أبو مازن مستهدف وشعار الإسرائيليين: اقتل أنت أولاً!* صالح القلاب
النشرة الدولية –
للمرة الأولى يصل التحريض الأميركي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، وبالطبع والإسرائيلي أيضاً، إلى هذا المستوى وعلى غرار ما كان تعرض له الرئيس الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) قبل وبعد فرض الحصار الشديد عليه في مبنى المقاطعة في رام الله، وقتله بالسم الزعاف الذي هناك تقرير عليه إجماع من قبل المقربين منه بأن طبيباً فلسطينياً هو من دسّ مادة سامة إليه، وقد وُجد، هذا الطبيب، مقتولاً في اليوم التالي، والبعض يقول، بل بعد ساعات قليلة.
لم يكن أبو مازن لا سابقاً ولا لاحقاً صاحب مواقف «صقورية» متشددة؛ ولهذا اختاره زملاؤه، وعلى رأسهم أبو عمار، ليرأس الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات: «أوسلو السرية» مع الإسرائيليين، التي من المعروف أنها تمخضت عن مجموعة من التفاهمات بين إسرائيل ومنظمة التحرير، و«إعلان المبادئ» المعروف بـ«اتفاق أوسلو» الذي وقّع في واشنطن في عام 1993، واتفاقية أوسلو (2) التي وقّعت في طابا عام 1995 على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338 واعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير ممثلاً للشعب الفلسطيني، واعتراف المنظمة الفلسطينية بالدولة الإسرائيلية على حدود عام 1948.
وهكذا فقط أصبحت منظمة التحرير شريكاً لإسرائيل في مفاوضات الوضع النهائي، التي أهمهما الحدود والمستوطنات والقدس وحق الفلسطينيين في العودة، وحقيقة أن أبو مازن كان المسؤول الفلسطيني الرئيسي بالنسبة للمفاوضات مع الإسرائيليين، وبالطبع بإشراف أبو عمار المستمر والمتواصل، واطلاع قيادات حركة «فتح» وقيادات بعض الفصائل الفلسطينية، وبخاصة الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية على سير تلك المفاوضات.
ويقيناً أنه كان بالإمكان ألا تتعثر اتفاقيات السلام هذه لو لم يتم اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين، في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1994 وحلول إرييل شارون محل إيهود باراك بعد بنيامين نتنياهو وشمعون بيريس الذي كانت ولايته قصيرة ومجرد أيام قليلة.
ولعل ما تجدر الإشارة إليه هو أن أبو عمار الذي كان كابد الأمرّين بعد فرض الحصار عليه في مبنى المقاطعة في رام الله، منذ مارس (آذار) عام 2002 وحتى نهايات عام 2004، قد تم اغتياله، ليس لأنه كان رافضاً لعملية السلام، بل لأنه كان مخلصاً لها، وأنه بقي يسعى جاداً، ومعه بالطبع أبو مازن، إلى إقامة الدولة الفلسطينية وفقاً لاتفاقيات أوسلو المعروفة وعلى حدود عام 1948 بالنسبة للإسرائيليين وحدود عام 1967 بالنسبة للفلسطينيين وللعرب بصورة عامة.
والآن، فإن الواضح أن الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، يسعون فعلياً للتخلص من أبو مازن، ومن الدولة الفلسطينية التي كانت قد أُقرت وفقاً لاتفاقيات أوسلو وما تبعها من اتفاقيات وتفاهمات؛ ولهذا وبالاستناد إلى «صفقة القرن» فقد اتخذ رئيس الوزراء الإسرائيلي قرارات «الضم» التي اتخذها، وقرار إلحاق مستوطنات الضفة الغربية بإسرائيل، وأغلب الظن أن كل هذا سيتم بعد فترة قصيرة إن لم تحدث متغيرات فعلية وحقيقية في معادلة الحكم في الدولة الإسرائيلية.
وإنّ ما تجدر الإشارة إليه هو أن الرئيس الفلسطيني الذي إذا أردنا قول الحقيقة، أنه كان ولا يزال صاحب مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وأنه بطريقة تعامله مع الدول الكبرى المعنية ودول العالم بأسرها قد وضع قضية فلسطين في موضع قوي وحيث اعترفت هذه الدول كلها بدولة فلسطين المستقلة التي أصبحت لها سفارات وممثليات في كل دول الكرة الأرضية، وبالطبع باستثناء الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترمب الذي يبدو أنه يخضع لمتشددي ما يسمون «المسيحيين المجددين» في أميركا.
