أسواق لبنان المالية تعاني من شح الدولار* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

تتلاحق الأزمات المالية التي تعصف بالأسواق اللبنانية من التباين بأسعار الدولار الأميركي، ما بين السعر الذي يحدده مصرف لبنان، والأسعار التي تتعامل بها محلات الصيرفة، إلى التعاملات النقدية بين التجار والعملاء، ما ينعكس ارتفاعاً لأسعار السلع، ومنها على سبيل المثال المحروقات، إذ إن أصحاب المحطات يقومون بعملياتهم الشرائية بالدولار ويبيعون بالليرة اللبنانية، في ظل حديث عن نفاد تلك المادة لدى عدد من المحطات بسبب نفاد السيولة بالدولار لديها، وارتفاع أسعار البطاقات مسبقة الدفع لخطوط الهاتف الخليوي على الزبون الذي يدفع بالليرة اللبنانية.

من جهة أخرى، أوضحت تصريحات مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل ​الإرهاب،​ ​مارشال بيلنغسلي، أن أولوية بلاده ليست فرض عقوبات جديدة على لبنان بل إيجاد “سبل لمكافحة القنوات المالية لحزب الله”، وأعرب عن وجود نية لإمكانية إدراج بعض زبائن مصرف “جمّال ترست بنك”، الذي كان عوقب بإدراجه على لائحة “أوفاك” الأميركية (مكتب مراقبة الأصول الأجنبية)، إضافة إلى أن وزارة الخزانة الأميركية أشارت إلى أن العقوبات قد تطال في المرحلة المقبلة مزيداً من المصارف.

وكان بيلغنسلي صرح بأن بلاده لن تتوانى عن معاقبة “أي فريق يقدّم دعماً عينياً إلى حزب الله” بغضّ النظر عن انتمائه الديني أو المناطقي، لكن هذه العقوبات لم تؤثر حتى الآن إلا على الاقتصاد والأسواق اللبنانية، بما سبّبته من ذعر وخوف لدى المواطنين.

كيف انعكست هذه التطورات على الأسواق اللبنانية؟

وكانت الشركات المستوردة للنفط ونقابة أصحاب المحطات ونقابة أصحاب الصهاريج وموزعو المحروقات وموزعو الغاز نفّذوا إضراباً يوم الأربعاء 18 سبتمبر (أيلول) الحالي، احتجاجاً على شحّ الدولار المستعمل في عملية تأمين المحروقات للسوق اللبنانية، ومن ثم أعلنت يوم الاثنين 23 من الشهر ذاته، تجميد الإضراب والانتظار 48 ساعة، على أمل أن يجد رئيس الحكومة سعد الحريري حلاً مناسباً.

في السياق نفسه، وعن الأزمة المستجدة في قطاع شركات الخليوي جرّاء شحّ الدولار، لوّح موزعو خدمات الخليوي، في بيان صدر عن النقابة، بمقاطعة شركتَي “ألفا” و”تاتش” (الشركتين المشغلتين للقطاع في لبنان)، بسبب “إصرارهما على حصر التعامل بالدولار الأميركي”، فهم يشترون بطاقات التعبئة من شركات الخليوي بالدولار ويبيعونها بالمفرق للزبائن بالليرة اللبنانية، فيما تمتنع المصارف عن تزويدهم بالدولارات.

من جهة أخرى، نفى حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، في مؤتمر صحافي، وجود شح للدولار وقال “إن الدولار متوفر في المصارف اللبنانية، متحدثا عن تضخيم إعلامي في هذا السياق. وأكد أن “موجودات مصرف لبنان بالدولار تفوق الـ38 مليارا، كما أن “سعر صرف الليرة في المصارف واحد، والاختلاف لدى الصرافين الذين لا يقومون بعمليات التحويل”. وأشار إلى أنه “لا علاقة لنا بالأوراق النقدية، بل بالعمل الذي يتم في المصارف وبالتحويلات التي تتم من الليرة إلى الدولار”، مضيفاً أن “سعر صرف الدولار ليس مسؤولية مصرف لبنان”.

وتوجهت “إندبندنت عربية” إلى رئيس مجلس إدارة “بنك الموارد” ومديره العام مروان خير الدين، بالسؤال حول كيف لا يكون مصرف لبنان مسؤولاً عن سعر صرف الدولار؟

ويقول خير الدين، الذي كان يشغل منصب وزير سابق، إنه “ربما هناك سوء فهم لكلام الحاكم، إذ إن مصرف لبنان لا يضمن السعر الذي يتعامل به الصيارفة، كما أن مصرف لبنان لا يتدخل إلا في حالة تقديم شكوى من المتضررين. أما بالنسبة إلى المصارف اللبنانية فإن سعر الدولار ما زال ثابتاً على سعر صرف 1501 إلى 1514 ليرة لبنانية”.

في السياق عينه، ذكرت مصادر لـ”إندبندنت عربية”، تعليقاً على كلام سلامة، أن “بعض المصارف تعمد إلى التحفظ على الدولار وموجوداتها من العملات الأجنبية، وتضع سقفاً للسحوبات بالدولار، فلو كان هناك سيولة بالفعل لما لجأت المصارف إلى هكذا وسائل للحفاظ على موجوداتها من العملات الأجنبية”.

