الدبلوماسية والذكاء الاصطناعي

خطوات أردنية لاستخدام التقنيات المتقدمة بمواجهة تحديات المستقبل

النشرة الدولية –

الدستور الأردنية – رزان بسام نويران –

نشهد اليوم حِقْبَة من التغيرات والتحولات السريعة غير المسبوقة مدفوعة بقوة التكنولوجيا الرقمية، ولا سيما الذكاء الاصطناعي. وتعمل هذه التقنية على إحداث ثورة في طريقة أداء المهام وتقديم حلول مبتكرة لتسريع التقدم في مختلف المجالات. وتُعرِّف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذكاء الاصطناعي بأنه «الــذكاء الــذي تبديــه الآلات والبرامج بهـدف وضـع التوقعـات وتقديـم الاقتراحات أو اتخــاذ القــرارات التــي تؤثــر على العالم الحقيقــي أو الافتراضي لمجموعــة مــن البشر أو الأشياء».

وعلى الرغم من أنه ليس مفهومًا جديدًا، فقد شهد الذكاء الاصطناعي تطورات مهمة منذ أن ًابتكر جون مكارثي، عالم الحاسوب الأمريكي،هذا المصطلح عام 1956. وخلال تطوره، تشعب الذكاء الاصطناعي إلى أنواع مختلفة ،وقد تم دمجها في حياتنا اليومية، من الخوارزميات التي تشكل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي إلى التكنولوجيا الذكية الموجودة في المنازل وتطبيقات المساعد الصوتي على الأجهزة الذكية.

ثورة الذكاء الاصطناعي التوليدي

أحدث ظهور تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية حقبة جديدة. تتميز هذه التقنيات بقدرتها المستمرة على التعلم من البيانات،وإنشاء بيانات جديدة، بما في ذلك النصوص والمقاطع الصوتية والصور، فضلًا عن قدرتها على استخلاص الاستنتاجات بناءً على التدريب البشري. يمكن أيضًا استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لإنشاء مساعدين افتراضيين للمحادثات الإلكترونية وخدمة العملاء، مما يفتح فرصًا جديدة للابتكار في إنشاء المحتوى. تتمثل إحدى المزايا الرئيسية للذكاء الاصطناعي التوليدي في أنه يمكّن المستخدمين العاديين من الاستفادة من قوة الذكاء الاصطناعي. وهذا يعني أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لم تعد تقتصر على المبرمجين والعلماء، مما يؤدي إلى أنماط جديدة من تفاعل الإنسان مع التقنيات الحديثة لأداء المهام وتوفير وسائل مبتكرة تتسم بالتنوع والمرونة لتسريع إتمام المهام في مختلف المجالات.

أحد الأمثلة على هذه التقنية هو» شات جي بي تي-CHATGPT» من شركة»أوبن أيه آي- OpenAI»، وهو روبوت يعمل بالذكاء الاصطناعي وقادر على فهم اللغات البشرية الطبيعية وتنفيذ المهام المختلفة المتعلقة باللغة، مثل الانخراط في محادثات مكتوبة تشبه تلك الخاصة بالبشر. شهد»شات جي بي تي»تدفقًا كبيرًا من المستخدمين، حيث تجاوز المليون في غضون الأيام الخمسة الأولى التي أعقبت إطلاقه في نوفمبر2022. وعقب نجاحه الفيروسي، كشفت جوجل مؤخرًا عن «جوجل بارد-GOOGLE BARD»، وهو روبوت دردشة آخر يستخدم الذكاء الاصطناعي ويتضمن وظائف البحث على جوجل.

رؤية الأردن للتحول الرقمي وتوظيف الذكاء الاصطناعي

وفي مسعى لتعزيز دور الأردن كدولة رائدة في مجال التكنولوجيا والابتكار، فإن إقرار الميثاق الوطني لأخلاقيات الذَّكاء الاصطناعي، والاستراتيجية الأردنية للذكاء الاصطناعي والخطة التنفيذية (2023-2027)، والسياسة الأردنيّة للذكاء الاصطناعي، يشكل خطوات مهمة نحو تحسين استخدام التقنيات المتقدمة لمواجهة تحديات المستقبل بثقة وفعالية وتحقيق التنمية المستدامة في المملكة .

