الشاعر عيسى حمّاد: الأردنّ مثل يحتذى على مستوى العالم في التعامل مع «كورونا»
النشرة الدولية –
«دردشة ثقافية»، ذات طابع نقدي للراهن والمعيش، نطل من خلالها على عوالم مبدعينا الأردنيين والعرب، ونتأمل جانبًا رؤاهم الخاصة لكثير من المفردات، والصغيرة منها والكبيرة، ونتجول في مشاغلهم الإبداعية، ونتعرف من خلالها إلى أبرز شجونهم وشؤونهم..
خلال الدردشة مع صحيفة الدستور نستضيف الشاعر الأردني عيسى حمّاد
* نبدأ من وباء «كورونا»، ذلك الفايروس الذي راح يعصف بالعالم، بالناس، بالنظم السياسية والفكرية السائدة، بالكثير من العادات والتقاليد، ترى ما أبرز الأسئلة التي أثارتها في وجدانك تداعيات «كورونا»؟
– لعلّ هذا هو سؤال الوضع الرّاهن وهو سؤال ملحّ ما انفكّ يراود وعينا وقد تفاوتت فيه الإجابات وجعلتنا وكأنّنا نمخر عباب متاهة لا نهاية لها، فبينما ذهب البعض إلى كون هذا الفيروس عقابًا إلهيًا لأسبابٍ يتعدّد ذكرها، ذهب البعض الآخر إلى أنه عبارة عن خطأٍ بشريّ في أحد المختبرات البيولوجية أدّى إلى عدم السيطرة عليه من قبل المعنيّين إن كان سهوًا أو عمدًا بينما ذهب البعض إلى تبنّي نظرية مفادها أن هذا الفيروس ما هو إلّا ألعوبة اقتصاديّة من قِبَل دولٍ تكرّش اقتصادها وصار شَرِهًا لدرجة وصول أنياب شهيته للقدرة على اقتناص اقتصاديات دول العالم الأخرى وابتكار نظام اقتصادي أو حتى ديموغرافي وسياسي جديد أي ما سمّي بنظرية المؤامرة ولربّما أن هذا الخيار الأخير هو الأقرب للحقيقة.
ومما لا شك فيه أنّ ظهور هذه الآفة قد أودى بالعديد من الطقوس والعادات البشريّة مما قد يكون له الأثر مستقبلًا على حياتهم ومعيشتهم كما أنّه انعكس وبشكل جليّ على الكثير من اهتمامات البشر وأولوياتهم ومما لا شك فيه أيضًا فإنّ ما تمخّض عن هذا الوباء من حظرٍ للبشر في بيوتهم وخلف جدران صمّاء وحيث لن تجدي معهم كل محاولات طرق أو دقّ تلك الجدران قد وضعنا في حالة من المشاعر التي ربما لم يجربها البعض منا من حيث الشّعور بما يعانيه الأسرى في معتقلات الاحتلال بفارق أنّنا نتمتّع بمساحات أكبر من الحريّة ونستطيع الحصول على ما نشاء وفي الوقت الّذي نشاء وكم كان هذا الإحساس قاسيًا تجاههم وكم أوجعنا حالهم!
ومما لا شكّ فيه أنّ الأردنّ كان له السّبق في فهم ومعالجة إفرازات هذه الآفة وقام بدور رائد وأصبح مثلا يحتذى به على مستوى العالم أجمع.
* تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، على الصعد كافة، ترى هل على المثقف أن يقوم بدور ما حيال مجتمعه؟ وما طبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في ظل النظم السياسية القائمة؟
– المثقّف هو ضمير الأمّة، وفي ظلّ زمن الكورونا قد يكون من واجب المثقّف أن يبشِّر ولا ينفّر، وأن يتقمّص دورًا رياديًا يجعل منه أنموذجًا إيجابيًا تجاه ما يدور، ويكون ذلك من خلال كتاباته أو من خلال مسلكيّاته اليوميّة وردود أفعاله لما هو قائم وبحيث يكون مثالا يُحتذى أمام الآخر.
وأمّا على الصُعُد الأخرى فبلا شك فإنّ المطلوب من المثقّف لعب دور إيجابيّ ومسؤول تجاه كل ما قد يهدّد أمن واستقرار الأمّة أو ما قد يضرّ بثقافتها مهما كلّفه الأمر.
* في الوقت الذي نتأمل فيه بعض مرايا الثقافة العربية، ترى هل هي ثقافة حرّة؟ أم هل ثمّة هيمنة، أو أكثر، تمارس على هذه الثقافة؟ وإذا وجدت تلك الهيمنة، فما الذي تسعى لتحقيقه، أو ترسيخه ربما؟
– بالتّأكيد فإنّ الثّقافة العربيّة لا تتمتّع بالحرّية الّتي قد تتمتّع بها ثقافات مغايرة فهناك العديد من المقيّدات للثّقافة العربيّة بسبب تعدّد آراء المثقّفين والّتي منها ربما لا يتماهي مع سياسات بعينها مما يضع حجر عثرة أمام فكره إنْ كان خارجًا عن السّياقات المطلوبة وقد يستدعي ذلك أن يظلّ المثقّف ملتزمًا بسقف المتاح والمسموح به أمّا فيما يتعلق بالهيمنة فلا أرى أنّ المثقّف الذي يندرج تحت هذا المسمّى وهو الّذي يتبنّى كمًّا هائلًا من القيم السّامية لا أرى أنه متاحٌ لأيّ هيمنةٍ كي تحتويه وإنْ حدث ذلك ولا أظنّه سيحدث فسوف تتبلور هناك العديد من علامات الاستفهام حول ثقافته المزعومة ومسمّاه.