ويؤكد ذلك مواطنون عاديون، فيقول سامي، وهو مهندس مدني موظف في إحدى الشركات، إنه في بعض الأحيان يتطلب مني الأمر 3 أيام كي أستطيع الحصول على راتبي كاملاً من جهاز الصراف الآلي (ATM). أما نديم، صاحب متجر بقالة، فيقول إنه لم يواجه حتى الآن أي مشكلة مع الصراف الآلي، إذ إنه يحصل على مبلغ 1300 دولار، والذي يحتاجه يومياً تقريباً لمعاملته.

في المقابل، قال تاجر لبناني، رفض ذكر اسمه، إنه “لا يستطيع أن يحصل على أي دولار من الصراف الآلي، لذلك يأخذ حاجته بالليرة اللبنانية ويذهب إلى أحد الصرافين ليشتري الدولارات، بسبب إصرار المتعاملين معه على القبض بالدولار”.

وقال خير الدين في هذا الشأن إنه “لا شكّ أن الطلب على الدولار مرتفع نسبياً بسبب الإشاعات التي طالت الأسواق المالية عن وجود شح بالعملات الأجنبية، لكن نؤكد أن المصارف لا تواجه أياً من هذه الأزمات”، وأكد خير الدين أنه “إذا طلب أي من المودعين تحويل حتى 100 ألف دولار فإن ذلك متوفر، لكن الصعوبة هي بتوفير عملة الدولار نقداً أي Cash money”.

وأعاد خير الدين الأسباب إلى أن “بعض اللبنانيين، وجرّاء خوفهم من هبوط سعر الليرة، احتفظوا بمبالغ من الدولارات في بيوتهم ما انعكس شحّاً في الأسواق”، وأضاف أن “احتياطي مصرف لبنان وفق ما ذكر الحاكم بلغ 38 مليار دولار، وهي المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يبلغ فيها احتياطي العملات الأجنبية هذه المستويات، وهذا دليل على متانة الأوضاع الاقتصادية، ونحن نسمع ومنذ ثلاث سنوات عن وصول لبنان إلى الانهيار والإفلاس ولم يحصل ذلك، إن المستفيدين من ترويج هكذا إشاعات هي إسرائيل بالدرجة الأولى وبعض سياسيي الداخل”. وأوضح “يكفي أن نقارن بين وضع لبنان وبعض الدول المحيطة، مثل سوريا والعراق، والانكماش الاقتصادي الذي تعاني منه بعض دول الخليج كالإمارات، لنقول إننا بألف خير والحمد لله”.

ونفى خير الدين وجود أي علاقة بين العقوبات الأميركية والأزمة الحالية على الإطلاق.

في السياق ذاته، عبّر مواطنون عن استيائهم حيال رفض شركات الخليوي التعامل بالليرة اللبنانية، أو قيام بعض الباعة برفع سعر بطاقات التعبئة نتيجة شرائهم الدولار بـ1540 و1550 ليرة، وذلك لسداد أسعار ما اشتروه من بطاقات من شركتَي “ألفا” و”تاتش” بالدولار.

وقال محمد إنه ذهب لشراء بطاقة تعبئة من فئة الـ20 ألف ليرة لبنانية، ليتفاجأ بصاحب المحل الذي رفض أن يتقاضى منه المبلغ بالليرة، بحجة أنه يتقاضى ثمن البطاقات بالدولار. أما مها، وهي موظفة إدارية في شركة تسويق، فعبّرت عن مفاجأتها بارتفاع فاتورة هاتفها الثابت، ولدى تحريها عن الموضوع وجدت أن شركات الخليوي تحاسب على أساس سعر الدولار المتداول في الأسواق “الذي تخطى الـ1600 ليرة في بعض التعاملات”، على حدّ تعبيرها.

في هذا الخصوص، استغرب خير الدين تقاضي شركات الخليوي فواتيرها بالدولار. وقال إن “هناك اقتراحا في مجلس النواب لدفع هذه الشركات إلى التعامل بالليرة اللبنانية”. وبالفعل كان نقيب تجار الخليوي وشركات الاتصالات في لبنان، علي فتوني، كشف في حديث عبر إذاعة “صوت لبنان” عن التوصل إلى اتفاق مع وزير الاتصالات محمد شقير يقضي بدفع نسبة من سعر البطاقات إلى الشركات بالدولار ونسبة بالليرة اللبنانية تفادياً لخسارة هذا القطاع من جراء سعر صرف الدولار، مؤكداً عدم زيادة أسعار بطاقات إعادة التعبئة للمواطنين.

وذكرت المؤسسة اللبنانية للإرسال (LBCI)، في نشرتها المسائية (الثلاثاء)، أن المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم أخلى سبيل الصرافين الـ6 المرخّصين بسند إقامة بعدما أوقفتهم النيابة العامة المالية بواسطة مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال، على خلفية عدم التزامهم تعاميم “مصرف لبنان” لناحية تسعير وصرف الدولار. ويعمل كل هؤلاء الصرافين في منطقة طرابلس شمالي لبنان، حيث كانوا يبيعون الدولار بـ1560 و1570 ليرة لبنانية.

وتحدثت “إندبندنت عربية” عن ذلك الموضوع مع أحد الصيارفة، الذي قال “نحن لا نستطيع التزام السعر الذي يحدده مصرف لبنان، لأننا لا نستطيع أن نتعامل مباشرةً مع المصارف، لذلك نحن مجبرون على الشراء من السوق، والسوق اللبنانية حرة، فعندما نشتري بسعر مرتفع سنبيع بسعر مرتفع أيضاً، ولسنا مسؤولين عن الأزمة الحالية، بل المصارف هي المسؤولة لأنها لا تلبي حاجات الأسواق المالية”.

نقلاً عن “إندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button