تقرير: السودان يبدأ تصدير الذهب…. هل ينقذ اقتصاده من الانهيار؟
النشرة الدولية –
في ظل التصاعد القياسي لأسعار الذهب الذي تشهده الأسواق العالمية هذه الأيام، بدأ السودان تصدير أولى شحناته من الذهب إلى عدد من الأسواق بما يقارب الخمسة أطنان، في ضوء السياسات والضوابط الجديدة التي اتخذتها الحكومة السودانية بمنع احتكارها شراء الذهب من المنتجين مع منحهم مزيداً من الحريات في تصديره بحد أقصى 10 كيلو غرامات من الذهب المصفى، بعد استيفاء الإجراءات والضوابط المحددة، ما ساهم في إيقاف عمليات التهريب الذي كان يمثل أكثر من 80 في المئة من إجمالي الإنتاج، فضلاً عن جذب نقد أجنبي إلى خزانة البلاد التي تعاني نقصاً في السيولة.
وتوقع اقتصاديون سودانيون تحدثوا إلى “اندبندنت عربية”، أن يحدث الذهب قفزة حقيقية للاقتصاد السوداني، وإنقاذه من حالة الانهيار التي تلازمه منذ سنوات، لما يمتلكه من كميات كبيرة تغطي معظم مناطق البلاد، داعين في الوقت نفسه إلى تأسيس بورصة للذهب في الخرطوم لحشد الموارد الذاتية بديلاً من الاعتماد على المنح والإعانات.
يوضح مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية الدكتور علي خالد الفويل، أن الذهب كسلعة تختلف عن البقية من ناحية أهميتها كاحتياطي للبنك المركزي، كما أن عائدها سريع، ولا تحتاج إلى آليات ومعدات ثقيلة في عمليات الاستخراج، أو تعقيدات ما يجعلها مختلفة عن غيرها من الصادرات، وبالتالي تسهم في موارد البلاد الاقتصادية بشكل واضح وصريح.
ولفت في حديث إلى “اندبندنت عربية”، إلى أن السودان غني بثروة الذهب، إذ توجد فيه مساحات شاسعة تضم كميات كبيرة من هذا المعدن الثمين. لكن ما زالت طرق التنقيب عن الذهب المتبعة حالياً تقليدية، فضلاً عن وجود تشابك بين الهيئات المعنية بهذا النشاط.
وبيّن الفويل أن السياسات الجديدة التي وضعتها اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية أظهرت نجاحها سريعاً بوقف نزيف عمليات التهريب الذي بسببه فقد السودان أطناناً عدة من الذهب خلال سنوات طويلة، من خلال فك احتكار التصدير الذي كانت تسيطر عليه الدولة من طريق بنك السودان المركزي بتحديد أسعار مجحفة للمنتجين، ما جعل تدفق الذهب السوداني إلى الأسواق الخارجية يتم بانسيابية تامة وطرق مؤسساتية، تسهم في دعم الاقتصاد الوطني بشكل كبير وفاعل.
ولاستفادة البلد من هذا المورد المهم والحيوي اقتصادياً، أكد مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية أنه لا بد من قيام بورصة للذهب بأسرع وقت ممكن حتى تأخذ وضعها في السوق العالمي، وتأسيس جسم استشاري وتنسيقي يضم كل المكونات المعنية بقطاع الذهب، فضلاً عن إعادة النظر في الطريقة البدائية للتنقيب عن الذهب والذي يتم وفق أسلوب عشوائي لا تحكمه قوانين وأنظمة محددة، إلى جانب تغيير سلوكيات المجتمع السوداني الذي يتعامل مع الذهب كمصدر للتفاخر والتباهي.
وفي سياق متصل، يقول أمين المال في اتحاد الغرف التجارية السودانية هيثم تبيدي “بالفعل أثمرت سياسة تحرير صادر الذهب التي انتهجتها الحكومة السودانية أخيراً، إذ تشجع القطاع الخاص العامل في هذا النشاط بتكثيف جهوده الإنتاجية، وصدّر في فترة وجيزة ثلاثة شحنات بحجم بلغ حوالي خمسة أطنان ذهباً، وأصبح الآن الوضع في مجال إنتاج الذهب مطمئناً، بعد أن ترك الأمر لأصحاب الشأن من دون تدخل من الدولة، التي تمثّلَ دورها في رقابة أعمال الإنتاج والتصدير من خلال بنك السودان المركزي”.
ويضيف “فيما ساهمت الإجراءات التنظيمية والسياسات الجديدة في الحد من عمليات التهريب الذي كان يشكل 80 في المئة من إجمالي الإنتاج، بالتالي نتوقع أن تكون مساهمة الذهب مقدرة جداً في تنمية وتحسين الاقتصاد السوداني خلال المستقبل القريب، ما سيؤدي بلا شك إلى فك الاختناقات والأزمات الخدمية والمعيشية التي ظل يعاني منها المواطن سنوات طويلة، لكنها وصلت إلى حد من الانفلات في أواخر فترة حكم الرئيس السابق عمر البشير”.
