رصد دور الإعلام الوطني في الصراع الليبي
ليبيا – سالم علي الحامدي –
لاشك لو سألت اى متتبع للشأن الليبي وماتشهده البلاد من انقسامات حادة وحروب وصراعات سياسية وجهوية، حتما سيتطرق لدور الإعلام السلبى وما أسهم فيه في تعزيز تأجيج الانقسام والصراع في البلاد.
ولمعرفة أسباب ومكامن الخلل والتخبط الذي يعيشه الإعلام الليبي بعد الثورة، ذهبنا لإستطلاع آراء بعض الكتاب والصحفيين والناشطين في الشأن الليبي.
أشار الكاتب والاعلامى الليبي رضاء فحي، في مقاله بعنوان (الإعلام الليبي: تأجيج للصراع وإفلات من العقاب) للفترة ما بعد سقوط نظام القذافي مباشرة، حيث كان هناك ازدهار في وسائل الإعلام التقليدية المستقلة (من تلفزيونات وإذاعات مسموعة وصحف)، وهو ما اعتُبر مؤشراً على رغبة الليبيين في الحصول على معلومات من مصادر مستقلة عن الحكومة.
وفي تقرير أجرته منظمة ألتاي في (فبراير/أبريل 2013) لفت إلى أن نحو 99٪ من الليبيين يشاهدون القنوات الفضائية، و58٪ منهم يستمعون إلى الإذاعة، بينما تأتي في المرتبة الثالثة من متابعي الأخبار هم فئة رواد الإنترنت وتصل بنسبتهم إلى 40٪، أما قراءة الصحف فلا تتعدى النسبة عن 11% مما يدل على أن الإعلام المرئي هو المؤثر الأول في صنع القرار والتأثير على الرأي العام، تأتي بعده الإذاعات المحلية.
كما أظهر التقرير، بعد سنتين من الثورة وجود زيادة في نسبة مشاهدة الليبيين للقنوات الفضائية الليبية، حيث بات الأغلبية يعتمدون عليها لاستقاء الأخبار والشؤون الوطنية والمحلية، بينما نسبة 38٪ من الناس باتوا يعتبرون القنوات الفضائية الليبية كمصدر رئيسي للمعلومات ونسبة 35٪ منهم باتوا يشاهدون القنوات الليبية بشكل رئيسي، مقابل 19٪ للقنوات العالمية” بحسب التقرير.
وقد استمر هذا المشهد في حالة نمو وتطور ومن ثم تخبط؛ لا سيما في ظل التغييرات المتكررة لمدراء وسائل الإعلام والإعلاميين أنفسهم، وانتقالهم من مؤسسة لأخرى أو تركهم للعمل الإعلامي نتيجة للتهديدات، وافتقار بعضهم للكفاءة المهنية، وإقفال بعض المؤسسات وظهور مؤسسات إعلامية أخرى جديدة بين الحين والآخر.
الشارع لم يعد يثق بالإعلام الليبي
وعلى ضوء هذه التقلبات في القطاع الإعلامي في ليبيا، يرى المراقبون بأن جزءاً من الليبيين أصبحوا يفقدون الثقة في وسائل الإعلام التقليدية، من تلفزيون وإذاعة وصحف مطبوعة، بل أسهمت هذه التقلبات إلى لجوء نسبة كبرى من الناس إلى مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك والتويتر واليوتيوب والمدونات كوسيلة بديلة لتلقي الأخبار.
وفي مقال كتبه الاعلامى فوزى الخالقى، أشار فيه إلى أن توجهات الإعلام الليبي أصبح لا يخدم الناس قدر ما يخدم أجندات معينة تموله وتدعمه، وذكر بأن الشارع الليبي لم يعد يثق فيما تبثه قنوات التلفار الليبية التي باتت قنوات موجه، وتتباين في مواقفها وخاصة عند تغطيتها وتقلها للأخبار، لدرجة وصل الأمر ببعضها إلأى اللجوء إلى بث أخبار مزعزمة وكاذبة وغير مسنودة على أدلة ومعلومات صحيحة، مما اسهم في في الكثير من الأحيان في نشر الفتن.
كما شكك الاعلامي فوزي الخالقي في وضع القطاع الاعلامي في ليبيا، مشيرا غلى أنه لا يشكل في الوقت الحالي السلطة الرابعة، لأن بعضه تحول لأداة لإستبدال واحلال القيم والمفاهيم الوطنية بأخرى موجهة لا تخدم الوطن والمواطن معا، وتسفر في الغالب عن نشر المزيد من الفرقة والاضطرابات في الشارع الليبي.
تسييس الإعلام
ويرى الإعلامي «محمد الهمالي الفاخري» رئيس تحرير صحيفة مرآة الطالب جامعة اجدابيا، بأن الإعلام في ليبيا بمضمونه وشكله الحالي من أكثر العوامل التي لم تساعد في النهوض بالدولة الليبية، وعزا الأسباب بأنه يعود لمحاولات تسييس مؤسسات الإعلام الوطنية مما ساعد على بث الفتن والإنقسامات بين أبناء الشعب الواحد .
وراى الكاتب والمستشار القانوني والناشط الحقوقي هشام عبد الحميد الشلوى فى مقال له تحت عنوان “ليبيا بلد لم يذق طعم الاستقرار بعد”، بأن ثورة السابع عشر من فبراير أسقطت الدولة والنظام معا. ونوه إلى أن البلد ورغم مضي سنوات على سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي إلا أنه لم يتم بعد تحديد نخبه هويته السياسية أو الاقتصادية ولا حتى مسار مستقبله.
في ظل هذا المشهد ليس ثمة فرق بين الديكتاتورية والديمقراطية في انعكاسهما على الإعلام، ومع زوال الخطوط الحمراء حل محلها خطوط أخرى مهيمنة أيضا، وتكمن في الجماعات المسلحة المسيطرة، والأيدولوجيات الدينية المتطرفة، والمدن فوق النقد، والرأسمال السياسي المتبني لحساباته سياسية جديدة.
الأجندات الدولية
ولاشك المتتبع لهذا الوضع الإعلام الليبي المتخبط والبائس، لا بد أن يلاحظ تدخل الأجندات الدولية والإقليمية ودورها في ما يعيشه الوضع والاعلامى حاليا في هذا الصراع. وفي هذا السياق كتب الكاتب والاعلامى الليبي محمد بعيو مقال بعنوان “المؤتمر الدولي للإعلام الليبي: ندوة تلفزيونية تهريجية)، أشار فيه إلى أن هيئة النزاهة والوطنية حولت الثورةٍ الشعبية الوطنية إلى فورةٍ انتقامية إقصائية. أي على طريقة الأفلام المصرية في تضخيم أسماء الأعمال والدكاكين الصغيرة للكُشري والعصائر والياميش وفوانيس رمضان والمولد لتصبح شركاتٍ ومؤسساتٍ دوليةٍ عالميةٍ كبرى..!
ولكي نكون واقعيين فى تشخيص واقع الإعلام الليبي ودوره فى الصراع التي تشهدها البلاد، لابد إن نذكر أهم الأسباب الكامنة التي تسببت بهذا التهالك للاعلام الليبي، ويتمثل في غياب الدولة . وأخطاء المجلس الوطني الانتقالي. حيث وبإلغاء وزارة الإعلام كجهاز منظم وضابط للإعلام فى الفترة الانتقالية إلى حين قيام (الدستور) المسؤول عن سن القوانيين وتنظيم وضبط العمل والاعلامى والصحفي من الفوضى الخلاقة الذي يعيشه الآن الإعلام الليبي.