وفي ظل هذه التطورات الرقمية، من المؤكد أن منظومة السلك الدبلوماسي تواجه فرصًا وتحديات في استكشاف الطرق المثلى للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي،والتعامل مع التعقيدات التي يمكن أن يُضيفها إلى المشهد الدبلوماسي ونهج ممارسة الدبلوماسية، وتحديد آليات التعامل الحكومي الآمن مع هذه التقنيات وتنفيذها.

وحرصاً من الاردن على تعزيز جاهزيته للمستقبل واستكشاف الطرق المثلى للاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي في قطاعات مركزية كالتعليم والعلوم المتقدمة والصحة، التقى رئيس الوزراء بشر الخصاونة مع سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «أوبن أيه آي OpenAI-» المسؤولة عن تطوير «شات جي بي تي» في مطلع شهر حزيران، وناقشا سبل تعزيز الشراكات بين الأردن والمؤسسة لتطوير حلول تعتمد على الذكاء الاصطناعي لدفع عجلة النمو الاقتصادي والتقدم التعليمي وتمكين البيئة للمواهب التقنية.

استخدام الذكاء الاصطناعي لإثراء التواصل الدبلوماسي

نظراً لأن وسائل الإعلام تؤدّي دوراً مهماً في تشكيل الرأي العام، فأن مزايا وتقنيات الذكاء الاصطناعي مثل»شات جي بي تي»و «جوجل بارد»تتيح لمنظومة الدبلوماسية الأردنية فرصة فريدة للتعرف على كيفية تمثيل «الأردن» لدى القارئ الأجنبي، حيث تسّهل هذه التقنيات جمع وتصنيف العديد من التغطيات الصحفية عن الأردن التي تعكس المشهد السياسي والاقتصادي والديناميكيات الجيوسياسية. وبفضل هذه الميزة، تستطيع الدبلوماسية الأردنية الاستفادة من الحصول على تحليل شامل للمحتوى الإعلامي واستنتاج الاتجاهات والانطباعات الناتجة عن تغطية الأحداث الجارية في المملكة.

ومن التغطيات الشائعة والمتكررة ما يلي: «الأردن منارة للسلام والاستقرار»، «الأردن لاعب رئيسي في عملية السلام في الشرق الأوسط»، «الأردن رائد في العمل الإنساني»،»الأردن وجهة سياحية».

فعلى سبيل المثال، إذا رغب دبلوماسي أردني في فهم أولويات الصحافة البريطانية والأمريكية فيما يتعلق بالأردن، فيمكنه الاستفادة من هذه التقنيات. يجمع»شات جي بي تي»قائمة بأهم الموضوعات ومنها: العلاقات الثنائية، وسياسات الحكومة، والأحداث السياسية مثل الانتخابات، ودور الملكية في الحكم، والمساعي لضمان الاستقرار. وتؤكد الصحافة انخراط الأردن في السياسات الأمنية الإقليمية وتعاونه مع المملكة المتحدة ودول أخرى لمكافحة الإرهاب وتعزيز السلام. كما تولي وسائل الإعلام اهتمامًا لأزمة اللاجئين، مسلطةً الضوء على جهود الأردن في تقديم المساعدات الإنسانية. ولا شك أن هذه التغطية الإعلامية تؤدّي دورًا حاسمًا في زيادة الوعي العام بالتحديات التي يواجهها الأردن وحاجته للدعم الدولي. كما تركز الصّحافة البريطانية على العلاقات الاقتصادية وفرص الاستثمار والتراث الثقافي والسياحي للأردن.

من ناحية أخرى، يقدّم»جوجل بارد»ملخصًا للتغطيات الصحفية الرئيسة التي نُشرت عن الأردن على مدار العقود الماضية مدعومة بمقالات مُختارة بعناية، ويحلل دور الإعلام في تبيان التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه الأردن، والتغيرات عبر السنوات في ردود الفعل الرسمية والرأي العام -سلبًا أو إيجابًا-تجاه الموقف الأردني حيال عملية السلام في الشرق الأوسط.

وهكذا يكتشف الدبلوماسي الأردني أن وسائل الإعلام البريطانية تركز في الغالب على العلاقات الدبلوماسية والاستقرار السياسي والاقتصادي، في حين تركز وسائل الإعلام الأمريكية على السياسات الأمنية والشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة ودور الأردن في حلف الناتو. وتحظى الأنشطة الثقافية الأمريكية في الأردن وبرامج التبادل الأكاديمي والتعاون العلمي بتغطية أقلّ.

