كيف صعد “فيسبوك” ولماذا تحول إلى “كارثة”؟

النشرة الدولية –

مع إتمام “فيسبوك” عامه الخامس عشر، ما زال موقع التواصل الاجتماعي الأكبر –من حيث عدد المستخدمين- يثير جدلًا كبيرًا، بين حجم الشركة الذي نما بسرعة قياسية، فضلًا على الممارسات التي تحظى بانتقادات واسعة كانتهاك خصوصية المستخدمين وتسريب بياناتهم، بجانب تأثيره السلبي اجتماعيًا.

ويرى “روجر مكنامي”، المساهم السابق في “فيسبوك” فى كتاب “زوكد: في انتظار كارثة “فيسبوك”(Zucked)، أن الموقع الذي انسحب منه بسبب ما يصفه بـ”الممارسات الخاطئة” بحاجة إلى إعادة هيكلة كاملة لكي يصبح قادرًا على الاستمرار على عرش القمة أولًا، ولكي يحظى بثقة الناس ثانيًا.

و”زوكد” هو تعبير جديد يشار به إلى حصول الشخص على ثروة مفاجئة، أو أحيانًا إلى التغييرات المفاجئة التي يحدثها “فيسبوك” ومؤسسه “مارك زوكربيرج” على الموقع ويضطر المستخدم إلى قبولها، وهو مشتق من اسم مؤسس الموقع الشهير.

ويؤكد “مكنامي” أن مستقبل التكنولوجيا المظلم اجتاح حياتنا قبل أن نستعد، إذا ما أخذنا فى الاعتبار أن رابع أكبر شركة في العالم وأكثرها نفوذاً، وهي في ذروة نجاحها، يتحكم بها شاب لم تتجاوز خبرته العملية بضع سنوات قضاها في إدارة الشركة ذاتها التي ما زال يطلق عليها حتى الآن “منصة” إلكترونية.

وتقدم الشركة أو المنصة -بغض النظر عن التسمية- خدمة غريبة، حيث يملؤها مليارات الأشخاص بالمحتوى الذي يتنوع ما بين صور أطفال، أمنيات، حفلات أعياد الميلاد، عروض حفلات موسيقية، تهنئة بزواج أو مشاطرة في فقد عزيز، و”هواجس مضطربة” حول مؤامرات خيالية.

وبصورة غير مسبوقة، فإن الشركة لا تقوم بدفع رواتب لتلك العمالة التي تقوم بإضافة ذلك المحتوى، بل على العكس، يتم مكافأة المستخدمين من خلال تتبعهم عبر الشبكة العنكبوتية واختراق خصوصية بياناتهم.

ويستخرج “فيسبوك” بيانات مستخدميه من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي المعقدة التي تم تدريبها على تصنيف المعلومات التي تم رصدها لتحولها إلى ما يقرب من 29000 نقطة بيانات تنبؤية (أي تبويب المستخدمين لهذا العدد من التصنيفات وفقًا لعدد من المعطيات ومنها أماكن تواجدهم جغرافيا، ونمط استهلاكهم والصفحات التي يعجبون بها).

ومن ثم يتم إتاحة تلك البيانات بعد ذلك للمعلنين وغيرهم من الأطراف الثلاثة، الذين يعرفون الآن كل ما يمكن معرفته عن شخص دون الحاجة إلى كسر جمجمته لذلك الغرض، ومن المثير للدهشة أن أياً مما سبق ليس سراً ولا يخفى على أحد، إلا أن الناس ما زالوا يستخدمون هذه المنصة ويحبونها لسبب ما.

كما أن أجهزة الاستخبارات الأجنبية المعادية أيضاً تحب هذه المنصة، وذلك فقط لأن مستخدميها قد أثبتوا بشكل صادم أنهم عرضة للتلاعب الاجتماعي، وهو فن خبيث اعترفت الشركة نفسها بممارسته في عام 2014.

وفي ذلك التاريخ شرعت “فيسبوك” في معرفة ما إذا كان بإمكانها أن تصيب مستخدميها بالحزن أو الغضب عن قصد، وبالفعل تأكدت من قدرتها على تحقيق ذلك، وعندما تم الإعلان عن هذا الخرق المذهل لثقة المستخدم، ادَّعت الشركة أن ما فعلته لم يكن خاطئاً إلى ذلك الحد، وأن العديد من الشركات قامت بأشياء مشابهة.

إن إحدى الشركات التكنولوجية التي بنيت في الأساس من أجل تعزيز التواصل الاجتماعى، تعمل الآن على تمزيق المجتمع الأمريكي وتهديد مؤسساته المدنية، حتى وإن كان ذلك نتيجة لم يخطط لها أو ينطوي على خبث نيات تلك الشركة.

وكما يوضح “مكنامي” فى كتابه، فقد تم تقويض “النموذج الأمريكي” بسبب  “المنصة الانعزالية”، والتي تشجع المستخدمين على البقاء عليها ثم على العودة إليها مجددا إذا تركوها، بدلًا من التفاعل المباشر بين البشر.

“فيسبوك” غير لون الموقع إلى درجة معينة من الأزرق نتيجة لشعور المستخدم بدرجة أعلى من الراحة تدفعه للبقاء متواصلا عليه لفترات أطول، بسبب استجابة الناقلات العصبية البشرية لهذه الدرجة بصورة أفضل من غيرها من درجات اللون الأزرق فضلًا على بقية الألوان.

