مهنة التمريض… بين ندرة الحوافز وضخامة التحديات* سوسن مهنا
النشرة الدولية –
يعرض فيلم Meet the Parents الكوميدي، في أجزائه الثلاثة، بطولة روبرت دي نيرو وبن ستيلر، قضية تعاني منها الولايات المتحدة، وهي عدم احترام امتهان الذكور مهنة التمريض، إذ يتعرض غريغ فاكر (بن ستيلر) للتنمر، ولا أحد يحترمه من عائلة زوجته ومن المحيطين، فقط لأنه ممرض.
هذا الأمر لا ينطبق فقط على الولايات المتحدة، أيضاً في بريطانيا، حيث تقول مجلة (ذي إيكونوميست) البريطانية في مقال لها نشر في 22 أغسطس (أب) 2018، بعنوان، “لماذا عدد الممرضين من الرجال قليل جداً؟”:
“اسأل أختصاصيي صحة في أي بلد، عن أكبر مشكلة تواجه نظام الرعاية الصحية، السبب الأكثر شيوعاً هو نقص الممرضات، ويزداد الطلب على الرعاية التمريضية في البلدان الغنية الهرمة، على سبيل المثال، لدى الخدمة الصحية الوطنية في بريطانيا 40.000 وظيفة شاغرة لمهنة التمريض. بينما تكافح البلدان الفقيرة مع هجرة الممرضات والممرضين الذين يبحثون عن فرص ورواتب أفضل، ويشير المقال إلى أن أحد أوضح الحلول يتمثل في ضرورة تشجيع الذكور على امتهان هذا المجال، لكن هذا الحل يتم تجاهله، فعدد الممرضين المسجلين في عدد من بلدان العالم لا يزيد على خمسة في المئة إلى 10 في المئة”.
وتسأل لماذا العدد قليل جداً؟
“وتعود النظرة العامة إلى كون التمريض من عمل المرأة إلى زمن بعيد، إذ أصرت فلورنس نايتينغيل مؤسسة مبادئ التمريض الحديثة، في ستينات القرن الـ 19 على أن أيدي الرجال القاسية غير ملائمة للمس وتنظيف وتضميد الأطراف المجروحة، وفي بريطانيا، لم تقبل الكلية الملكية للتمريض ولا نقابة المهنة، الرجال كأعضاء حتى عام 1960، وأما في الولايات المتحدة، فبدأت بعض مدارس التمريض بقبول الرجال فقط عام 1982، بعدما أجبرهم حكم صادر عن المحكمة العليا على قبول الذكور بهذا المجال، كما أن بعض الألقاب لكبار الممرضين مثل مدير الجناح، التي تستخدم في بعض البلدان للرجال لم تساعد بهذا السياق، بل إنه من غير المستغرب أن بعض كبار السن لا يعرفون أنه يمكن أن يكون الرجال ممرضين، فبعض المرضى يعتقدون أن الذكور الذين يصادفونهم أطباء”، ودائماً بحسب مقال “ذي إيكونوميست”. (انتهى الاقتباس).
تسعة ملايين عامل
تشير منظمة الصحة العالمية إلى “أن العالم سيكون بحاجة إلى تسعة ملايين عامل وعاملة إضافيين في مجالي التمريض والقبالة إذا ما كنا نصبو إلى تحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030”. لذلك أعلنت عام 2020 السنة الدولية لكادر التمريض والقِبالة، الموافقة للذكرى المئوية الثانية لولادة السيدة “فلورنس نايتينغيل”، وذلك في 10 فبراير (شباط) 2019. وانضم إلى الجهود التي تبذلها منظمة الصحة العالمية وشركاؤها، من قبيل الاتحاد الدولي للقابلات والمجلس الدولي للممرضين والممرضات ومنظمة التمريض الآن وصندوق الأمم المتحدة للسكان، من أجل الاحتفال على مدى عام كامل بعمل كوادر التمريض والقبالة وتسليط الضوء على الظروف الصعبة التي يواجهونها والدعوة إلى زيادة الاستثمارات في القوى العاملة في مجالي التمريض والقِبالة.
ويتيح تركيز العالم لأنشطته على السنة الدولية لكادر التمريض والقبالة فرصة فريدة من نوعها لانخراط عامة الجمهور فيها وإثبات الدعم السياسي المقدم في مجال زيادة عدد العاملين الصحيين من المزودين بدعم أفضل، لمعالجة نقص أعدادهم البالغ 18 مليون عامل صحي.
عجز في أعداد العاملين
ويشكل العاملون في التمريض والقبالة حوالى 50 في المئة من القوى العاملة الصحية عالمياً، وهناك عجز في أعداد العاملين في هذا القطاع، ولا سيما العاملين في مجال التمريض والقبالة الذين يشكلون أكثر من 50 في المئة من العجز الحالي في أعداد العاملين الصحيين. ويتركز هذا العجز في جنوب شرقي آسيا وفي أفريقيا.
وعلى الصعيد العالمي، تشكل نسبة النساء من القوى العاملة الصحية والاجتماعية حول العالم 70 في المئة، مقارنة بنسبتهنّ في كل قطاعات التوظيف وقدرها 41 في المئة، وتستأثر القبالة والتمريض بحصة كبيرة من العمالة النسائية، وفي هذا الإطار تطرح إشكالية مساهمة القوى العاملة في مجالَي التمريض والقبالة من أجل تحسين الصحة العالمية، منها ضمان توفر عمالة مؤهلة وقادرة ومحفزة في إطار نظم صحية فعالة وسريعة الاستجابة على جميع المستويات وفي كل المواقع، والاستفادة إلى أقصى حد من وضع السياسات، والقيادة الفعالة، والإدارة والحوكمة، وتعظيم قدرات وإمكانات العاملين في مجالي التمريض والقبالة من خلال شراكات مهنية تعاونية، والتعليم والتطوير المهني المستدام، وحشد الإرادة السياسية للاستثمار في بناء قوى عاملة فاعلة في مجالي التمريض والقبالة وتنميتها استناداً إلى البينات والبراهين.
