ترامب يستفزّ المتظاهرين في بورتلاند بولاية أوريغون الأمريكية

بعد شهرين على مقتل المواطن جورج فلويد على يد أربعة ضباط شرطة في مينيابوليس في ولاية مينيسوتا، في 25 مايو/أيار الماضي، لم تهدأ الاحتجاجات المنددة بالعنصرية وبعنف الشرطة في الولايات المتحدة، بل تحوّلت من تظاهرات حاشدة يومية إلى صدامات ليلية قاسية، في أكثر من مدينة وولاية، بما في ذلك في بورتلاند التي تعد أكبر مدن ولاية أوريغون، وفي مدن مثل أوستن وسياتل.

وتعززت حالة الغضب الشعبي جراء استفزاز الرئيس الأميركي دونالد ترامب المحتجين، بإرساله قوات فيدرالية إلى مدن عدة، خصوصاً من حرس الحدود، لـ”إعادة النظام والقانون إلى الشوارع” وفقاً له. غير أن أفعال ترامب لم تؤدِ إلى خفض منسوب التوتر، أو القضاء عليه بحسب رغبته، بل أججت الوضع الشعبي العام، في ظلّ سوء إدارته تفشي وباء كورونا من جهة، وارتفاع نِسَب البطالة من جهة ثانية، وسط مخاوف من أن يكون الهدف الأساسي لنشر القوات الفيدرالية، هو تأمين فوز الرئيس الجمهوري بالولاية الرئاسية الثانية في 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. مع العلم أن رد فعل السلطات، أدى إلى تفاقم العنف، وسقوط قتلى وجرحى، فضلاً عن تكثيف استخدام الغاز المسيّل للدموع، خصوصاً العبوات المنتهية صلاحياتها، ضد المتظاهرين، وهو ما يثر المخاوف من زيادة المخاطر من تفشي كورونا، بفعل التأثير الكيميائي للغاز على الرئتين، الهدف الأساسي للوباء العالمي.

وفي مدينة أوستن عاصمة ولاية تكساس، تدهور الوضع الأمني مع إعلان السلطات مقتل شخص ليل السبت الأحد جرّاء إطلاق أعيرة نارية خلال مسيرة احتجاجية لحركة “حياة السود مهمة”. وكانت المسيرة التي ضمّت مائة شخص، تُبثّ مباشرة على “فيسبوك” حين دوى صوت الرصاص. وذكرت شرطة أوستن أن التقارير الأولية تشير إلى أن المشتبه به كان يحمل بندقية وأطلق النار على الضحية الذي كان في سيارته. وأضافت أنها ألقت القبض على المشتبه به.

وفي سياتل عاصمة ولاية واشنطن (شرقي البلاد، وليس العاصمة الواقعة غربي الولايات المتحدة)، وقعت حوادث عدة، ليل السبت ـ الأحد، تمثلت بتصدي الشرطة لمحاولة متظاهرين إضرام حريق أمام مركز لاحتجاز القاصرين. وحاول بعض المتظاهرين حماية أنفسهم من غاز الفلفل باستخدام مظلات. وذكرت صحيفة “سياتل تايمز” أن 16 شخصاً أوقفوا. أما الشرطة فأعلنت اعتقال العشرات، وذكرت على موقعها على “تويتر” أنها “ألقت القبض على 45 شخصاً، وأن 21 فرداً منها أُصيبوا جراء تعرّضهم للرشق بالحجارة وقذائف ومتفجرات أخرى. وقد تمكن معظم الأفراد من العودة إلى العمل. وعولج أحدهم في مستشفى من إصابة في الركبة”.

