تواصل أم هدم اجتماعي؟!* فاطمة ناصر العازمي
النشرة الدولية –
قبل أزمة جائحة كورونا بسنوات حتى يومنا هذا شكّلت وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حالة من التعاطي الكبير بين المجتمعات وأبناء المجتمع الواحد، وهذا التعاطي بجوانبه السلبية والإيجابية مستمر ومتواصل، هذا مع الوضع في الحسبان زيادة هذه الوسائل مستقبلا، وقد تختفي بعضها وتظهر وسائل أخرى جديدة أكثر تطورا وسهولة في الاستخدام.
ويبقى تعاطيها والتعامل معها مرهونا بمدى الوعي بكيفية استخدامها إضافة الى إمكانية وجود القوانين التي تحدد هذا الاستخدام.
ولقد أثبتت الفترات السابقة أن الاستخدام والتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة والمتاحة للجميع بكل سهولة في بلدنا الكويت به الكثير من الجوانب السلبية والتي تفوق الإيجابيات المأمولة والمتوقعة من ذلك، منها ما هو مرتبط بوعي وإدراك الفرد ومنها ما هو مرتبط بغايات استغلال هذا الفرد من قبل جماعات داخل المجتمع أو خارجه.
ولقد تطرّق صاحب السمو الأمير الوالد، حفظه الله ورعاه، بكلماته النيّرة الى هذا الموضوع المهم والذي يمس نسيجنا المجتمعي وأمننا واستقرارنا وعلاقاتنا خلال كلماته العديدة التي يخاطب بها الشعب الكويتي والمقيمين على أرض الكويت الطيبة في مناسبات عدة.
٭ ففي كلمة صاحب السمو الوالد حفظه الله ورعاه بالعشر الأواخر من شهر رمضان 27/6/2016 قال: «إخواني وأبنائي، إن عالمنا اليوم تتجاذبه الأهواء والآراء خاصة في ظل ما نشهده من انفتاح وتطور إعلامي سريع مما يتوجب معه النصح والإرشاد والتوجيه لأبنائنا لسلوك الطريق القويم.
وإن مما يؤسف له ما نشاهده ونعايشه من إساءة لاستخدام أدوات التواصل الاجتماعي، حيث اتخذها البعض أداة للتسلية ومعول هدم لما جبل عليه مجتمعنا من عفة وقيم سامية وأخلاق فاضلة توارثناها من الآباء والأجداد، عبر نشر المقالات والتغريدات المغرضة والمسيئة للوطن والمشككة بالنوايا والذمم والمليئة بالتهم جزافا ودونما دليل، فأشاع بذلك روح البغضاء والكراهية وأصبحت المحاكم تعج بالقضايا المرفوعة جراء ذلك، وهو سلوك مشين مليء بالآثام نهى عنه ديننا الحنيف الذي أمر بالتثبت وصون الأعراض.
ولنا وطيد الأمل في مختلف وسائل إعلامنا المقروءة والمرئية والمسموعة والتي هي دائما محل تقديرنا واعتزازنا بعدم الانسياق وراء كل ما يكتب في وسائل التواصل الاجتماعي ونشرها دونما تمحيص حتى لا تسهم في تنامي وإبراز هذه الظاهرة الغريبة عن مجتمعنا».
٭ وبمناسبة تكريم سموه، حفظه الله ورعاه، كوكبة من أبنائه المعلمين المتميزين بمناسبة اليوم العالمي للمعلم للعام الدراسي 2017/2018 بتاريخ 25/4/2019 قال سموه: «إذا كان دوركم في هذا المجال أساسيا، فهو الآن مصيري في ظل الظواهر السلبية الكثيرة التي يتأثر بها شبابنا هذه الأيام وما واكب ذلك من استخدام غير مسبوق لكافة وسائل التواصل الاجتماعي وما ترتب عليها من آثار اجتماعية وثقافية وتعليمية أثرت بشكل مباشر على أنماط السلوك وهو ما يتطلب منكم مضاعفة الجهد في دوركم التربوي لتوجيه أبنائنا الوجهة الصحيحة وتهيئتهم لاستغلال طاقاتهم، متطلعين الى المزيد من التركيز والاهتمام بنوعية التعليم وبمخرجاته التي يجب أن تتماشى مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته».
٭ وفي العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل بتاريخ 27/5/2019 تحدث سموه، حفظه الله ورعاه، عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي قائلا: «إنني أدعو القائمين على كافة وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة الى ممارسة دورهم الإعلامي بوعي ومسؤولية، فلا نريد لإعلامنا الانحراف عن رسالته الوطنية الى ما يهدد وحدة وأمن الوطن الاجتماعي، لاسيما في ظل هذه الظروف الحرجة في المنطقة.
إننا نطمع ان يكون إعلامنا مشعلا حضاريا وأداة لدفع جهود البناء والتنمية ومنبرا للحرية المسؤولة والرأي العام المستنير، وإنه لما يؤسف له ما نشاهده ونعايشه من إساءة لاستخدام أدوات وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث أصبحت في أغلب الأحيان معول هدم وتشكيك بالنوايا والذمم وإشاعة روح البغضاء والكراهية بين أفراد المجتمع».
٭ أما في كلمة سموه، حفظه الله ورعاه، بمناسبة افتتاح دور الانعقاد الرابع للفصل التشريعي الخامس عشر لمجلس الأمة بتاريخ 29/10/2019، فقد قال: «علينا أن نأخذ العبرة مما يجري حولنا ولا خيار أمامنا إلا ترسيخ وحدتنا الوطنية وتلاحم مجتمعنا ونبذ أسباب الفتن والفرقة وإثارة النعرات العصبية البغيضة ومن أخطرها انحراف وسائل التواصل الاجتماعي التي صارت معاول تهدم وتمزق الوحدة الوطنية وتسيء الى سمعة الناس وكراماتهم وأعراضهم وقد دعوتكم غير مرّة الى تحرك جاد وعاجل للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة وحماية مجتمعنا من آفاتها الفتاكة».
٭ وفي كلمة لسموه حفظه الله ورعاه وجهها لأبنائه المواطنين والمقيمين في شهر رمضان الفضيل في 22/5/2020 تطرق أيضا للاستخدام السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي أحيانا قائلا: «وأود هنا أن أشير بأسف بالغ الى ما تبثه وتتناقله بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من مغالطات وإساءات مؤذية لا تتفق مع حرمة الشهر الفضيل ولا مع خطورة الظروف العصيبة التي تشهدها البلاد والتي لا تمثل إصلاحا أو تقويما لما يثار.
وأدعو الجميع الى الالتزام بسمو الرسالة الإعلامية والحرص على ممارسة دورها الإيجابي المسؤول في دعم المجهود المشترك لدحر هذا الوباء والقضاء عليه».
٭ وفي كلمته حفظه الله ورعاه في 5/7/2020 عند استقباله رئيس الهيئة العامة لمكافحة الفساد (نزاهة) وأعضاء الهيئة ذكر سموه أيضا الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي قائلا: «لقد تابعنا بأسف مؤلم ما يبث في بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من إساءات بالغة واتهامات بغير دليل لبلدنا العزيز وإظهاره وكأنه صار مرتعا للفساد وملاذا له، وأنه قد استشرى بين الكويتيين مما اضر ومس كرامة المواطن وأساء لمكانة الكويت».
نحن نعيش وسط إقليم ملتهب مليء بالأحداث والعلاقات المتوترة، إضافة الى بعض التباينات والاختلافات في الداخل، ومدى تأثيرها على تماسك ووحدة المجتمع الكويتي.
هل ما نواجهه من هجوم شرس بوسائل التواصل الاجتماعي من الداخل أم من الخارج؟! وكذلك ما نشهده من نشاط ملحوظ لظاهرة (الذباب الإلكتروني) من حسابات وهمية وآلية مبرمجة لها أهدافها المعروفة والذي ازداد نشاطها في منطقتنا في بدايات الأزمة الخليجية (مع الأسف) التي ندعو الله أن يكلل جهود صاحب السمو الأمير الوالد حفظه الله ورعاه، بالنجاح والتوفيق في مساعيه التصالحية الخيّرة.
رسالة
للسلطة التنفيذية ممثلة بسمو رئيس مجلس الوزراء «الذي يعقد الجميع عليه الأمل»، وبعض الوزراء أصحاب الاختصاص وإلى السلطة التشريعية وإلى مؤسسات المجتمع المدني.
ماذا فعلنا لترجمة رغبة وملاحظات صاحب السمو الوالد حفظه الله ورعاه؟! وهل تمت دراسة الآثار السلبية لهذه الوسائل على مجتمعنا؟! وهل نعلم كلفة الدعاوى والقضايا المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي على السلطة القضائية «محاكم ونيابة عامة» ووزارة الداخلية (إدارة الجرائم الإلكترونية)؟ وهل تابعنا تجارب الآخرين والدروس المستفادة منها؟ هل هناك من يعي أهمية وخطورة تأثيرات هذه الوسائل على مجتمع يعج بالجاليات ويتوسط منطقة ملتهبة؟ أم إن الكل مشغول بقضاياه وهمومه؟ نعم وألف نعم لحرية الرأي والتعبير. لكننا نقول اليوم «مليون نعم للمسؤولية في التواصل والرأي والتعبير».