ويصف أحد التقارير الصادرة عن البنك الدولي، شدة النقص في عدد الممرضات في منطقة البحر الكاريبي وأميركا اللاتينية، فالأمم الكاريبية الناطقة باللغة الإنجليزية لديها الآن 1.25 ممرضة لكل 1000 شخص، وهي نسبة أقل بحوالى 10 مرات منها في بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، ويبقى ثلاث من كل 10 وظائف تمريض شاغرة حالياً، ويتوقع التقرير أنه سينقص بلدان منطقة البحر الكاريبي 10000 ممرضة للمساعدة في رعاية جمهرتها المتشيخة بحلول عام 2025.
ووفقاً لمديرة برنامج “إيفاد” الممرضات في المجلس الدولي للممرضات، أنّ بلدان منطقة البحر الكاريبي ليست مثالاً معزولاً إذ تقول، “لا يوجد في ملاوي سوى 17 ممرضة لكل 100000 شخص”.
معاناة إيران
ومن الدول التي تعاني نقصاً حاداً في قطاع مهن التمريض وذلك قبل أن يتفشى وباء “كورونا”، إيران، حيث تواجه أزمة حادة في نقص الممرضات في المستشفيات، وكان المتحدث باسم لجنة الصحة في البرلمان، حيدر علي عبادي، أعلن في حديث نقلته وسائل إعلام رسمية إيرانية، أنه “في الوقت الذي يوصي فيه خبراء إدارة الرعاية الصحية حاجة البلاد إلى 2.5 من الممرضات لكل سرير مريض، فإن النسبة الحالية لإيران تقترب من 1.7”. كما أوضح أحد النواب الإيرانيين أن “هناك 89 ألف ممرض يعملون حالياً في مستشفيات البلاد، لذلك تحتاج إيران إلى ما لا يقل 95500 ممرضة إضافية”.
بالإضافة إلى هذه النواقص هناك بعض الدول العربية، التي تعاني من نقص في الممرضات وذلك لأسباب اجتماعية، إذ تشعر الممرضة بالإحراج عندما تقوم بتنظيف أو تقديم بعص الخدمات الخاصة بالمريض الرجل، وذلك من خلال الاحتكاك المباشر به وتغيير أغراضه الخاصة، لذا عند مراجعة طلبات التوظيف واستقدام العمالة الأجنبة في هذه البلدان، الخليجية تحديداً، تأتي مهنة التمريض في المراتب الأولى بين المؤهلات المطلوبة.
لبنان… الأزمة في مكان آخر
أما في لبنان، فكان القطاع الصحي يحتاج إلى 24 ألف ممرض وممرضة، بينما العمل يقتصر على سبعة آلاف يعملون بدوام عمل مضاعف، من دون أي محفزات، إضافة إلى أزمة منافسة الأجانب للممرضين اللبنانيين، وهذا منذ العام 2018، ولكن تؤكد نقيبة الممرضات والممرضين في لبنان، الدكتورة ميرنا ضومط، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، أن لبنان لا يعاني من نقص في عدد الممرضين والممرضات “بل على العكس هناك من ينتظر فرصة عمل، ويتخرج أكثر من 1000 ممرض وممرضة في السنة. ولكن المشكلة في لبنان هي في هجرة الكثيرين من هؤلاء بسبب الظروف التي يعانون منها، من الرواتب المنخفضة إلى المنافسة الأجنبية”، وتشير إلى أن هناك 16.000 ممرض مسجلين في النقابة، وأنهم تلقوا طلباً من بريطانيا لتوظيف 45.000 ممرض، وشددت ضومط على أن استقدام العمالة الأجنبية لأنها أرخص، لا يقتصر على المستشفيات الخاصة فحسب، بل الحكومية أيضاً، كمستشفى ظهر الباشق الحكومي (جبل لبنان).
وعن ظروف عمل الممرضين والممرضات في لبنان، تقول ضومط “هناك الكثير من الاستهتار بعمل الممرضين في لبنان، منها سلسلة الرتب والرواتب والحسم من هذه الرواتب. كما أن بعض المستشفيات لا يعطيهم مستحقاتهم ولأشهر عدة، إضافة إلى أن الإجازات تكون على عاتق الممرض، إلى دوام العمل والعلاوات على الدوامات ومكافآت الخدمة وبدل النقل وغيرها”.
هذا قبل كورونا أما بعده، فتستنكر ضومط توجه بعض المستشفيات إلى إجبار الممرضين على العمل من دون لوازم الوقاية الضرورية كالكمامات مثلاً، وتقول “إنهم كنقابة رفعوا الصوت وزاروا كلاً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير الصحة ونقابة المستشفيات الخاصة وكان الكل متجاوباً، وهم بانتظار الإجراءات التي سوف تتخذ بحق المستشفى المخالف”، وتشرح أن الرواتب تختلف بين منطقة وأخرى، حيث أنها منخفضة جداً في المناطق النائية، لكن المعدل العام للراتب هو 1100 دولار باحتساب سعر الصرف 1500 ليرة لبنانية.
نقلاً عن موقع “اندبندنت عربية”