* لعل أحد الحلول النّاجعة في سبيل إشاعة الثقافة والمعرفة بداية، وتأصيل دورهما تاليا في المجتمع، يتمثل بالاشتغال على البعد الاقتصادي لهما، (وهذه سبيل لتحريرهما من سطوة السلطة المانحة بطبيعة الحال)، وهي المعادلة التي لم تتبلور بعد في عالمنا العربي، ترى كيف تقرأ هذا المسألة؟
– لعلّ هذا التساؤل أو لربّما له علاقة من قريبٍ أو بعيد بالتساؤل الذي سبقه وهنا تكمن الخطورة فالوضع الاقتصادي لغالبية المثقفين ليس على نسَقٍ يتيح له عيشًا قابلًا للحياة والخوف أنْ يكون ذلك مَنفذًا لتحقيق بعض ما تتبناه السّلطة المانحة مهما كانت صيغتها من خلال استثمارها حاجة المثقّف والهيمنة على آرائه، وحتّى يتم تجنّب ذلك والدّخول في هذه المعادلة لا بدّ من التّوافق على خلق أُطرٍ ما وتحت أيّ مسمّى ومن جهات تُعنى بالثقافة والمثقّفين يكون لها الدّور الفاعل في تحجيم حاجة المثقّف اقتصاديًا لجهات أخرى قد يكون لها أهداف مشبوهة لتمرير ما تريد من خلاله.
* ثمّة تسارع كبير يشهده العالم، في كل لحظة ربما، على الصعيد التكنولوجيا والمعلومات، ترى هل أثّر ذلك على طقوسك الإبداعية في القراءة والكتابة؟
– بدون أدنى شكّ فإنّ التقدّم التكنولوجيّ والمعلوماتيّ كان له الأثر الواضح على بعض الطّقوس الإبداعيّة فأحيانًا قد يُنفق المثقّف جزءًا من وقته في متابعة بعض وسائل التواصل الاجتماعيّ أو تصفّحها أو الكتابة على حيطانها غير أنّ هناك الكثير من الطّقوس الإبداعيّة المتأصلة لا زالت تنحى نفس المنحى القديم أو الكلاسيكي إن جاز التعبير كالمطالعة الورقيّة التي لا غنى عنها أبدًا للمثقّف.
أمّا إّذا تعلّق الأمر بالكتابة فهناك الكثير من المثقّفين وأنا واحد منهم أحبّذ فكرة الكتابة على الورق ليس هذا فحسب بل وأعتبر بدايات ما أكتبه على الورق هو كنزٌ ثمين يشكّل بالنسبة لي أرشيف ذكريات قد أدّخره لما هو آتٍ من الأيام وبعد الورق أقوم بتحويله إلى نصّ حاسوبيّ تمهيدًا لطباعته أو لكتابة بعض منه على وسائل التواصل الاجتماعي لقرائي الأعزاء.
* ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تكتب؟
– أكثر ما يشغلني هذه الأيّام هو متابعة أخبار هذه الآفة التي ألمّـت بالعالم وكأنّها تقوم بعمل إعادة ترتيب للكون وكيف شاء صانعها وأنا أتابع أخبارها على الصّعيدين العربيّ و العالميّ.
أما في موضوع القراءة فنحن في شهر العبادات ويتحتّم عليّ قراءة وِردٍ يومي من المصحف الشّريف كما تعوّدت وبالطبع فأن يومي لا يخلو من بعض القراءات أو المطالعات حيث أنّ الفرصة سانحة وبملء ثوانيها للقراءة وقد انتهيت من قراءة بعض الكتب منها على سبيل المثال كتاب «روائع من الأدب العربي» لمؤلفه الدكتور هاشم صالح منّاع وهو يعاين الأدب العربيّ في العصر الجاهلي والعصر الإسلامي – الأموي والعباسي.
وأنا الآن بصدد قراءة كتاب النّظرات لمؤلفه مصطفى لطفي المنفلوطي.
وفيما يتعلّق بالكتابة فلقد كتبت خلال هذه الفترة أي خلال فترة الحظر المنزليّ عددًا من القصائد الجديدة ألّتي كان منها الدّينيّ ومنها الوجدانيّ ومنها ما يتعلق بزمن الكورونا الرّاهن والتي إحداها بعنوان «كيوفيد» الّتي عنيت بموضوع آفة الكورونا والّتي تمّ نشرها في جريدة الغرّاء.