لا يكفي أن تغسل يديك
بقلم: جمال الجمل

(1)
لا أرغب في كتابة مقال سياسي هذه الأيام، لا أرغب في الاشتباك والشجار، لا أرغب في التفكير خارج موضوع “الحياة” التي تأذت كثيراً، وباخت كثيراً، وتحول فيها الأمل إلى جلاد قاس، وتحولت فيها البسمات إلى جرائم بلادة وعدم تقدير للموقف، وتآكلت فيها المسافات مع الموت والموات.

(2)
أرغب في عملية غسيل للروح.. يرهقني الصدأ الذي يغطي كياني ويأكل وجداني، ترهقني الثرثرة التي تعتقل المعاني، يرهقني غبار المرحلة، يرهقني قطاع الطريق،  ولا أخجل أن أقول .. ويرهقني رفاق الطريق المتشاحنين.

(3)
كنت كعادة الأطفال في زماننا أحلم بالنهايات السعيدة للقصص، لكن النهايات الآن تلوح تحت الغبار مدججة بالرماح وبالحراب وبالخراب.
كنت أقرأ في صبايا نفحات الأب محمد زكي عبد القادر، وأعد نفسي للسير في الطريق النظيف الهادئ.. “نحو النور”.

فأي كابوس هذا الذي التهم أحلامنا وبدّل النهايات المأمولة بأيامٍ من الخوف الرذيل، ومن الحصار الطويل، ومن تحكم الخسيس والعويل؟!

أي طريق يفضي بنا إلى النور وسط هذا الظلام الثقيل.. في أوج سطوة الوحوش واللصوص وأعداء الحياة؟

(4)
في مستهل العشر الأواخر من رمضان يشتعل الصراع في رأسي وفي قلبي، بين ما كنا نشتهيه ونناديه وبين ما خشيناه ووجدناه..

كم يهفو قلبي لقراءة القرآن بنفس صافية، وخشوع لا تعكره فظاظة المرحلة المحكومة بجيوش من السفلة والأنذال..

وكم أخشى أن أنتظر الصفاء فيضيع العمر في انتظار ما يعتقله الأوغاد من فضائل، وما يخفونه قسريا من آمالٍ وأحلامٍ ونفوس..

(5)
نعرف جميعا أن رمضان ليس شهرا للجوع، ونعرف أن العدل ليس خرافة في حواديت الصغار، ونعرف أن التضرع لله ليس طريقا لتعلم المذلة لحكام الأرض، ونعرف أن المصحف الشريف ليس كتاباً للأناشيد..

فمن يا ترى يجتهد في الانحراف والتحريف؟

من يا ترى يواصل السعي لتفريغ حياتنا من معانيها، ومن إيمانها، ومن أمانيها؟

من يرغب في تصويرنا كأمة همجية تشكل خطراً على سلام العالم؟
من جعل الجهاد مرادفاً للإرهاب؟

من جعل مقدساتنا سلعة في المزاد؟

من باع الأرض وفرط في العِرض وتخاذل عن الفَرض؟

من جعل الدفاع عن الأهل والأوطان خروجاً على شرعية الأخلاق والأديان وحقوق الإنسان؟

(6)
مرة أخرى تعيدنا أسئلتنا الحائرة إلى السياسة، وإلى الصراع بين الحلم والكابوس، بين النور والظلام، بين الصائم والجائع، بين المؤمن والمنافق، بين عباد الله وعبيد السلطان..

(7)
الكل متصل، لهذا لا أستطيع أن أفصل رأسي عما يدور حولي، ولا أستطيع أن أنزع قلبي من معترك الحوادث والكوارث، فلن ينصلح العالم في العشر الآواخر ليمنحني النفس الصافية التي أشتهي أن أقرأ بها القرآن وأن أتدبر المعاني، ولن ينتظر العمر لكي أحصل على كل ما أرغب فيه، بالأسلوب الذي أحبه وأشتهيه.

فماذا أفعل؟

(8)
لتكن صلاتي إذن سلاح شامل: فيها الخشوع لله، وفيها اللعنة على الظالمين الضالين المنحرفين المحرفين.

ليكن قرآني وردة في قلبي، وسيفاً في قلوب الفاسدين.

ليكن دعائي بالرحمة والخير للطيبين، والهداية أو الهلاك للجلادين..

ما أحوج المتعب إلى استراحة، وما أحوج المسافر إلى اغتسال من وعثاء الطريق.

ما أحوجنا إلى صيانة الروح وغسيل النفس في ورشة العشر الآواخر، لعل الله يقضي بها خيراً نأمله، ويدبر لنا رشداً افتقدناه.

(9)
الاعتكاف خير من الحظر، فاعتكفوا بنية الخير لا بذريعة الخوف.

كل عام وأنتم قريبون من الله، بعيدون عن الحكام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button