التحديات

مع أنّ هذه التكنولوجيا مثيرة للإعجاب من جوانب مختلفة، إلا أنها لا تزال تعاني من قصور حيث إن مخرجاتها غير مثالية أو غير محدثة. فهناك التحيز الإعلامي الذي يؤدي أحيانًا إلى نشر معلومات وإجابات مضللة أو غير صحيحة. علاوة على ذلك، هناك التحيز السياسي، حيث تميل نماذج لغة الذكاء الاصطناعي إلى التأكيد على جوانب معينة من قضية ما أو حدث ما مع التقليل من أهمية غيرها أو تقديم المعلومات بطريقة معينة. وفي بعــض الحالات، قــــد يكــون التحيــز خفيــاً وصعــب الاكتشاف.وقد يكون ذلك مرتبطا بالتحيز التجاري لدى شركات الذكاء الاصطناعي إذ تتعمد تقنياتها تجنّب تناول طرح أو شرح القضايا الحساسة تجنباً لردود الفعل السلبية التي تؤثر على سمعتها وقيمة أسهمها. مــا يــؤدي إلى ظهــور تحديــات إضافيــة للمستخدمين -و منهم الدبلوماسيون.

وأثناء تجربة «شات جي بي تي»و»جوجل بارد» فيمَا يتعلق بحقوق الإنسان في المملكة المتحدة والأردن، لوحظ أن الإجابات المقدمة أظهرت درجات متفاوتة من التحيز.

وفي مثال آخر، تم الاستفسار باللغتين العربية والإنجليزية عن التدخل الروسي في السياسة البريطانية وتحديدًا دور وتأثير الدعاية الروسية على استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.المحتوى كان مصمماً ليتضمن رداً محدداً ضمن مساق معين من التأويلات والتحليلات البديلة التي تفتقد الدقةوانتقاء مصطلحات توجيهية مثل «مزاعم» و»مخاوف» و «الدور المحتمل» و « لا يوجد دليل قاطع يثبت بدقة»لتفنيد الادعاء حول دور الدعاية الروسية. يؤكد «شات جي بي تي» بعدم القدرة على الوصول إلى معلومات الأخبار المحدثة أو متابعة الأحداث الحالية وحتى عام 2021.

من ناحية أخرى، أقر»جوجل بارد»بالتدخل الروسي في سياسة المملكة المتحدة ودعم رده بأدلة منطقية كتقرير مكتب المفتش العام لحكومة المملكة المتحدة الصادر سنة 2018 وخلص إلى أن «هناك أدلة قوية على أن روسيا حاولت التدخل في استفتاء الاتحاد الأوروبي». ويوصي «جوجل بارد» أن تتعاون حكومة المملكة المتحدة مع الدول الأخرى من أجل تطوير استجابة منسقة لمكافحة تهديد الدعاية والتضليل الروسي.

وعبر تجربة استفسار أخرى باستخدام «جوجل بارد» برزت مشكلة صحة المعلومات المُقدّمة من قبل أدوات الذكاء الاصطناعي.عندما نُشِر بيان وزارة الخارجية الأردنية عن عقد الاجتماع الأول للجنة الأردنية السورية المشتركة للتعاون في مكافحة تهريب المخدرات في 23 تموز، 2023، سئل»جوجل بارد»عن الجهود الدبلوماسية بين الأردن وسوريا. قدم «جوجل بارد» شرحًا مفصلًا ومتماسكًا، لكنه احتوى على معلومات خاطئة ومضللة. إحداها أنه «في آب / أغسطس 2023، التقى العاهل الأردني الملك عبد الله بالرئيس السوري بشار الأسد في عمان، حيث ناقشا قضايا مختلفة، بما في ذلك تهريب المخدرات. وأعرب جلالة الملك عن التزامه بالتعاون مع الرئيس الأسد لإيجاد حل لمشكلة تهريب المخدرات».

 

طلب من »جوجل بارد» الاستشهاد بمصدر عن ذلك اللقاء، فقدم رابطا لمقال زعم أنه نُشر على منصة «جوردان تايمز» وعرّفها على أنها الصحيفة الأردنية الرسمية اليومية المرتبطة بالحكومة الأردنية. وعند استعمال الرابط، ينقل المستخدم إلى منصة «تايمز أوف إسرائيل» الإخبارية حيث يجد مقالًا نُشر عام 2021، لكنه لا يحتوي على أي معلومات بخصوص لقاء بين الملك والرئيس السوري.