ويتابع تبيدي “باتت هناك شفافية وسياسات رشيدة، لكن لا بد من إعادة النظر في شركات الامتياز التي تتولى أعمال الإنتاج والتصدير، لأن العقود التي منحت لها في فترة النظام السابق كان فيها إجحاف واضح بحق السودان ممثلاً في وزارة المالية، فعالمياً هناك نسب متعارف عليها نظير عمليات استخراج الذهب، لكن تبين أن تلك الشركات تستحوذ على نصيب الأسد في الإنتاج، وهي من الممارسات السلبية التي خلفها نظام البشير، لذلك يجب مراجعة تلك العقود وفق الآليات والأسس المتعارف عليها”.
ويرى أمين المال في اتحاد الغرف التجارية أن التعدين الأهلي الذي يقوم به أفراد وشركات محلية يعد المغذي الرئيسي لسوق صادر الذهب، إذ يشكل 80 في المئة من إجمالي الإنتاج الذي يقدر بأكثر من 100 طن سنوياً، وهو رقم غير دقيق لأنه لا يعتمد على معلومات وإحصاءات فالتقديرات تتفاوت ما بين 100 إلى 200 طن.
لكن بعد تنظيم عمليتي الصادر والإنتاج، ستكون هناك خطط لحصر الإنتاج من خلال تتبع الإجراءات التي تقوم بها الجهات ذات الاختصاص كالهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، ووزارة التجارة، ومصلحة الجمارك.
في المقابل، يوضح تبيدي أن “هذا الاهتمام الذي أولته الحكومة السودانية للذهب، سيتم اتّباعه مع كل الموارد التي تتمتع بها البلاد من ثروة حيوانية، وصمغ عربي، ومحاصيل زراعية مختلفة، بأن تكون هناك أولويات للصادر، فالآن بعد استجابة وتعاون الجهات الحكومية المختصة مع عمليات تصدير الذهب تراجعت البيروقراطية وتأخير الإجراءات حتى أصبحت شبه معدومة، وبدأ هناك انسياب تام بعد إزالة العراقيل، إذ خصصت وزارة التجارة السودانية خطاً ساخناً لإنهاء العقود ومعاملات الصادر التي أصبحت تستغرق أقل من عشر دقائق”.
وحول وضع الذهب السوداني في الأسواق الخارجية ومنافذ التصدير، أجاب أمين المال “جودة الذهب بشكل عام واحدة، لكن الفرق يكون في العيار والتفاوت في كميات الإنتاج، والآن هناك خطط للتوسع في عمليات الإنتاج للاستفادة من المساحات الشاسعة التي تتوافر فيها كميات مهولة من الذهب في مناطق مختلفة من السودان”. أما بالنسبة إلى أسواق التصدير، فقد بدأت الجهات المعنية في السودان بفتح منافذ أخرى غير سوق دبي، بالاتجاه إلى أسواق الكويت وهونغ كونغ وتركيا، وهناك أيضاً ترتيبات للوصول إلى السوق الأوروبي، فجميع الأسواق العالمية ستكون متاحة للمصدرين السودانيين، بما فيها أسواق آسيا وأفريقيا”.
كان السودان أقر في 16 يونيو (حزيران) الماضي ضوابط جديدة لصادر الذهب منح بموجبها مصدّري الذهب مزيداً من الحريات في التصدير، إذ سمح لكل شركة تعمل في إنتاج الذهب بتصديره، مع إغلاق المنافذ التي يهرب بها.
وتأتي هذه الضوابط في محاولة للحكومة الانتقالية في السودان الاستفادة من عوائد الذهب بعد تحريره في تمويل محفظة إستراتيجية خاصة باستيراد سلع ضرورية وخفض أسعار العملات الأخرى.
وهذا في وقت فقد البلد ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي عندما أصبح جنوب السودان دولة مستقلة في يوليو (تموز) 2011، وكان النفط يسهم آنذاك بأكثر من 50 في المئة من إيرادات الدولة.
ويحتل السودان خلال السنوات الخمس الماضية المركز الثالث في إنتاج الذهب على مستوى القارة الأفريقية بعد جنوب أفريقيا وغانا، والمركز الـ 13 عالمياً، بحجم إنتاج سنوي يقدر بما بين 100 و250 طناً، وبحسب تقرير لوزارة الطاقة والتعدين السودانية بلغ إنتاج الذهب عام 2019 حوالي 60 طناً مترياً، متوقعاً أن يصل بنهاية عام 2020 إلى نحو 120 طناً.
وتقع أشهر مناطق إنتاج الذهب في السودان في منطقة جبل عامر في ولاية شمال دارفور، واكتشفت في العام 2012، حيث أفادت تقارير رسمية بأن كل 50 كيلو غراماً من التربة في هذه المنطقة تحتوي كيلو غراماً من الذهب، وكذلك منطقة جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان وتضم أكثر من 58 منجماً للذهب، فضلاً عن عدد من الصحارى والجبال الواقعة شرق نهر النيل حتى محاذاة البحر الأحمر وأعلى هذه المنطقة فوق سلسلة جبال البحر الأحمر بشرق السودان.
لكن على الرغم من هذا الإنتاج الوفير من الذهب ظل الفرق بين الإنتاج والصادر كبيراً جداً، حيث قدّرت تقارير رسمية الفاقد من عمليات التهريب قبل الضوابط والسياسات الجديدة ما بين 2 إلى 4 مليارات دولار سنوياً، ما تمثل نسبة 37 في المئة من إجمالي الصادرات السودانية.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”