“الانتفاضة اللبنانية” هل تؤسس لرأي سياسي جديد لدى الشباب الشيعة* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

حتى وقت ليس ببعيد كانت فكرة الخروج بتظاهرة ضد حركة أمل أو حزب الله فكرة أقرب إلى الخيال، وفي لحظة نزل الآلاف إلى ساحات صور والنبطية وكفررمان لينددوا بالرئيس نبيه بري وزوجته، حيث شبهها مراقبون، (بما حدث برومانيا عام 1989 يوم نزل المتظاهرون ونددوا بالرئيس نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته)، وضد النظام الطائفي والسلطة السياسية التي ينضوي ضمنها حزب الله.

مشهد 17 أكتوبر (تشرين الأول) قد يكون مشهداً تأسيسياً لخطاب سياسي مختلف بالنسبة إلى مناطق سيطرة الثنائية الشيعية (حزب الله-  حركة أمل)، هذه الفئة تحديداً تحمل أفكاراً عدة ونبضاً مغايراً عما عهدته الانتفاضات اللبنانية السابقة، ما دفع بالأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى اتهام سفارات ومشاريع خارجية بالوقوف خلف الحراك، حين قال “عندما تحملون أوجاعكم، عليكم أن تختاروا من يُؤتَمَن على صرخاتكم وآلامكم، إذ ما الضمانات أنّ هؤلاء لن يستغلّوا الحراك ويأخذه باتجاه مشاريعٍ خارجيّة؟ صاحب الكفاءة، وغير المرتبط بالسفارات، البديل الذي يعالج قضايا الناس، ومن صلبهم ويعيش حياتهم لا حياة امبراطورية”.

 مشهد مختلف

“اندبندنت عربية” سألت الأستاذ الجامعي الكاتب وسام سعادة عن وجهة نظره إلى مآلات الانتفاضة وتأثيرها في تكوين رأي سياسي لدى الشباب المشارك.

وقال سعادة إن “المشهد مركب، وتغيّر هذا المشهد عما رأيناه في الأيام الأولى للحراك، حيث شارك بدايةً، جمهور كبير موالٍ عاطفياً للثنائي الشيعي، ومنهم مَن تمرد على الرئيس بري وزوجته، على الرغم من احتمال وجود خلفية موالية لحركة أمل لدى أهالي هؤلاء، كما أن غالبية المشاركين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 سنة. كم كان عمر هؤلاء أيام تحرير الجنوب عام 2000؟ وحرب تموز عام 2006؟ وأين هم من الانقسام ما بين 14 و 8 آذار، هؤلاء منمطون ومتأثرون بالجهات التي كانت حاكمة”.

ولدى سؤاله حول ما إذا كان من الممكن أن تكوّن هذه الفئة رأي مستقل اليوم؟ رأى سعادة أنه “لا يجب التسرع والقول إن هذه الفئة سيكون لها رأياً مخالفاً لرأي الحزب السياسي، لكن الملاحظ هو أن الناس التي استخدمت الخطاب الأكثر تبريراً واستيعاباً لخطاب الحزب، هي الفئة التي اصطدمت جسدياً معه في صور والنبطية وغيرها من المناطق الجنوبية، لذلك صعب التوقع إلى أين ستذهب هذه الموجة”.

هيبات تأثرت

ألَم يطرأ تغيير على التعامل ما بين هؤلاء الشباب وأحزاب الثنائية الشيعية؟ أجاب سعادة “من الطبيعي القول إن ما قبل 17 تشرين ليس كما بعده، حيث أن علاقات الولاء والرهبة لم تعد هي نفسها، لكن حتى الآن لا نستطيع القول إن هيبة نصرالله تأثرت كما حصل مع نبيه بري، ذلك أن الهتافات التي نددت به وبزوجته تذكر بما حصل مع الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته”.

ولكن نصرالله حسم خياره إلى جانب السلطة بمعنى أنه تخلى عن المتظاهرين؟ يقول سعادة، “لم يحسم حزب الله أمره بعد فهو لم يعلن أنه ضد التظاهرات، هو سحب مناصريه فقط، إذ إنه لا يريد لها أن تتوقف بل يريد أن يسيطر عليها ويوجهها. في بداية الحراك رأينا إعلامه والصحف القريبة منه تروج للتظاهرات، لكن ما حصل لاحقاً خرج عن سيطرته وبخاصة المطالب، أي المطالبة باستقالة الحكومة، لأن هذه الحكومة هي واجهته للتعامل مع المجتمع الدولي كما أنه كان مع التجديد لرياض سلامة حاكم مصرف لبنان بخلاف فريق رئيس الجمهورية، لكنه مع إسقاط الرأسمالية، والضرائب على المصارف”.