تقر شركة جوجل بإمكانية وجود معلومات غير دقيقة أو مضللة كون «جوجل بارد» لا يزال بمرحلته التجريبية.

الضوابط

يوفر الذكاء الاصطناعي إمكانية إحداث ثورة في الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية واتجاهات الرأي العام، ويسهل من مواكبة التغيرات السياسية والتحولات التقنية والثقافية والاقتصادية السريعة. مما يساعد في توجيه الجهود الدبلوماسية لتكون أكثر كفاءةً واستهدافًا ويمكّن صناع القرار من تطوير سياسات أكثر فاعلية. ومن ناحية أخرى، يواجه الدبلوماسيون تحديات تتعلق بالاعتبارات الأخلاقية وحماية المعلومات الحساسة وخطر التضليل والتزييف العميق والمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي الذي قد يغير الروايات الدبلوماسية. لذلك، من الضروري للمؤسسات الحكومية صياغة استراتيجيات لاعتماد تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي ووضع سياسات لاستخدامه في العمل الحكومي والدبلوماسي، مع التركيز على الاعتبارات الأخلاقية والقانونية والأمنية.

تعتمد فعالية الذكاء الاصطناعي في الدبلوماسية على إدراك مزاياها وقيودها، وضمان إحاطة الدبلوماسيين بهذه القيود والتحيزات. وحماية المعلومات الحساسة وخطر التضليل والتزييف العميق والمحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي الذي قد يغير الروايات الدبلوماسية. ومنها:

خصوصية البيانات وأمانها

أدوات الذكاء الاصطناعي لديها القدرة على جمع وتحليل بيانات واسعة حول الجمهور المستقبل للرسائل. يمكن استخدام هذه المعلومات لإنشاء رسائل مستهدفة وتجارب مخصصة، ولكن لديها أيضًا القدرة على مراقبة الأفراد وتتبعهم دون موافقتهم. يثير هذا الموقف مخاوف بشأن خصوصية البيانات وأمنها.

الاعتبارات الأخلاقية: هناك العديد من الاعتبارات الأخلاقية التي يجب مراعاتها، مثل الامتناع عن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي للتلاعب بالجماهير أو خداعهم. إضافة إلى ذلك، يجب أن يتم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة تحترم الفوارق الثقافية والدينية للجمهور المتلقي.

الاعتبارات المهنية: يؤدي الاعتماد على هذه التقنيات كمرجع فكري وثقافي، الى اضعاف اكتساب الدبلوماسيين للمعرفة،وقدراتهم الإدراكية والتحليلية ومهارات التفاعل الشخصي كالتعاطف والتضامــن وإقامــة العلاقات والتجديد وهي في صلب العمل الدبلوماسي.

الدقَّة والموثوقية: لا تزال هذه التقنيات تعاني من أوجه قصور، حيث يمكن أن يكون لأي تضليل أو تفسير خاطئ لقضايا مهمة أو أحداث تاريخية عواقب وخيمة. وعندما يتعرض الدبلوماسي باستمرار لمعلومات مضللة أو خاطئة أو غير محدثة، فإن ذلك يؤدي لأضعاف قدرات الإدراك والتفسير، ما قد ينتج عنه اتخاذ قرارات غير صحيحة تزيد من حالة الاستقطاب أو الصراع أو تتسبب في إصدار تصريحات تضر بمصداقية المؤسسات الدبلوماسية . وعند تدهور مستوى الثقة، فسيكون من الصعب على الدبلوماسيين تجديد العلاقات مع نظرائهم ويعوق المحادثات البناءة للوصول إلى إجماع بشأن القضايا الحيوية أو حلّ الأزمات والتعامل مع التحديات المشتركة.

القبول: قد لا يرغب النظراء الدبلوماسيون أو الجَمهور في قَبُول أدوات الذكاء الاصطناعي ودمجها في الدبلوماسية بسبب عدم اليقين بأمن هذه التقنيات وانعدام الثقة في دِقَّة وصحة المعلومات التي ينتجنها.

