“الإخوان” والفضائح الجنسية
بقلم: نجاة السعيد
النشرة الدولية –
يبدو أن الفضائح الجنسية لأعضاء في جماعة “الإخوان المسلمين” سلسلة لن تنتهي. مؤخرا ظهرت فضيحة جديدة في ملف محاكمة طارق رمضان، حفيد مؤسس تنظيم “الإخوان”، عن محاولته الحصول على معلومات شخصية عن إحدى ضحاياه بطريقة “غير مشروعة”.
ففي التقرير الموجه ضده اتهمته إحدى ضحاياه في جرائم الاغتصاب بالقيام بعملية تقصي وتتبع غير قانونية عنها، بهدف ابتزازها والضغط عليها للرضوخ في مجريات المحاكمة التي يخضع لها حيث أن عملية التقصي غير القانونية تمت من خلال “شبكة الإنترنت أو الـ”دارك ويب” والتي تجري من خلالها العديد من الأنشطة غير القانونية.
وقد ذكر التقرير أيضا أن طارق رمضان وعميل في المخابرات الفرنسية يدعى “حورس” استغلا المعلومات الشخصية التي حصلوا عليها ووجهوا للضحية “كريستيل” تهديدات وابتزازات للتراجع عن الاتهامات التي توجهها لحفيد مؤسس الجماعة. فقد اتهمت كريستيل طارق رمضان بالاعتداء عليها بفندق في ليون عام 2009 ويواجه رمضان أيضا تهما جنائية بالاغتصاب من نساء أخريات في فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا.
قد تصيب هذه الحقائق البعض بالصدمة، خاصة المخدوعين بتاريخ الجماعة سواء من المسلمين أو غير المسلمين، لكنها لا تثير الدهشة إطلاقا لمن يعرف تاريخ وحقائق هذه الجماعة منذ تأسيسها. فمغامرات وجرائم طارق رمضان الجنسية ليست الأولى في تاريخ الجماعة، بل سبقه كثيرون لكن لسوء حظه أنه ارتكبها في دول غربية والتي تطبق فيها القوانين وتكشف بها الحقائق أكثر من غيرها.
فتاريخ التنظيم منذ بدايته شهد الكثير من حالات التحرش والاغتصاب، فقبل 74 عاما، كانت هناك العديد من الاتهامات وجهتها نساء الجماعة، بالإضافة لشكاوى قُدِّمت من قبل أعضاء الجماعة، ضد صهر حسن البنا (زوج شقيقته)، والسكرتير العام لجماعة الإخوان “عبدالحكيم عابدين”، والذي وصفه حينها أحد أعضاء الجماعة “حازم أمين” بـ “راسبوتين الإخوان”.
ووفقا لدراسة صادرة من مركز الشرق الأوسط للدراسات، لم يكن أمام المرشد إلا إجراء التحقيقات، التي لا يعرف أحد أين ذهبت وثائقها، وبعد انتهاء التحقيقات تم التأكد من إدانة واضحة لعابدين. وقد اختار المرشد العام لملمة الأمر والتكتم عليه، لكن مع ذلك ظل عبد الحكيم عابدين صاحب نفوذ واسع في الجماعة حتى بعد اغتيال حسن البنا.
وقد نشر موقع إيلاف تقريرا يذكر فيه أن فضيحة عبد الحكيم عابدين أسفرت عن خروج عدد كبير من التنظيم، وأثارت الشكوك لدى كثيرين عن مدى مصداقية القائمين عليها، وكان على رأس المنشقين أحمد السكري، وكيل الجماعة والذراع الأيمن لحسن البنا والسياسي المحنك. فقد كانت فضيحة عابدين السبب الحقيقي لانشقاقه وخروجه، لكن السبب الآخر هو فقدان الثقة بينه وبين المرشد بسبب هذه الفضيحة.