وفي لويزفيل أكبر مدن كنتاكي، ذكرت وسائل إعلام أن ثلاثة أشخاص أُصيبوا بجروح طفيفة بسلاح ناري مساء السبت، لكن الشرطة قالت إن وقائع الحادث “عرضية”. مع العلم أن احتجاجات لويزفيل، بدأت مع احتجاج ناشطين سود من حركة “أن أي إيه سي”، مدججين بالسلاح على موت بريونا تايلور، وهي سيدة سوداء قتلتها الشرطة في شقتها في مارس/آذار الماضي. لكن الشرطة انتشرت بكثافة لتجنب أي اشتباك مع مشاركين في تظاهرة مضادة لبيض تابعين لمجموعة محافظة، مسلّحين أيضاً.

وفي أوكلاند بولاية كاليفورنيا، أضرم متظاهرون النار في محكمة وألحقوا الضرر بمركز شرطة، واعتدوا على ضباط بعد اشتداد حدة تظاهرة سلمية مساء السبت. وذكرت إدارة شرطة أوكلاند على “تويتر”، أن متظاهرين حطّموا نوافذ ورشوا رسومات على جدران وأطلقوا الألعاب النارية ووجهوا أشعة الليزر على الضباط. في المقابل، دعت تغريدات عدة إلى السلام وطلبت من المنظمين “مساعدتنا في توفير أماكن آمنة ومناطق آمنة للمتظاهرين”. وكان الاحتجاج قد بدأ بسلام، مع مجموعات مثل “جدار الأمهات”، على غرار المجموعة التي تشكلت في بورتلاند، غير أنه تحول إلى عنف في وقت لاحق.

ومن بين جميع المدن التي تشهد احتجاجات ومواجهات، كان الوضع في بورتلاند التي تعد أكبر مدن ولاية أوريغون مركز الاحتجاجات الأخيرة، الأكثر توتراً وإثارة للتساؤلات حول جدوى سياسات ترامب. وحاول متظاهرون إنزال حاجز نصب أمام المحكمة الفيدرالية، لتردّ قوات الأمن باستخدام الغاز المسيل للدموع بكثافة لتفريق الحشد. وأكد محتجون رفضهم وجود عناصر أمن فيدراليين في مدينتهم، وعبّروا عن دعمهم لحركة “حياة السود مهمة”. وقال مايك شيكاني، بحسب ما نقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز “لا يعجبني ما يحصل هنا وما يفعله ترامب”. وأضاف أنه لا يريد “الاقتراب من الرجال الذين يرتدون بزات خضراء”، في إشارة إلى القوات الفيدرالية. أما المتقاعدة جين مولين، فرأت أن شيئاً لن يتغيّر من دون ضغط، مضيفة أنه “حان الوقت لنصبح بوضع نفتخر به دائماً. لم يعد بإمكاننا التباهي بأي شيء. لسنا في صدارة أي شيء، وهذا أمر سيئ جداً أراه في نهاية حياتي”. واتهم رئيس بلدية بورتلاند الديمقراطي تيد ويلر، العناصر الفيدراليين بالتسبب في تصعيد خطير للوضع، باستخدامهم أساليب مسيئة وغير دستورية. كما التقى محتجين يوم الأربعاء الماضي، عقب إصابته بقنبلة غاز مسيل للدموع.

وكان العناصر الفيدراليون قد وصلوا منتصف الشهر الحالي إلى بورتلاند. وأظهرت مقاطع منتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، انتشارهم ببزات القوات الخاصة، من دون شارات ظاهرة تحدد هويتهم، مستخدمين سيارات عادية مموهة لتوقيف متظاهرين، ما أجج حركة الاحتجاج. وفي السياق، أعلنت وزارة العدل، يوم الخميس الماضي، فتحها تحقيقاً رسمياً بشأن هذا الإجراء، لكن قاضياً في ولاية أوريغون رفض يوم الجمعة الماضي، طلباً قدمته الولاية لمنع هؤلاء العناصر من توقيف محتجين.

