ الأخيرة.

لا شكَّ أن مجموعة لمياء، تتّسم بخصوصية تنعكس على جلِّ القصائد، وهذه الخصوصية هي قناعة الشاعرة حين تقول: “لامتلاكِ القدرةِ على قولِ الأشياءِ ببساطة/خُلِقَ الشِّعْر”.

“في الزمن وخارجه” مجموعة شعرية جديدة للشاعرة التونسية لمياء المقدم، صدرت في 104 صفحات من القطع الوسط، ضمن سلسلة “براءات” لسنة 2019، التي تصدرها الدار وتنتصر فيها للشعر، والقصة القصيرة، والنصوص، احتفاءً بهذه الأجناس الأدبية.

لمياء المقدم شاعرة ومترجمة تونسية، ولدت في مدينة سوسة التونسية ودرست الأدب واللغة العربية بجامعة الوسط-تونس قبل أن تنتقل للإقامة والعمل في هولندا. عملت صحفية ومقدمة برامج إذاعية في إذاعة هولندا الدولية. صدر لها ديوانان هما “بطعم الفاكهة الشتوية” (2007) و”انتهت هذه القصيدة، انتهى هذا الحب” (2015)، كما صدرت لها ترجمتان عن اللغة الهولندية: “أنت قلت” (2016) و”مالفا” (2018). حصلت في 2001 على جائزة الهجرة للأدب في هولندا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى