قدر الجغرافيا وما بين الكويت والبصرة
حمزة عليان

النشرة الدولية –

بالرغم من أن موضوع الحدود قد انتهى وتم ترسيمه بين الكويت والعراق، وبموجب قرارات مجلس الأمن الدولي، فإن هناك أصواتاً ما زالت تشكك، بل تعتبر أن الترسيم كان إجحافاً بحق العراق، ومن هؤلاء د. كريم العاني وكتابه الصادر عام 2023 «الحدود العراقية الكويتية… دراسة تاريخية وثائقية»، والذي عمل لأكثر من 30 سنة في وزارة الخارجية العراقية كدبلوماسي وسفير لبلاده و10 سنوات بجامعة الدول العربية، واعتماده في الكتاب على وثائق وزارة خارجية بلده.

لست هنا في وارد عرض أفكاره وما استند إليه، بل للتدليل على أن الملف (العقدة) عند بعض العراقيين لم ينته بعد، فالرواسب باقية وإعادة فتحها بعد أكثر من 30 سنة تثير الاستغراب والدهشة، وتحتاج منّا إلى وضع عشرات علامات الاستفهام من ورائها؟

لكن يبقى للعلاقة التي ربطت الكويت بالبصرة حضور مختلف وطعم آخر، فكتاب د. صالح عبدالعال الخفاجي (الصلات البصرية الكويتية) الصادر عام 2023، يوثق لتلك العلاقة من مرحلة حصار بلاد فارس للبصرة (1755 – 1776) وكيف واجهت هذه المدينة بعزيمة أبنائها وبفضل المساعدات العسكرية التي قدمتها الكويت وتعاونها مع الدولة العثمانية في صد هذا الخطر الخارجي.

ثم يبرز دور شخصية السيد طالب النقيب وظهور النزعة القومية بين الولايات العربية، وهو ما عزز ورفع من شأن مكانة البصرة، فكان «النقيب» مناوئاً لحكم العثمانيين في البصرة، ومتمسكاً بالحفاظ على صلات طيبة مع الشيخ مبارك الصباح الذي أبعد عنه تعديات ومضايقات ولاة البصرة المستمرة، وإن تغيرت وتبدلت هذه العلاقة مع وقوع الحرب العالمية الأولى ودخول الإنكليز على الخط.

ما دفعني للإشارة إلى هذين الكتابين، سؤال يلح على بالي عند الحديث عن موضوع الجيرة الجغرافية بين الكويت والعراق، خصوصا بعد الغزو الصدامي عام 1990، وما خلّفه من نكبات ودمار على الشعبين، هو خلو المكتبات من دراسات وأبحاث واجتهادات حول كيفية ردم الهوة، وكيفية خلق بيئة تتعايش مع بعضها بربط المصالح والعلاقات التي من شأنها إيجاد مناخات صحية ومستدامة، فهناك حالات مماثلة تحولت فيها العداوات بين الدول والشعوب إلى مساحات من التلاقي والتقارب والمنافع المشتركة. والباحث الجاد والمتعمق سيجد ما يخدم أفكاره في بيئة جغرافية متقاربة جداً، بتضاريسها وموقعها، وبالتالي توظيفها لمصلحة مستقبل الشعبين والدولتين.

التطلع إلى الأمام سيكون أجدى وأنفع من العودة إلى مواقف ومحطات سلبية ليس من فائدة ترجى من ورائها، بعد ما تمت تسوية معظم الملفات التي كانت عالقة وإغلاقها.

كيف نخلق مناطق اقتصادية متكاملة على الحدود بين البلدين؟ وكيف نجعل من البحر والنهر أدوات تواصل ومصالح مشتركة؟ وكيف نستفيد من تسهيل عمليات النقل البري والجوي والبحري وسكك الحديد في انتعاش الحركة الاقتصادية لكلا الطرفين؟

زر الذهاب إلى الأعلى