وشهدت مواجهات بورتلاند تطوراً ملحوظاً في مستوى العنف، كشفته الصحافية ماريسا لانغ في صحيفة “واشنطن بوست”، التي ذكرت أن الفيدراليين يستخدمون الغاز المسيّل للدموع، غير أن الأمور تبدّلت في الأيام الأخيرة. وذكرت أن بعض سكان بورتلاند تمكنوا من الحصول على أجهزة تنفس، ونظارات واقية وأقنعة غاز لحماية أنفسهم من تأثيرات الغاز المسيّل للدموع، وهو غاز “سي أس” أي غاز “كلوروبنزالمالونونيتريل”، المصنّف بكونه سلاحاً كيميائياً، ومحظوراً في كل دول العالم تقريباً، بما فيها الولايات المتحدة، لكنه مسموح لدى الشرطة والفيدراليين. كما نجح السكان في استخدام منافخ الأوراق، المخصصة لتنظيف الحدائق والغابات، إذ يتم توجيه المنافخ باتجاه دخان العبوة المسيّلة للدموع، لعكس اتجاهها صوب من يطلقها. وهو ما أدى، وفقاً للانغ، إلى اكتشاف السكان انتهاء صلاحية بعض العبوات، والتي تجعل المواد الكيميائية أكثر خطراً على الناس. مع العلم أن جماعات حقوق الإنسان والعاملين في مجال الصحة، حذّروا من أن يساهم الغاز المسيّل للدموع في انتشار وباء كورونا.

في هذا الإطار، ذكر البروفيسور في مدرسة نيو جيرسي الطبية، ويعمل أيضاً في مركز نيو جيرسي للسموم، لويس نيلسون، أنه “في حال أُصيب شخص بالمادة الكيميائية، فإن جسيماتها تلتصق بجسمه وملابسه وأي سطح آخر يلمسه”. وأضاف أنه عندما يتم استخدام منافخ الأوراق، فإن السحابة الكيميائية ستتجه نحو العناصر الفيدرالية، وبالتالي فإن الجسيمات الكيميائية ستلتصق بهم أيضاً. ونبهت لانغ في تقريرها إلى عدم اتضاح من يقف خلف فكرة “منافخ الأوراق”، مشيرة إلى أن متاجر الأجهزة في بورتلاند أكدت عدم ملاحظتها ارتفاعاً في نِسب بيع منافخ الأوراق في الأسابيع الأخيرة، ما يعزّز فرضية استخدام الأهالي المنافخ الموجودة لديهم.

بدوره، ذكر الكاتب نيكولاس كريستوف في صحيفة “نيويورك تايمز”، أن مشاهدة قناة “فوكس نيوز”، يعني أن تتعلم من المقدّم شون هانيتي أن “مدينة الورد (بورتلاند) باتت منطقة حرب”، أو “دمّرتها العصابات” بحسب زميله تاكر كارلسون. وأضاف “لذلك أدعوهما للخروج من فقاعاتهما وزيارة بورتلاند، والتجول على ضفاف نهر ويلاميت. ستكون المدينة آمنة، ما لم يغامرا بالخروج ليلاً إلى جوار المحكمة الفيدرالية. هناك يجب أن يكونا يقظين، لأن الجماعات المسلحة تقتحم الشوارع بشكل دوري لمهاجمة الزوار المسالمين. أتحدث بالطبع عن القوات الفيدرالية غير المدعوة”.

وفنّد كريستوف مشاهداته في بورتلاند “لقد رأيتهم يطلقون النار بعد جولة من إطلاقهم الغاز المسيل للدموع، إلى جانب الرصاص المطاطي ومقذوفات عدة. حتى أنهم قاموا مراراً بإطلاق عبوات على عمدة بورتلاند، تيد ويلر، الذي طالبهم بالعودة إلى منازلهم، وتركوه مرمياً في شوارع مدينته”. وأضاف الكاتب “تفاخر الرئيس ترامب على قناة فوكس نيوز بقوله: لقد أطاحوه”.