الذكاء الاصطناعي كمصدر قوة

ان أكبر فائدة من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي ستكون استخداماته العملية داخلياً التي سـتعزز وتثـري التواصل الدبلوماسـي الأردني.فماذا لو تعاونت الحكومة وعبر وزارة الخارجية مع شركات الذكاء الاصطناعي لتطوير أدوات وتطبيقات متخصصة للأغراض الدبلوماسية في الأردن؟إن التفكير الخلاق والابتكار والاستفادة من الفرص الناشئة للذكاء الاصطناعي التوليدي يسهمُ في تأسيس الهياكل التنظيمية والأنظمة المترابطة والبدء في اختبار حدود دمج هذه التقنيات مع المهنــة القائمــة علــى البروتوكــول والتواصل لنواصل الانفتاح وبناء جسور من التفاهم والتعاون مع الدول والمؤسسات العالمية الرائدة وتعزيز مكانة الأردن عالمياً كشريك استراتيجي وقوة دبلوماسية متقدمة.

كون الاتصال هو جوهر الدبلوماسية،تُسهِم المنظومة الذكية في تحسين الاتصال والتواصل مع الدول والمؤسسات الدبلوماسية والدولية. حيث تتمكن من تحليل وفهم لغات متعددة وتجاوز حواجز التواصل،وتعزز أنشطة الأردن الدبلوماسية الثنائية والإقليمية والمتعددة الأطراف، مما يحسن التفاهم المشترك وتحقيق التقارب بين الثقافات المختلفة. ويسهل التحليل الآلي تحديد نقاط القوة والضعف في الإعلام الخارجي،وتحليل مؤشرات الرأي العام الأجنبي، وبناء استنتاجات وتوصيات تساعد في وضع استراتيجية مؤثرة لشرح السياسات الأردنية، لاسيما التي تتعرض للانتقاد، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى تركيز الجهود لتحسين الرؤية العامة حول الأردن للجمهور الدولي.

علاوةً على ذلك، فإن لاستعمال روبوتات الدردشة الذكية أثر فعال في تحسين الكفاءة العامة في إدارة الاستفسارات وتقديم المساعدة المتخصصة والإجابة السريعة والدقيقة على أسئلة المواطنين والزوار. هذا يساهم في زيادة إمكانية الوصول الى المعلومات ونشر الوعي حول الأردن وسياساته. ومن خلال تحليل بيانات وتفاعلات المستخدمين، يمكن للأنظمة الذكية توفير الدبلوماسية الأردنية بتوصيات قيمة مبنية على معطيات واضحة لتقديم الخدمات الفضلى للأردنيين في الوطن وحول العالم. فضلاً عن ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي من تحليل البيانات مهما ازداد حجمها ومهما كان مصدرها بشكل أسرع وأكثر موثوقية، مثل الخطابات ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية، والوثائق الدبلوماسية، وبرقيات السفارات، والملخصات الإعلامية، والإحاطات الاستخباراتية، وتحليلات الأحداث المحلية والعالمية التي يجريها دبلوماسيون آخرون وصولاً لالتقاط وتصنيف وتحليل التفاعلات الشخصية للمشاركين في المفاوضات أو المؤتمرات.وتستطيع المنظومة إنشاء ملفات تعريفية قيمة للشخصيات الدبلوماسية والسياسية،وتوليد قواعد تحليلية لبناء خرائط استراتيجية أو التنبؤ بمسار المفاوضات واتجاهاتها، بل وتوفير نظم التنبيه المبكر الذكية للإشارة لبدء الانطلاق بمسارات المفاوضات،مما يساعد على التحول من إدارة المفاوضات إلى قيادة المفاوضات. وبسبب قدرتها في تتبع التغييرات في أولويات سياسات البلدان الأخرى فيمكنها التقاط الإشارات والتنبؤ بالأحداث وبقوة الأطراف الأخرى الحالية والمستقبلية،وفي الكشف المبكر عن الأزمات الممكنة ويسهم هذا الاستدلال في صنع القرار.

في الختام، لا يمكن أن ننسى قيمة التفاعلات الدبلوماسية التقليدية. فلا يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن تحل محل الدبلوماسيين، بل هي أداة لدعمهم وتسريع وتيرة عملهم. ويبقى الدور المركزي للدبلوماسي الأردني حاسمًا في تمثيل وطنه بشكل فعال في المحافل الدولية، وبناء علاقات وثيقة مع الدول والمنظمات الدولية، والتعامل مع التحديات الدولية بحكمة ومرونة، وتحقيق الاستقرار وتعزيز التعاون الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى