القاضي طارق البيطار أمل اللبنانيين ومصدر إزعاج للطبقة السياسية يخوض نضالا لتحقيق العدالة في انفجار مرفأ بيروت

النشرة الدولية –

لا يزال اللبناني طارق البيطار لغزا محيرا بالنسبة إلى الكثيرين، ورمزا لمواجهة طبقة سياسية متجذّرة في الفساد، حيث يصر على استكمال التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت موجها أصابع الاتهام إلى سياسيين وقضاة وأشخاص بارزين ومدعومين حزبيا ما يعرضه لوابل من الهجوم والاتهامات، في حين يراه اللبنانيون بارقة الأمل الوحيدة التي قد تنجح في تحقيق العدالة في بلد يسود فيه الإفلات من العقاب وتضيع فيه الحقوق بسهولة.

في بلد تتحكم فيه المحاصصة الطائفية وتتوغل في مفاصله الحسابات السياسية ويكبّله الفساد والمحسوبية، جاء المحقق العدلي طارق البيطار ليكون بمثابة “البطل المجنون” الذي قرر تحدي الجميع في سبيل تحقيق العدالة في قضية انفجار مرفأ بيروت، تلك الكارثة التي حلت فجأة على اللبنانيين ولم يستطيعوا تجاوزها إلى حد الآن.

وبالنسبة إلى اللبنانيين الذين يشعرون باليأس من محاسبة المسؤولين عن الانفجار الكارثي في بيروت، يبرز القاضي البيطار كبارقة أمل في احتمال أن تتحقق العدالة ذات يوم. أما بالنسبة إلى بعض كبار المسؤولين في لبنان، فإنه يمثل مصدر إزعاج حيث يبذل جهودا حثيثة لمقاضاتهم بشأن الانفجار، مما يهدد نظاما سياسيا وُضع لحماية النخبة الحاكمة من الملاحقة.

وفاجأ البيطار (49 عاما) اللبنانيين الاثنين عندما استأنف تحقيقه في قضية المرفأ ووجه اتهامات لمسؤولين كبار حاليين وسابقين في تحد واضح لكبار قادة النخبة، بما في ذلك جماعة حزب الله المدعومة من إيران.

وادّعى على أربعة قضاة بينهم النائب العام التمييزي غسان عويدات في إجراء غير مسبوق ينذر بأزمة قضائية وسط ضغوط سياسية عرقلت التحقيق منذ انطلاقه.

وحدّد البيطار مواعيد لاستجواب 13 شخصاً مدعى عليهم، على أن تحصل في الفترة الممتدة بين 6 و22 فبراير المقبل، في إطار دعاوى حقّ عام “بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي”، من دون تفاصيل محددة حول المآخذ على المدّعى عليهم.

وتقول مصادر قضائية إن عويدات أشرف العام 2019 على تحقيقات أولية أجراها جهاز أمن الدولة حول وجود ثغرات في العنبر رقم 12 حيث كانت تخزّن شحنة نيترات الأمونيوم.

وردا على القرار، رفع عويدات دعوى قضائية ضد البيطار بتهمة “اغتصاب السلطة”، وقال “لم نتبلغ قرار البيطار باستئناف عمله سوى عبر الإعلام، وبما أنه اعتبرنا كنيابة عامة غير موجودين، فنحن نعتبره أيضاً غير موجود”.

وأعطت قرارات البيطار أملا جديدا للبنانيين الذين ما زالوا في حالة حداد على مقتل 220 شخصا في الانفجار حتى مع تصريح النائب العام، وهو أحد المسؤولين الذين اتهمهم البيطار، بأن التحقيق ما زال معلقا، مما يشير إلى تجدد المقاومة من جانب القادة.

وقالت تانيا ضو علام، التي فقدت زوجها في الانفجار، “هذا حقا (قرار) جريء وشجاع. لقد سعى (البيطار) إلى ذلك من قبل ولم ينجح. لا يوجد دعم من الشخصيات السياسية. تشعر وكأنه في مهمة فردية”. وأضافت أن تصميم البيطار جعله “بطل العصر الحديث”.

لكن حزب الله وأنصاره يرون أن البيطار “مجنون” ويتهمونه بأنه “قاض على التحقيق” وليس قاضيا للتحقيق في الانفجار.

ووقع الانفجار في الرابع من أغسطس عام 2020 في مستودع بالمرفأ كان يتم فيه تخزين مئات الأطنان من نترات الأمونيوم منذ تفريغها عام 2013، وهو أحد أكبر الانفجارات غير النووية المسجلة في تاريخ العالم المعاصر.

البيطار يواجه اتهامات ومتاعب لا حد لها، أبرزها صادر عن حزب الله

وترمز الكارثة بالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين إلى اتساع رقعة الفساد وسوء إدارة النخبة الحاكمة التي دفعت لبنان أيضا إلى انهيار مالي مدمر.

وعقب وقوع الانفجار، وعد القادة بالكشف عن الحقيقة في غضون أيام، لكن بعد مرور أكثر من عامين لم يخضع أحد للمساءلة حتى الآن في بلد تتأثر فيه السلطة القضائية بالضغط السياسي مع تعيين الكثير من القضاة من قبل السياسيين.

واختير البيطار رئيسا للتحقيق في الانفجار في عام 2021 بعد عزل سلفه القاضي فادي صوان من القضية في أعقاب شكاوى من كبار المسؤولين الذين وجه إليهم اتهامات بشأن الانفجار.

وواصل البيطار توجيه الاتهامات إلى عدد من كبار السياسيين، بمن فيهم وزراء سابقون متحالفون مع حزب الله. لكنهم رفضوا الاستجواب ونفوا ارتكاب أيّ مخالفات قائلين إنه تجاوز سلطاته.

ودخل التحقيق في حالة من الشلل منذ عام تقريبا بسبب تقاعد قضاة من محكمة كان يتعين عليها أن تفصل في العديد من الشكاوى ضد البيطار.

ولم تعين السلطات اللبنانية قضاة بدلا منهم، مما أثار مخاوف من دخول التحقيق طي النسيان إلى أجل غير مسمى.

لا يُسمح لطارق البيطار بالإدلاء بتصريحات عامة لكن في مقابلة نادرة أُجريت عام 2021 وصف قضية انفجار المرفأ بأنها “مقدسة”.

وقال البيطار في مقابلة مع جريدة “لوريان لوجور” اللبنانية حينها “سأذهب حيث يقودني القانون والحق، لن يوقفني شيء، لا أعرف إلى أين سيقودني التحقيق، لكنني لن أتركه ينحرف”.

وبالفعل، استأنف القاضي تحقيقاته هذه المرة رغم العشرات من الدعاوى التي طالبت بعزله وعلّقت تحقيقاته منذ أكثر من عام.

وفور استئنافه التحقيق الاثنين، طلب البيطار إخلاء سبيل خمسة موقوفين منذ الانفجار ومنعهم من السفر، بينهم عامل سوري ومسؤولان سابقان في المرفأ.

وجاء قرار البيطار استئناف تحقيقاته بعد نحو أسبوع من لقائه وفداً قضائياً فرنسياً زار لبنان بهدف الاستفسار عن معلومات طلبها القضاء الفرنسي الذي يجري تحقيقاً في باريس بشأن مقتل وإصابة فرنسيين في الانفجار.

ووجهت جماعة حزب الله المسلحة، والتي تعد أقوى فصيل في لبنان، اتهامات للبيطار بالتحيّز واتهمت واشنطن بالتدخل في سير التحقيق وهو ما نفته السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا.

وكان مسؤول في حزب الله قد بعث برسالة إلى البيطار في عام 2021 تعهد فيها “باقتلاعه” من القضية ونظم بعدها أنصار الجماعة وحلفاؤها مسيرات ضده أدت إلى أعمال عنف دامية في بيروت.

وقالت صحيفة “الأخبار” اللبنانية الموالية لحزب الله إن البيطار “أُصيب بالجنون”. وطالب وئام وهّاب وهو سياسي متحالف مع حزب الله بعزل البيطار من القضاء ووصفه بالكاذب.

ويعتزم البيطار، وفق مصدر قضائي، الاستمرار في عمله بالرغم من رفض المحكمة التمييزية بناء على مطالعة قانونية قام بها، وأعلن على أساسها قراره استئناف التحقيقات رغم الدعاوى المرفوعة ضده، ما أثار جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى