المصارف اللبنانية تحتكر تجارة الشيكات… و”تتصيّد” المودعين الأجانب
النشرة الدولية –
المدن –
لا تزال الكثير من المصارف ترفض حتى اليوم قبول إيداع الشيكات بما فيها تلك التي تودع لسداد أقساط البرامج الإجتماعية أو التأمينية التي سبق للمصارف أن ابتدعتها “في أيام العز”.
على الرغم من اعتبار الشيك المصرفي وسيلة دفع قانونية وتمتعه بقوة إبرائية، توقفت المصارف بمجملها منذ قرابة الشهر، وبشكل تام، عن قبول شيكات مصرفية للإيداع في حسابات العملاء. قد تكون المصارف بقرارها هذا تحاول قطع الطريق أمام تجار الشيكات والعملات لاسيما منهم تجار السوق السوداء. لكن بعض ممارسات المصارف تثبت وبشكل قاطع أنها توقفت عن استقبال الشيكات لتحتكر هي نفسها سوق الإتجار بها… فالمصارف بغالبيتها تتاجر حالياً بالشيكات على حساب العملاء والمودعين.
تركّز المصارف حالياً جهودها على جذب المودعين غير اللبنانيين لتذويب ودائعهم عن طريق بيع الشيكات وتصفية حساباتهم كليّاً.
دورة الشيكات
ترفض معظم المصارف حالياً قبول إيداع الشيكات من عملائها بشكل قاطع، في حين تستثني بعضها حالات معيّنة من الإيداعات كالعميل الذي اعتاد ايداع شيكاً مصرفياً بشكل دوري من مؤسسة يعمل بها وغيرها من الحالات القليلة. أما القرار الثابت فيقوم على وقف قبول الشيكات بشكل تام، من دون مراعاة أوضاع الآف العملاء الذين لا يملكون خيار التداول إن بتحصيل أموالهم أو سداد متوجبات عليهم سوى بالشيكات المصرفية.
وبموازاة قرار المصارف وقف العمل بالشيكات، وهو بالمناسبة قرار أحادي اتخذته غالبية المصارف إن لم يكن جميعها، من دون أي تعميم أو قرار رسمي، لا تزال المصارف نفسها تصدر الشيكات المصرفية للمودعين. تتخذ المصارف من الشيكات وسيلة لابراء ذمتها تجاه المودعين الذين يحتكمون للقضاء لتحصيل أموالهم المحتجزة لديها، رغم أنها لم تعد تحقّق عملية إيفاء فعلي للمودع. فكيف للمصارف أن ترفض قبول شيكات وتقوم بإصدارها في الوقت عينه؟ والسؤال الأهم كيف يقوم العميل بالتخلص من الشيكات التي يرفض المصرف إيداعها في حسابه؟.
ما تدّعيه المصارف
بالأمس القريب أصدر الأمين العام لجمعية المصارف فادي خلف تعميماً أوصى فيه باسم الجمعية بقبول كل الشيكات التي لا تفوق قيمتها 15 ألف دولار أميركي، والتي يودعها المستفيدون منها في حساباتهم لديها، على أن لا يطلب قبضها نقداً أو تحويلها بعد التحصيل إلى خارج لبنان، وأن تأتلف مع طبيعة النشاط المعتاد للحساب وحركته. وطلب أن تعتبر الشيكات المسحوبة لأمر أي صاحب مهنة حرة حالي او متقاعد من صندوق تعاضد نقابته، على أن يكلف الأمين العام للجمعية معالجة الحالات الإستثنائية المتعلقة ببعض الحسابات الخاصة بالتنسيق مع المصرف المعني ومندوب نقابات المهن الحرة المفوض خصيصاً لهذه الغاية.
توصية جمعية المصارف واضحة لجهة قبول إيداع الشيكات وإن وفق شروط معيّنة، غير أن ممارسات المصارف لا يردعها ولا تلجمها توصيات، وهي لطالما خالفت تعاميم مصرف لبنان ناهيك عن كل ما سبقها من قوانين فكيف بها أن تلتزم بتوصيات شكليّة من جمعية تكاد تقتصر مهامها على تأمين التغطية لمخالفات أعضائها.
واقع الممارسات
كثير من المصارف ما زالت ترفض حتى اليوم قبول إيداع الشيكات بما فيها تلك التي تودع لسداد أقساط البرامج الإجتماعية أو التأمينية التي سبق للمصارف أن ابتدعتها “في أيام العز”. من تلك الشيكات ما هو مرتبط بتقاعد الموظفين أو بتعليم الأولاد أو لادخار مبالغ مالية لغايات محدّدة. ومع ذلك، ترفضها المصارف، علماً أن تلك البرامج كانت توضع بالدولار الأميركي وتالياً، كانت أقساطها تُحتسب بالدولار قبل أن تبتكر المصارف مفهوم اللولار أو الدولار المصرفي. يعني أنه من غير الممكن لصاحب البرنامج أن يسدد أقساطه بالدولار الفريش ولا حتى بالليرة اللبنانية في حال استمراره بالبرامج، ورغم ذلك ترفض العديد من المصارف قبول إيداع شيكات مصرفية في حسابات أصحاب البرامج، دافعةً بهم لمواجهة معضلة يصعب التعامل معها إلا عبر الشيكات المصرفية التي تعتبرها المصارف لولار (دولار مصرفي).
شيكات “السماسرة”
تعمل بعض المصارف على تسويق شيكات مصرفية عبر تجار و”سماسرة” يعملون لحسابها. تقتصر مهامهم على جذب مودعين وشراء شيكات منهم في سبيل تحرير جزء من ودائعهم بالدولار الفريش، أي من خلال شراء تلك الشيكات بالدولار النقدي. أما عن قيمة تلك الشيكات، وبعد ان كانت قيمة الشيك المصرفي مع بداية الازمة المالية في العام 2019 وبداية العام 2020 تتراوح بين 25 في المئة و35 في المئة، باتت اليوم لا تتعدى أكثر من 10 إلى 12 في المئة، بمعنى ان شيك بقيمة 1000 دولار لا تزيد قيمته الحقيقية عن 120 دولاراً فقط، في أحسن الأحوال.
أما مهام سماسرة المصارف فلا تقتصر على شراء الشيكات من أصحابها لصالح المصارف. يعملون كذلك على جذب مودعين من غير اللبنانيين، لاسيما من الجنسيات العربية، خصوصاً العراقية، وتقديم عروض “مغرية” لهم، تقوم بحسب شهود، على شراء ودائعهم مقابل شيكات. تفوق النسب المعطاة لهم النسب الرائجة في تجارة الشيكات أي أكثر من الـ10 والـ12 في المئة وتصل أحياناً إلى 30 و40 في المئة. أما مكاسب السماسرة فتقتصر على تقاسم نسبة من الأرباح مع أحد مدراء أو موظفي المصرف الذي يعملون لصالحه ويشترون شيكاته.
أما الشرط الاساسي الذي يمليه تجار وسماسرة الشيكات لصالح المصارف فهو تصفية الوديعة وإغلاق حساب صاحبها. هذا ما يؤكد سعي المصارف إلى التخلص من مودعيها غير اللبنانيين في محاولة لتجنّب دعاوى قضائية جديدة خارج لبنان وداخله، وإن كان على حساب تشريع الباب أمام السوق السوداء لتجارة الشيكات بلا قيود أو رقابة.