كما يزداد إفراز مادة “الدوبامين” عند تلقي إخطار “إعجاب” أو “تعليق” على “فيسبوك”، و”دوبامين” هو مادة لها تأثير قوي على كل من العقل والجسم، وتبث فيهما قدرا من النشاط، غير أن الواقع يؤكد عدم استغلال المستخدمين للموقع لهذا النشاط “المفاجئ” في أجسادهم بالشكل الملائم.

ومن الأزمات التي يثيرها “فيسبوك” أيضًا، الاطلاع على وجهات النظر الشخصية التي كانت في السابق تخضع لفحص وتمحيص لمن نريد عرضها عليهم، فقد كنا سابقاً نجتهد لتحديد الأصدقاء والشركاء المناسبين واكتشاف نقاط التوافق والاختلاف بعد فترة ومن ثم نعمل جاهدين على الاحتفاظ بهم.

أما الآن تقوم خوارزميات “فيسبوك” بالعمل ذاته من خلال ربط الصفات والأفكار المتشابهة لتقترح عليك أصدقاءك أو تشاركك آراءهم حتى دون أن تبذل أدنى جهد وبغض النظر عن مدى واقعية تلك البيانات أو دقتها.

ولعل القرار الأهم في تاريخ “فيسبوك”، وفقًا للكاتب، كان رفض بيع الموقع مقابل مليار دولار في عام 2006، على الرغم من تأكيد “ماكنامي” أن “زوكربيرج” كان يميل إلى إتمام صفقة البيع، غير أن نصائح بعض أعضاء مجلس إدارة الشركة أدت إلى إفشال الصفقة وبالتالي نهوض “فيسبوك” كشركة تفوق قيمتها “ياهو” نفسها بعد ذلك.

غير أن تمكن الشركة من تلافي التأثيرات السلبية لدعوى قضائية أقامها اثنان من طلاب “هارفرد” عام 2004 بسبب مخالفة “زوكربيرج” للتعاقد معهما في إطلاق الموقع، من خلال الوصول لتسوية خارج إطار المحاكم، منح “فيسبوك” القدرة على الظهور، وأعطى مؤشرًا حول سلوك الشركة المحتمل بعد ذلك في مواجهة الخصوم.

وفي نوفمبر 2007 تخلص “فيسبوك” من سيطرة “جوجل” عليه من خلال إعلانات الأخير على الموقع،  بعد تفعيله آلية نشر الإعلانات على الموقع، ووفرها بالعديد من الضوابط الخاصة بالموقع الجغرافي والسن والنوع وغيرها، بما جعلها جاذبة للمعلنين.

كما جاء توظيف “شيرل ساندبيرج” في العام نفسه ليمكّنه من التحول من مجرد موقع ذي شعبية ولكن لا يحقق الأرباح إلى موقع رابح، خاصة أن “شيرل” كانت مديرة تنفيذية في “جوجل” مما وفر لها خبرة كبيرة في كيفية إدارة المواقع التكنولوجية، ونقل “فيسبوك” من خانة الهواة إلى خانة المحترفين.

ويرى “ماكنامي” أن صعود “فيسبوك” يرتبط كثيرًا بـ”سياق التاريخ التكنولوجي المناسب” لنمو الموقع، فبدون ظهور الجوالات الذكية وأنظمة تشغيل الهواتف الذكية مثل “أندرويد” وتطور نظم سُحُب تخزين البيانات كان مصير”فيسبوك” حتماً سينتهى إلى ما وصلت إليه كيانات تواصل اجتماعي أخرى فى أوائل عام 2000 مثل “ماي سبيس”.

ويحرص “ماكنامي” على تذكير القارئ بقلب قصة “فيسبوك” التى تم بناؤها وربما تطوير نسختها الأولية فيس ماشFacemash ، حيث دعا زوكربيرج طلاب جامعة هارفارد لمقارنة صور زميلاتهم التى قام بسرقتها من سجلات إسكان طلابية على الإنترنت فقط لتحقيق الهدف الأسمى وهو اختيار أكثرهن جاذبية.

كما “تحايل” “فيسبوك” على منافسيه، من خلال “استعارة” الأفكار منهم، بأن أقر فكرة “حائط الأخبار” الذي يضم للمستخدم بيانات كافة المجموعات التي يتابعها أو أصدقائه، كما استخدم فكرة وجود صورة شخصية يمكن تغييرها باستمرار من “ماي سبيس” و”هاي فايف” على سبيل المثال.

بل وأصبحت “شهية” “فيسبوك” مفتوحة أكثر من خلال إقرار “فيسبوك بيزنيس” لمنافسة “لينكيد إن” في محاولة للسيطرة التامة على وسائل التواصل الاجتماعي بعد تمكن الموقع من الاستحواذ على “تويتر” بالفعل قبل ذلك.

ويطالب الكاتب في ختام كتابه بـ”كسر احتكار البيانات” من قبل “فيسبوك”، والتنظيم المشدد لممارساتها التجارية، وذلك من خلال إقرار هيئة تختص بالرقابة على البيانات، ليس لتقييدها، ولكن لمنع إساءة الاستغلال واستفادة الشركات من منتجاتها دون ظلم للمستخدمين.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى