إجماع سياسي بلبنان على ضرورة تشكيل حكومة ”إنقاذ تكنوقراطية“
النشرة الدولية –
مع استمرار التصعيد في الشارع اللبناني، ترتفع الهواجس من مصير البلاد في حال استقالة الحكومة، وأجمعت معظم الكتل النيابية على اختلاف انتماءاتها السياسية على ضرورة التوجه نحو تشكيل حكومة اختصاصيين (تكنوقراط) مصغرة من دون لون سياسي، تنفذ خطة اقتصادية إصلاحية تنتشل لبنان من العجز المتراكم.
جاءت هذه الدعوات السياسية؛ في ظل توتر تعيشه لبنان منذ مساء الخميس الماضي، تخلله قطع طرق وإحراق إطارات سيارات، وسط تظاهر آلاف الغاضبين في العاصمة بيروت ومدن أخرى، وتصاعد مطالبهم من إسقاط بعض الإجراءات الضريبية، إلى الدعوة لإسقاط الحكومة.
وقطع مئات المتظاهرين الطرق الرئيسية في العاصمة ومداخلها، وفي مختلف المناطق من الشمال إلى الجنوب، وصولاً إلى محيط قصر الرئاسة في بعبدا، وتم قطع طريق مطار بيروت الدولي بالاتجاهين، بالإطارات المشتعلة، وسط غضب عارم من سياسات الحكومة الاقتصادية، ودعوات لها بالاستقالة.
وتخللت الاحتجاجات اشتباكات بين القوى الأمنية في محيط السراي الحكومي في بيروت والمتظاهرين الذين حاولوا خرق السياج الحديدي واقتحام مقرّ الحكومة، ما أسفر عن إصابة عشرات من الطرفين.
ضرورة المحاسبة
وفي هذا الإطار أكد النائب نزيه نجم، عضو كتلة المستقبل (يقودها رئيس الحكومة سعد الحريري) أن الأهم من الاستقالة هو محاسبة الفاسدين والمقصرين.
وتساءل نجم: ”لماذا يتم تحميل مسؤولية الاستقالة للحريري وكل الأحزاب والتيارات السياسية اللبنانية مشاركة في الحكومة، بينما يمثل الحريري جزءاً صغيراً منها“.
ويتفق معه النائب الوليد سكرية، عضو كتلة الوفاء للمقاومة (كتلة ”حزب الله”) حول ”ضرورة المحاسبة واستعادة الأموال المنهوبة قبل أي شيء“.
ويضيف ”سكرية“: ”في الحكومة الحالية كانوا مصرين على نفس السياسة التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة منذ مطلع التسعينات مع رفيق الحريري، عبر الاقتصاد الريعي وتراكم الديون وتكديس الثروات في المصارف وإفقار الشعب“.
وأكد أن حكومة سعد الحريري ”بعد كل هذه السنوات من السياسات الاقتصادية الخاطئة وصلت إلى مرحلة ما عاد بإمكانها الاستدانة لوفاء خدمة الدين وصولاً للانهيار“.
ويتابع: ”وصلنا إلى الطريق المسدود ولا بدّ من الانهيار الاقتصادي في حال استقالت الحكومة أم لم تفعل، لكن كيف سيكون الوضع بعد الانهيار؟ لا أحد يمكن أن يتكهن بذلك“.
ورأى النائب اللبناني أن ”أحد الحلول ربما تكون بتشكيل حكومة اختصاصيين لا لون سياسي لها، ومعالجة الوضع الاقتصادي بجراحة وليس بمسكنات، والجراحة تبدأ من إعادة هيكلة الدين العام“.
مطالب محقة
بدوره، قال إدغار معلوف، عضو ”تكتل لبنان القوي“ (محسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون): ”مطالب الشارع محقّة ونتفهمها، ونحن كتيار وطني حرّ طالبنا بها مجلس الوزراء وقدمنا اقتراحات قوانين معجلة مكررة في مجلس النواب، بدءاً من قانون رفع السرية المصرفية إلى استعادة الأموال المنهوبة ورفع الحصانة“، مضيفاً: ”لسوء الحظ كانت هذه القوانين تسقط بالتصويت“.
ورأى معلوف ”أن هذه التظاهرات ليست ضد العهد الرئاسي لميشال عون، وإن كان البعض يحاول تصويرها كذلك لمآرب سياسية، لكن هي ضد تراكم فساد عمره 30 سنة“.
أزمة ثقة
أما النائب المستقل فيصل كرامي، فرأى أن الاستقالة الفعلية للحكومة من عدمه لم تعد ذات أهمية، معتبراً أن ”ثقة الناس بهذه الحكومة قد سقطت في الشارع ولم يعد هناك لا هيبة ولا قرار لهذه الحكومة التي أثبتت أنها بلا رؤية وبلا عنوان وبلا الحد الأدنى من الحس بالمسؤولية“.
وتابع كرامي : ”ما نشهده اليوم هو حكومة استطاعت أن توحد الشعب اللبناني بمختلف طوائفه وانتماءاته على مطالب معيشية“.
وأضاف: ”يجب تشكيل حكومة جديدة لا تعيد فيها السلطة الحالية إنتاج نفسها من جديد، لأن اليوم الشارع هو اللاعب الأساسي وليس السلطة ولذلك لابد من حكومة اختصاصيين لديها رؤية اقتصادية علّها تنذر بالفرج القريب“.
ومنذ مساء يوم الخميس، يشتعل الشارع اللبناني على وقع تظاهرات شعبية خلت من الشعارات الطائفية، بعد قرار الحكومة فرض ضرائب جديدة ضمن موازنة 2020 التي تواصل مناقشتها، طالت قطاع الاتصالات المجانية عبر الإنترنت بما في ذلك فرض 20 سنتاً يومياً على كل مشترك في تطبيق ”واتس آب“، فضلاً عن زيادة الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 4 بالمئة تدريجياً.
ورغم إعلان الحكومة لاحقًا على لسان وزير الاتصالات محمد شقير، التراجع عن فرض ضرائب على تطبيق ”واتس آب“، إلا أن محتجين يقولون إن ”السيف قد سبق العزل“ فعليًا وإنهم ضاقوا ذرعًا بالطبقة السياسية الحالية وطالبوها بالرحيل.