وفي عهد محمد مرسي أثناء حكم الجماعة في مصر، في منتصف العام 2012، انتشرت مقاطع فيديو جنسية لقيادي في الجماعة هو رشاد عبد الغفار، ظهر فيها مع فتاة في أوضاع إباحية، إلا أنه خرج نافيا تلك الاتهامات.
وأيضا أثناء تولي الإخوان السلطة في مصر، تولى الصحافي والقيادي في الجماعة، صلاح عبد المقصود منصب وزير الإعلام، وأطلق عليه لقب “المتحرش باسم الحكومة”، بسبب ارتكابه ثلاث وقائع تحرش جنسي لفظي بالصحافيات والإعلاميات، منهن الإعلامية السورية زينا يازجي. وقد أطلقت حركات نسائية حملات لإقالته من منصبه، لكن لم يستجب أحد، إلى أن اندلعت ثورة 30 يونيو 2013، وسقط حكم الجماعة.
هذه الفضائح لا تشوه صورة مرتكبيها بشكل فردي، بل تشوه صورة الإسلام والمسلمين جميعا خاصة عند غير المسلمين ومن ليس لديه دراية بحقيقة ازدواجية معايير هذه الجماعة
ولم يتوقف الهوس الجنسي عند أعضاء محددة من “الإخوان”، فالقائمة تضم أسماء بارزة من قيادات الجماعة، مثل فضيحة يوسف القرضاوي، مع السيدة الجزائرية التي هددها بسحب الجنسية القطرية منها بعد مقاضاته. كذلك فضيحة أحمد منصور، مذيع قناة الجزيرة، الذي أصدرت النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالعاصمة المغربية الرباط مذكرة لملاحقته بعد قيامه بالنصب على سيدة مغربية تدعى كريمة فريطس، عضوة بلجنة العلاقات الخارجية بحزب العدالة والتنمية. فقد أنكر زواجه العرفي، ولم يقم بتوثيق زواجه منها، الأمر الذي دفع السيدة كريمة لإقامة دعوى قضائية ضده عام 2015 بعد إنكاره الزواج ومن ثم رفض مذيع قناة الجزيرة المثول أمام القضاء.
إن المشكلة الحقيقية في هذه الفضائح الجنسية لدى أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين ليست في تلك الفضائح بحد ذاتها بقدر متاجرتهم بالدين لخدمة أجنداتهم السياسية. فكونهم يعرفون أنفسهم على أنهم إسلاميين ويتحدثون في الدين طيلة الوقت على أنه المدخل الوحيد لنجاح الأمة، ففضائحهم هذه لا تشوه صورة مرتكبيها بشكل فردي، بل تشوه صورة الإسلام والمسلمين جميعا خاصة عند غير المسلمين ومن ليس لديه دراية بحقيقة ازدواجية معايير هذه الجماعة.
فالفضائح الجنسية المتعددة لحفيد مؤسس البنا لم تهز كيان التنظيم فحسب، بل هزت صورة المسلمين في كثير من دول العالم وفي أوروبا تحديدا، لا سيما أن طارق رمضان هو أحد أهم وأقوى وجوه التنظيم الدعائية في أوروبا، وله العديد من المؤلفات والكتب ومحاضر في الكثير من الجامعات لترويج فكرة التنظيم وما يسمى بـ “الإسلام المعتدل” في الأوساط الأوروبية.
إن عرض التلفزيون الفرنسي، لفيلم وثائقي بعنوان “الشيطان في جسد”، الذي قام بعرض شهادات من تم اغتصابهن من قبل طارق رمضان حفيد البنا، يجب أن يعلق عليه كل المسلمين غير المنتمين لأيديولوجية الجماعة والتأكيد على أن ما تمارسه هذه الجماعة وباقي جماعات الإسلام السياسي الانتهازية ـ التي تتظاهر بالورع والاعتدال لكنها متطرفة وفاسدة في باطنها ـ لا تمثل سوى نفسها وهي مرفوضة من غالبية المسلمين.