اليمن عندما كان سعيدًا في الكتب الرومانية* حافظ البرغوثي

النشرة الدولية –

حولت السيول الجارفة التي اجتاحت اليمن العاصمة صنعاء إلى بحيرة، وألحقت أضرارًا بالمنازل التاريخية التي اعتبرتها منظمة اليونسكو من التراث العالمي لقدمها، وتوفي أكثر من 200 يمني في السيول، خاصة في منطقة صنعاء المهملة من الحوثيين، بينما كانت الخسائر البشرية في المناطق الخارجة عن سيطرتهم. وقد ذكر السيل العرم في القرآن الكريم بقوله تعالى ( لقد كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِم آيةٌ جَنَّتاَنِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُم واشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ وَبَدَّلْناَهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ ) (سبأ: 15-16).

ويعتقد أن الحضارة اليمنية ضاربة في القدم، وازدهرت بفضل سد مأرب، ومع انهياره تراجعت الحضارة اليمنية، وذكر اليمن في الألواح الآشورية والمخطوطات الإغريقية والرومانية. وكان المغفور له الشيخ زايد عمد إلى إعادة ترميم سد مأرب سنة 1984للاستفادة من مياه الأمطار في إطار مشاريعه لدعم اليمن ذي التاريخ التليد.

وقد ذكر مؤرخون اليمن، وسمي في كتب الرومان “العربية السعيدة” بعد أن وصفوا حال الحياة فيه  في زمن الإغريق والرومان، وذكر الملك سرجون الآشوري اليمن لأن اليمنيين كانوا يدفعون له ضرائب مقابل مرور بضائعهم إلى البحر المتوسط عبر غزة، كما ذكره المؤرخ الإغريقي تولميو وسماه العربية وأطلق عليها الروم العربية السعيدة وفقا للمؤرخ الروماني بيلينيو لأنها سعيدة تعيش في سعادة ورخاء بسبب خيراتها من الثمار والعطور والبخور والمواشي والتجارة والتوابل بسبب سد مأرب، ورعاياها محظوظون ويتمتعون بالعطور والبخور أحياء وأامواتًا، حيث يدعق البخور على الموتى وتكريمًا للآلهة، ولها بحر من الخيرات أهمها اللؤلؤ. وقدر المؤرخ الروماني مقدار ما تصرفه الميزانية الإمبراطورية الرومانية على البخور والعطور واللؤلؤ القادم من اليمن بحوالي مئة مليون “سيستري”.. العملة الرومانية آنذاك.. حيث كان الطيب والبخور واللؤلؤ من مستلزمات النساء المرفهات في حينه. وقد أثارت ثروات اليمن شهية القيصر الروماني بومبيو الذي أقام علاقات مع مملكة الأنباط في شمال الحجاز وشرق الأردن، ومن بعده قرر القيصر أوغست احتلال اليمن للاستحواذ على ثرواته، فجرد حملة بحرية من 130 سفينة تحمل عشرة آلاف مقاتل، ووجه حاكم مصر الروماني جالو بإيفاد حملة برية، وكان للحملة البرية الموازية للبحرية دليل عربي يعرف الطرق، قادهم الى مأرب، لكنهم فشلوا في احتلالها لوجود سور عملاق حولها طوله عشرة كيلومترات، وفضل التوجه جنوبا نحو مكامن البخور وشجر البان، لكنه تعب وقفل راجعًا، واتهم الدليل العربي واسمه في المخطوطات الرومية سيليو بأنه السبب في فشل الحملة، لأنه قادهم عبر مسالك جافة وصحراوية وجبال وعرة انهكتهم وجعلتهم يفقدون أغلب جيشهم من الهجمات القبلية والأمراض التي لم يتعودوا عليها، وأمر أوغست بإعدام الدليل العربي الذي تبين أنه كان يتعمد إلقاء جيش الغزاة في التيه والمسالك الصحراوية والجبلية الوعرة، ولم يخن قومه وبلاده ولم يدلهم على الطريق الصحيح. فاليمن استعصى على الغرباء قديما، وبعد الإسلام كانت جوهرة الجيش الإسلامي في معركة اليرموك ضد البيزنطيين هي الفرقة اليمنية التي عول عليها قادة الفتح أن تصمد وتجتاح صفوف العدو. وحتى إبان القوة العثمانية فإن الجيش العثماني مني بالهزيمة النكراء في اليمن بعد ثلاث حملات لإحتلاله، آخرها حملة ضمت أربعين ألف مقاتل، أبيد أغلبهم، ومازال الأتراك يغنون أغنية حزينة تقول كلماتها “يا يمن أعيدي إلينا شبابنا”، وسمي موقع المعركة قرب صنعاء بالمذبح لأن الأتراك ذبحوا فيه ثلاث مرات.

ولخص المؤرخ الروماني أميانو مارشيلينو حياة اليمن السعيد بقوله: لديهم كل الثمرات والمواشي والعطور والرطب والأنهار والجداول والبحر على اليمين والبحر الآخر، أي بحر العرب والخليج، وهم أغنياء وسعداء وبيوتهم فخمة وجميلة، ومناخهم جميلن فكيف لا يكونون سعداء على حد وصفه. بقي أن نقول إن اليمن الحديث تعرض للإذلال لتواتر حكامه، حيث قضوا جميعا بالاغتيال أو الإعدام، وآخرهم علي عبد الله صالح الذي سلم البلاد للحوثيين وغدروا به أيضا كما غدروا باليمن، وكانوا كالسيل العرم البشري وليس الرباني في تدمير اليمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button