حول كتاب (وفي حوار معها) للدكتور سمیر أیوب* بقلم د. میسون حنا
النشرة الدولية –
أقول: قرأت حواراتك مع أولى نسمات هذا الصباح، وقد غادرنا أمسه منذ ساعة ونصف. استمتعت في قراءة الكتاب مما تضمنته نصوصه من لغة رشیقة، وتشبیهات دقیقة، وعبارات رقیقة، ومعان عمیقة.
أبدأ من العنوان (وفي حوار معها) فالواو تقودنا لنستنتج أن الحدیث موغل في القدم، هو لیس الحوار الأول ولن یكون الاخیر، فالحوار مع المرأة أزلي. والمرأة العاشقة في النصوص لم تكن تلك الفتاة المراهقة، أو الشابة العشرینیة مثلا، بل كانت في منتصف العمر ، أو حتى أرذله ، فكثیرا ما ورد في النصوص أنها تجاوزت الخمسین أو قاربت هذا السن، فالحب عندها لم بتصف بطیش الشباب، ولم یكن تلبیة لرغبة فوارة، أو نزوة عابرة، ولكنه كان یعكس بحرا من التجارب ، وخبرة اكتست بدثار سمیك لفتها به السنین وحبكته حولها على مهل ، لم تكن بجریانها تسابق الریح، بل كانت تتهادى معه فتنحني للریح أحیانا ولا تنقصف، وأحیانا تسیر في اتجاهه فلا تلطمها فورات غضبه، خلاصة القول: كانت في حبها متزنة، ولهفوات الرجل مستوعبة ومتسامحة ، وكذلك كان الرجل الذي تتسلل الخیوط الفضیة شعره، حیث كان هو الآخر بلغ من العمر ما جعله یكتسب حكمة ودرایة، وخبرة یعالج بها سلبیات تطفو على السطح أحیانا، فنجد الشریكین یتداركانها برویة وتفهم واتساق ، ویتجاوزان محنتهما بروح شفیفة ، فیغادرهما الشیخ الجلیل
الذي غالبا ما كان یستمع لهما ، ویحاورهما سواء كانا مجتمعین أمامه أم على انفراد ، حیث یفاتحه الواحد منهما وغالبا كانت هي المرأة التي تحاوره وتفیض علیه بمكنوناتها ، وتبثه لواعجها وأحاسیسها، وأحیانا تنحدر الدمعات أمامه فیكون لها ماسحا، فهو بمنزلة الراهب الذي یستمع لاعترافات المخطئین ولأوجاع المتألمین ، ویمسح آلامهم بموعظة یختارها من النوع الحاد الرقیق في آن، فهو یخترق المشاعر دون أن یفتتها ، بل یلمها ویضمدها ، كان یفعل هذا ویتوارى ، فهو جندي مجهول، ولكنه في ذاكرة قاريء النصوص هو الظاهر العلم، الماسك زمام الأمور وإن طوته السطور خلفها ، فهو موجود بین ثنایاها، ومختبئء في وجدانها.
المرأة في النصوص كانت عالیة الثقافة، سقیلة الأحاسیس ، راقیة إلا في الحكایة التاسعة والعشرین حیث كانت المرأة لم یتجاوز تحصیلها العلمي حواف الثانویة العامة ولكنها كانت تعكس نضجا عاطفیا أكسبتها إیاه التجربة.
النصوص جمیعها بلغتها الشاعریة وحواراتها الرشیقة الغنیة، جمیلة بسلاستها إلا أني لا أستطیع آن آعتبرها قصصا كما ورد تصنیفها على الغلاف تحت عبارة قصص قصیرة، حتى ولو كانت كل حواریة تعكس قصة ما ولكن هناك في الحكایة العشرین بعنوان (اشتروا منهن) جاءت بثوب قصة قصیرة، ولكنها كانت مباشرة ، لم تلبس ثوبا فنیا یبرزها بإبداع كما كانت علیه بقیة النصوص، ومع ذلك فهي لم تتخل عن اللغة الرشیقة، وأظن أن الكاتب عني بالمعنى على حساب المبنى وكان بإمكانه تجاوز ذلك.
النصوص جمیعها جمیلة، أنیقة، أخاذة، وضع الكاتب فیها جهده ، وأبرز مهارته في التعبیر، وعكس ثقافته، فتجد القاريء لها یستعیدها في ذاكرته ووجدانه ولا ینساها حالما طوى الكتاب وألقاه ، وهذه میزة تحسب له. أخیرا آتمنى للكاتب مزیدا من العطاء.