واعتبر كريستوف أن ترامب يعتبر بأنه يجلب القانون والنظام إلى “الشوارع الفوضوية”، وقد أرسل قوات عدة إلى مدن أخرى (شيكاغو وكانساس سيتي وألبوكيركي ونيو مكسيكو، رغم اعتراض رؤساء بلدياتها). مع العلم أن عمدة سياتل، جيني دوركان، شدّدت على أن العناصر الفيدرالية “غير مرغوب فيها في المدينة”. ورأى الكاتب أنه إذا كان ترامب يحاول فعلاً إرساء النظام، فهو غير ذي كفاءة بشكل مذهل. إن قسوة القوات الفيدرالية ألهبت الاحتجاجات، وأدت إلى اندفاع حشود ضخمة من سكان بورتلاند لحماية مدينتهم من أولئك الذين يرونهم “بلطجية فيدرالية”. ونقل كريستوف عن حاكمة ولاية أوريغون، كايت براون، قولها “إن وجود العناصر هنا يتصاعد، وترامب يصبّ الوقود على النار”. ورأت أن القوات الفيدرالية ربما تكون أيضاً مخالفة للقانون. وقالت: “لا يمكن أن يكون لدينا شرطة سرية تختطف أشخاصاً في مركبات لا تحمل علامات. هذه ديمقراطية وليست ديكتاتورية”.

يقي، وهو تفشي فيروس كورونا، لكن الحكومة رفضت. وقالت براون في هذا الصدد: “من المرعب بالنسبة لي كيفية استخدام أموال دافعي الضرائب الفيدرالية سياسياً، من دون بذل أي جهد للحفاظ على مجتمعاتنا آمنة فعلاً”. وأبدى الكاتب رأيه في خطوات ترامب التصعيدية بقوله: “لنكن واقعيين: ترامب لا يحاول قمع العنف في بورتلاند، بل يستفز المدينة لتحويل الانتباه عن سقوط 140 ألف ضحية بسبب كورونا في الولايات المتحدة. هذا تكتيك حملة متهورة لتعزيز موقعه كمرشح القانون والنظام، في إعادة لحملة ريتشارد نيكسون الناجحة لعام 1968”.

وأضاف كريستوف “صحيح أن بعض المتظاهرين عنيفون، وبعضهم يحرق براميل القمامة الصغيرة، ومنهم من يرسم على الجدران عبارات منددة بالشرطة، أو يلقون زجاجات المياه أو المفرقعات النارية على العملاء الفيدراليين، غير أن مثل هذا العنف خاطئ ويؤدي إلى تمتين موقف ترامب”. واقتبس من النائب جون لويس، الذي توفي في وقت سابق من شهر يوليو/تموز الحالي، قوله إن “قوة صنّاع التغيير على تحمّل العنف يجب أن تكون أقوى من ارتكابه”.

لكن كريستوف شدّد على أن “الغالبية العظمى من الحشود كل مساء تريد الاحتجاج بسلام، ويغنّون من أجل العدالة العرقية، ويهتفون (ليخرج الفيدراليون الآن)، ويحاولون حماية مدينتهم من المتسللين العنيفين الذين أرسلهم ترامب”. وتابع “المتظاهرون، بما في ذلك (جدار الأمهات)، يتحولون كل ليلة إلى دروع لحماية المحتجين، ويحمون أنفسهم بخوذات الدراجات والمظلات. كما يقوم الأطباء برعاية المصابين، ويقومون بجمع القمامة لاحقاً”. إلا أن الصحافي في “نيويورك تايمز” نبّه إلى أمر لافت: “قالت لي إحدى المتظاهرات إن الفيدراليين يمتلكون البنادق فيما نمتلك المظلات. لم تقل لي سوى اسمها الأول، جاكي، لأنها تخشى الحكومة. والخشية من الحكومة هو أمر شائع في الديكتاتوريات”. وختم “احذروا، إن ما ترونه في بورتلاند قد يكون قادماً إلى مدن أخرى. بعد كل شيء، فإن ترامب أشاد بالفيدراليين قائلاً: قاموا في بورتلاند بعمل رائع”.

العربي الجديد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button