وهكذا، فإن بنيامين نتنياهو بات يعتبر أن أبو مازن أكثر خطراً على إسرائيل ومستقبل الإسرائيليين في فلسطين كلها ومن البحر إلى النهر من أبو عمار، وأن التخلص منه يجب أن يتم بالطريقة التي تم التخلص بها من ياسر عرفات، وهذه مسألة ليست «مزحة» ولا افتراضاً عابراً؛ مما يعني أنه على الأشقاء الفلسطينيين أن يكونوا أكثر جدية في هذا المجال، وأن يكونوا أكثر حذراً، وأن يضعوا «قائدهم» هذا في حدقات عيونهم، وأن يحموه مما حصل مع الرئيس الراحل، ومما يتعرض له من مؤامرات داخلية وخارجية!
وأيضاً، فإنه على المحيطين بالرئيس أبو مازن، وبخاصة أبناء «فتح» والسلطة الوطنية، التي من المفترض أنها قد أدت دورها وأصبح البديل هو الدولة الفلسطينية المنشودة، أن يأخذوا بعين الاعتبار أن الإسرائيليين – إنْ ليس كلهم فالمتطرفون منهم – يحاولون جدياً التخلص من الرئيس محمود عباس كما كانوا تخلصوا من ياسر عرفات ليتخلصوا من قيام الدولة المنشودة، وهذه مسألة باتت واضحة وجدية، ولا يجوز التهاون بها، وبخاصة في هذه المرحلة الخطيرة، إنْ في هذه المنطقة وإنْ في الشرق الأوسط كله.
وبصراحة، فإنه على الفلسطينيين المعنيين كلهم، وبخاصة من منهم في الضفة الغربية، أن يتعاملوا مع هذه المسألة الخطيرة بكل جدية، وأن يدركوا أن أبو عمار، رحمه الله، كان ضحية التراخي وإهمال المحيطين به والمسؤولين عن أمنه؛ فهم الذين كانوا يعرفون معرفة أكيدة أن الإسرائيليين بغالبيتهم، بل كلهم، يرفضون إقامة هذه الدولة، وأنهم يسعون فعلياً للتخلص من أبو مازن، حماه الله جلّ شأنه، كما تخلصوا من أبو عمار الذي خذله بعض العرب وابتعد عنه بعض الفلسطينيين وابتلي بحركة «حماس» التي تحولت إلى خنجر مسموم في الخاصرة الفلسطينية!
إن هذه المسألة ليست جدية وفقط، بل في غاية الجدية، وأنه عندما يكون هناك تحريض علني على اغتيال أبو مازن من قِبل عضو في مجلس النواب الأميركي، فإن هذا يعني أن هناك توجهاً جدياً في هذا المجال؛ مما يتطلب ألا يكون هناك أي تراخٍ فلسطيني بالنسبة لهذه المسألة الخطيرة، كذلك التراخي الذي كان أدى إلى خسارة أبو عمار القائد الذي أفنى حياته من أجل هذه القضية المقدسة… قضية فلسطين.
وعليه، ومرة أخرى، فإنه يجب إدراك أن هذه المسألة في غاية الجدية، وأن كل هذا التحريض ضد أبو مازن وضد القيادة الفلسطينية كلها يتطلب عدم التراخي إطلاقاً، وضرورة أخذ الأمور بكل جدية، وبخاصة أن المعروف أن شهداء فلسطين على هذا المستوى وفي هذا المجال معظمهم من قادة «فتح»، وأن مسيرة الشهادة قد بدأت بالقادة الكبار، رحمهم الله جميعاً: أبو يوسف النجار، وكمال عدوان، وكمال ناصر، وأبو جهاد، وأبو إياد، وأبو الهول… ومن الجبهة الشعبية أبو علي مصطفى، وغسان كنفاني.
ويقيناً، إن ما هو مؤكد بالفعل أن استهداف الإسرائيليين، وبخاصة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبعض مساعديه وقادة حزبه، للرئيس محمود عباس في منتهى الجدية، وأنّ ما بات واضحاً ومؤكداً أن إسرائيل بمعظم رموزها وقياداتها الفاعلة ضد قيام الدولة الفلسطينية، وأنها بالفعل تريد التخلص من أبو مازن كما تخلصت من أبو عمار؛ مما يستدعي أن يكون هناك استنفار فلسطيني حقيقي في هذا المجال، وأن يكون هناك تنسيق، وبخاصة مع الدول الكبرى المؤيدة للفلسطينيين وقيام دولتهم المستقلة والقادرة على التأثير على الإسرائيليين ومنعهم من القيام بما كانوا قاموا به في التخلص من أبو عمار، رحمه الله.
***
وعليه، وبالنتيجة، فإن هناك شخصاً صهيونياً اسمه رونين بيرغمان صاحب نظرية تقول «انهض من النوم مبكراً ثم اقتل أولاً»… إنها نظرية إجرامية استخدمها الإسرائيليون ضد الفلسطينيين ومن دون أي مبرر على مدى كل هذه الفترة الطويلة!