وعند سؤال سعادة عما إذا كان هذا الكلام يحمل تناقضاً، أجاب سعادة “نعم، لأن الحزب هو مَن لا يحسم قرارته، فهو يؤيد رفيق الحريري أو سعد الحريري، ولا يؤيدهما، وهو كان معارضاً لاتفاق الطائف عام 89 ولكنه بدأ أخيراً إلباس خطابه قليلاً من الواقعية، لكنه متمسك بالحكومة، لأنها تساعده بالضغط الذي يمارسه على المؤسسات المالية، ومن دونها يصبح مكشوفاً أمام المجتمع الدولي، والعقوبات الأميركية، التي باتت حادة ومزعجة، كما أن مسألة العقوبات ليست بمعزل عن الحصار على إيران، ولعل قضية مصرف جمّال تراست بنك هي إحدى الأسباب المهمة التي أدت إلى تململ الشارع الشيعي”.

واعتبر سعادة أن هذا التململ يتأتى من أن البيئة الشيعية تنقسم إلى فئتين، الأولى خطابها تصادمي مع السلاح وأيديولوجية الحزب، وفئة ثانية وهي الأخطر على خطابه، لأنها تخرج إلى التظاهر سواء عن قناعة أو بناءً على حسابات داخلية، ولم تتعرض إلى هالة نصرالله أو سلاح الحزب لكنها لا تنصاع إلى قراراته، فهي تخرج أو تنكفئ بإرادتها، ذلك أنها تعتبر أن حزب الله الأكبر والأقوى سياسياً وعسكرياً في لبنان، ومع هذا لم تنعكس هذه الحيثية عليها بشيء من المكاسب، كما فعلت عند حلفائهم في الحركة والتيار الوطني الحر (حزب رئيس الجمهورية ميشال عون). وتعتبر هذه الفئة أن الحزب أعطاها شعوراً بالاعتزاز بالذات، حيث أنه يتدخل في سوريا ويعود منتصراً، ويتدخل لنجدة الشعب اليمني… لكنه لم يجعل من الشيعة مواطنين فئة أولى، وهم الفئة التي قدمت شهداء ودماء، ولم تأتِ المكاسب على قدر التضحيات، ولا يزالون مهمَشين على صعيد الوظائف، ليس آخرها الناجحون في مجلس الخدمة المدنية، وعلى خلاف ذلك نرى أن التيار الوطني الحر جعل من المطالبة بحقوق المسيحيين شعاره، و17 أكتوبر كان اليوم الذي حدده عون لمناقشة المادة 59 في البرلمان، ولفهم حقيقة ما يجري اليوم يجب العودة إلى ما حدث منذ سنتين في حي السلم في بيروت، (انتفاضة مناصري حزب الله ضده بعد إزالة مخالفات من قبل الدولة).

 شباب الساحات

من جهة أخرى، قال متظاهر من النبطية (21 سنة) تمنى علينا أكثر من مرة عدم ذكر اسمه، إن رأيه مستقل “منذ بدأ يعي ما يحصل في السياسة”، مضيفاً أنها تراكمات دفعته ليتخذ موقفاً مغايراً عن موقف الأحزاب المسيطرة في المنطقة، بدءاً من انتظاره أمام أبواب المستشفيات أكثر من 8 ساعات ليستطيع أن يدخل أبيه، ودفعه كل أسبوع أكثر من 1500 دولار بدل طبابته.

وأكد أنه يسعى إلى إقامة “دولة مدنية علمانية، تؤمّن العدالة الاجتماعية بين جميع مواطنيها، لكنني على الرغم من ذلك سأهاجر، وأنا أتظاهر اليوم ربما لأجيال قادمة، ولأنني أؤمن أن هذا واجب وطني”.

ولدى سؤاله حول سبب عدم رغبته في كشف اسمه، قال إن “الوضع تغيّر، لم نعد نستطيع التكلم بحرية بعد موجة التوقيفات التي جرت منذ أيام، إضافة إلى ما حصل اليوم (الثلاثاء) من حرق لخيم المتظاهرين في بيروت، لكنني أحاول أن أمرر رأيي بين الأطراف من دون صدام”.

أما بلال من كفررمان (28 سنة) فقال إنه يؤمن “بالتعددية واحترام الرأي الآخر”، وأنه قبل هذا الحراك لم يفكر يوماً أن يتدخل أو يتظاهر، “لكن التعبير عن الرأي يُشعر المرء بالتحرر والوجود ككائن حي”، وهو يشعر الآن بالاستقلالية وبالشجاعة. وأضاف “أستطيع اليوم أن أجاهر بمعتقداتي التي تدعو لإسقاط الطائفية السياسية. أنا لا أرتكب معصية إذا عبّرت عن رأيي، لدي أقارب وأصدقاء من الحزب والحركة، هم أحرار بآرائهم وكذلك أنا، وأتمنى أن نتوصل إلى دولة مدنية عادلة، عندما أطالب بعدالة اجتماعية، فهذا سينعكس على كل مواطن وليس عليّ فقط، الفساد يسيطر على النظام، ونحن الشباب مَن يدفع الثمن، لذلك أنا باقٍ لأنني وجدت باباً للتعبير من خلاله”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى