هل ينظّم مشروع قانون “إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة” الموجود في عهدة المجلس النيابي اللبناني فوضى الألواح؟

النشرة الدولية –

لبنان 24 – نوال الأشقر –

رغم كلفتها المرتفعة، وجد المواطن اللبناني نفسه مجبرًا على اللجوء إلى الطاقة الشمسيّة، لمواجهة العتمة شبه الشاملة من جهة، وارتفاع فاتورة المولّدات الخاصة من جهة ثانية. تقنين التيار الكهربائي الذي وصل إلى 22 ساعة يوميًّا في مختلف المناطق، بما فيها بيروت، وفشل استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن، جعل البلد يشهد فورةً في تركيب الألواح الشمسيّة على أسطح المنازل والبنايات وحتى على أسطح القرميد، ولو كانت الألواح وبطارياتها بمقدور الفقراء، لكانت حجبت كامل الرؤية، وحوّلت أسطح كل المؤسسات والمنازل والشرفات في لبنان إلى منصّات لخيوط الشمس.

فوضى الألواح الشمسيّة

سجّل لبنان العام الماضي تركيب 100 ميغاواط، وهي توازي الكميّة التي تمّ تركيبها خلال عشرة أعوام بين عامي 2010 و2020 وفق “المركز اللبناني لحفظ الطاقة”، وسط توقّعات بتركيب 250 ميغاواط خلال العام الحالي. وعلى رغم جدوى اللجوء إلى أشعة الشمس في إنتاج الكهرباء، اقتصاديًّا وبيئيًّا، إلّا أنّ حالة من الفوضى والعشوائية ترافق عمليات تركيب ألواح الطاقة الشمسيّة، لجهة الشروط الصحيّة والبيئيّة والسلامة العامة، خصوصًا أنّه بإمكان أيّ شخص غير متخصّص بالطاقة الشمسية أن يدّعي الإختصاص ويعمل في تركيبها، الأمر الذي يزيد من مخاطر انفجار البطاريات أو اندلاع حرائق ناجمة عن سوء استخدامها.

في المدن تتفاقم المشاكل بشكل أكبر، وتندلع الخلافات بين سكان البناية الواحدة، بحيث لا تتسع أسطح المباني لتركيب ألواح لكافة الشقق، فضلًا عن المناكفات بين الجيران حول الموقع الأفضل. ” لجوء المواطنين إلى إيجاد بدائل بطرق فرديّة، بسبب العتمة وكلفة المولدات الباهضة، والتقاعس عن اعتماد الحلول المجتمعيّة، أوصلنا إلى ما نحن عليه من العشوائية، يضاف إلى ذلك الفوضى العمرانيّة التي انسحبت فوضى في الطاقة الشمسيّة ” وفق الخبيرة في شؤون الطاقة المحامية كريستينا أبي حيدر في حديث لـ “لبنان 24”. كان من الأجدر برأيها، الانتقال الى الحلول المجتمعيّة، على صعيد البلديات والمحافظات في إقامة مشاريع الطاقة المتجددة “خصوصًا أنّه يوجد إطار قانوني يرعى هذه العملية، وهو في عهدة مجلس النواب، وكنا عملنا عليه مع مؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة، من شأنه أن يقدّم حلًا لكل هذه المشاكل، لاسيّما وأنّه يتيح للقطاع الخاص إمكان الاستفادة من الأراضي الشاسعة لإنتاج الكهرباء من طاقتي الشمس والرياح، وتزويد كافة المناطق بالكهرباء، بما فيها المدن المزدحمة، حيث يتعذر تركيب طاقة شمسيّة”.

يدّعون الإختصاص: المواطن ضحيّة المتعدّين على الكار

مع ارتفاع الطلب على الطاقة البديلة، انتشرت شركات ومحلات بيع الألواح على كافة الأراضي اللبنانية، ولجأ العديد من التجار لاستيراد البضائع التي تستخدم في انتاجها. وبسبب ارتفاع التكلفة، يبحث العديد من المواطنين عن أرخص الأسعار المعروضة، بصرف النظر عن الجودة، ويقع العديد منهم ضحيّة مدّعي الإختصاص، فمن يحمي المواطن من الغش؟

فيما خصّ الألواح، هناك مواصفات إلزاميّة وضعتها مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور)، وقد صدرت بموسوم، تلفت أبي حيدر “بالتالي لا يمكن إدخال ألواح شمسيّة عبر الجمارك غير مطابقة للمواصفات، إلّا في حال تمّ إدخالها بطرق ملتوية وغير شرعيّة عبر التهريب. كما أنّ التنظيم المدني وضع معايير للسلامة العامة فيما خصّ السقالات ومقاييسها وارتفاعها وموقعها، كي لا تشكل ضررًا على السلامة العامة. من خلال هذه المعايير، نحن بمأمن نوعًا ما. لكنّ المشكلة تكمن في التطبيق، بحيث بات الكل خبيرًا في الطاقة الشمسيّة، وهناك من يوكل المهمة لغير أصحابها، فلا تتم الإستعانة بمهندس مختصّ في عملية التركيب بل من يدّعي أنّه خبير. كما أنّ الحل لا يكون بمنح شركات محدّدة هذه المهمة، وإلّا نكون أمام احتكار للسوق. من هنا تقع على عاتق المواطن مسؤوليّة التحقّق من التعامل مع أصحاب الإختصاص، ليس من أجل الحفاظ على السلامة العامة فحسب بل سلامة المنزل بالدرجة الأولى، خصوصًا أنّ خللًا صغيرًا قد يولّد حريقًا، أو يتلف الأدوات الكهربائية”.

تكمن خطورة الألواح بعدم تثبيتها كما يجب في المناطق المفتوحة التي تكون الرياح فيها شديدة، لذا وجب التأكد من أنّها مثبتة جيداً بالهيكل المعدني، وأن القواعد موصولة بواسطة قواعد اسمنتيّة متينة، وفي حال عدم مراعاة ذلك ستكون عرضة للسقوط على الشوارع وتهديد السلامة العامة عند أول عاصفة.

البطاريات قنابل موقوتة؟

لم تُحدّد مواصفاتُ البطاريات بعد، تجيب أبي حيدر ” البطاريات تحتوي على أسيد، وخطرها كبير مع أيّ احتكاك كهربائي محتمل، وعدم الإلمام بكيفيّة استخدامها يجعلها تشكّل خطرا على سلامة المنزل ويعرضها للتلف. يجب وضعها خارج المنزل، وهنا يلعب المهندس دورًا أساسيًّا في اختيار مكان آمن، يتيح التهوئة ويبعدها عن خطر التلاعب بها. لكل ذلك، لستُ مع هذه الفردية المطلقة في تركيب نظام الطاقة الشمسيّة، ولأنّ الدولة تقاعست عن تأمين مشاريع مشتركة، نشهد هذه الفوضى، وما يحصل اليوم أنّ المقتدر ماديّا يتمكّن من تركيب طاقة شمسيّة، والفقير يُحرم منها، فهل باتت الكهرباء حكرًا على المقتدرين ؟”.

ماذا عن مشروع قانون “إنتاج الطاقة المتجددة الموزعة” الموجود في عهدة المجلس النيابي، هل ينظّم فوضى الألواح؟

مشروع القانون الذي شاركت أبي حيدر في إعداده، أُقرّ في مجلس الوزراء في آذار الماضي، وأُحيل إلى مجلس النواب. أهميته أنّه يحفّز القطاع الخاص على الإستثمار في إنتاج الطاقة المتجدّدة إلى حدود 10 ميغاواط، من خلال آليات دمج مشاريع القطاع الخاص على شبكة مؤسسة كهرباء لبنان. بمعنى أوضح، يمكن لصاحب مصنع في بيروت أن يركّب ألواح شمسيّة في أرض يملكها في البقاع مثلًا، ويستفيد معمله الكائن في بيروت من هذه الطاقة، من خلال نقلها عبر شبكة مؤسسة كهرباء لبنان. تمّ إعداد القانون بمشاركة وزارة الطاقة ومؤسسة كهرباء لبنان وخبراء تقنيين وقانونيين، ولكن وزير الطاقة وليد فياض، عاد وسحب خطّة الكهرباء ومشروع القانون من مجلس الوزراء، وأدخل تعديلات على المشروع، حصر من خلالها القرار في التطبيق بيد وزير الطاقة وحده طالما أنّ الهيئة الناظمة لم ترَ النور. علمًا أنّ النسخة الأصليّة للمشروع تمنح مؤسسة كهرباء لبنان الحق الحصري في النقل والتوزيع، أو “من يقوم مقامها” أي الهيئة الناظمة للقطاع بعد تعيينها، وبذلك لا يحتاج القانون إلى تعديل عند تعيين الهيئة. لكنّ وزير الطاقة خضع على ما يبدو لإملاءات الفريق المتحكّم بالقطاع منذ العام 2009، والذي منع ولا يزال تعيين الهيئة الناظمة، ويعمل نوابه على إدخال تعديلات على مهمات وصلاحيات الهيئة قبل تعيينها، بما يجعلها مجرد هيئة شكليّة فقط.

تعديلات فياض شوّهت مشروع قانون الطاقة المتجددة تقول أبي حيدر “لأّنها وضعت رقاب المواطنين تحت رحمة الوزير دون سواه، من هنا نطالب النواب بإعادة إصدار القانون بنسخته الأصليّة وإبعاد الإعتبارات السياسية عن الأمور التقنية، لأّن صدور القانون بهذه المسودة بمثابة كارثة

زر الذهاب إلى الأعلى