المعّاز* يوسف طراد
النشرة الدولية –
تائهٌ في شِعاب الجبال، غير آبه لازدحام سير أو فراغ سياسي، يمتطي النسيم فرسًا إلى قلبه، سريره اِرتحال دائم.
يرندح عتابا (النجّار) صيفًا شتاءً مستعذبًا صوته الأجش، لباسه فولكلوري أسطوري (منتيان) و(شروال) من العهد العثماني، وعقال مجدول يثبّت كفيّة على طاسة رأسه المستديرة، التي تحوي الكثير من الشتائم المخصّصة للرعي.
يتحدث مع (نجمة الصبح) حديث الفجر الصامت، مترقبًا أوّل شعاع. تقف العنزات بصفٍ طويل منتظم عند عملية الحلب، كأنك في بلدٍ أوروبي راق يحترم الدور والنظام .
إذا كنت زائرًا صباحيًا، لا تستطيع المغادرة، ومشتقّات الحليب الطازج تغريك بمنظرٍ لم تألفه على مائدة مطاعم خمس نجوم. خبز مرقوق على الصاج، يضحك لك رغيفه كما يضحك البدر للأرض في ليلةٍ صافية، لبن زبادي رائب، يغري ملوك الجان، جبن بلدي يضاهي أجبان (البيريني) طعمًا وجودة، (قريشة) بيضاء كفقش الموج على الصخور المخرشمة، (ظليّط) يسرح من (السطيّلة) بركة غير مهدورة بمذاق رائع، كلّ ذلك متوّج برائحة البيض البلدي المقلي بمقلاة فخّار، وقودها الحطب، تضاهي روائح توابل بلاد الهند مجتمعة .
عند سؤاله عن صحّة أولاده قبل (الطرشات)، ينظر إليك نظرة غضب مشحون بالسخرية، كيف وهم مصدر معيشته. أنجاله يغادرون جنّته نحو المدنيّة العوجاء (القرش الفايش) حسب قوله.
هل رأيتم مشهد (الجدي) عندما ينام بجانب الأطفال على (بلاس)، فرشتهم الأرض ولحافهم السماء. يتحدّثون بلّغة خصوصيّة لا يفهمها سوى مجتمع الرعيان.
هل جلستم في صالون، مقاعده أكياس (البعر) و(الزبل)، التي تُرسل هدايا قيّمة لمالكي الأراضي، ضمن خريطة رعيّه.
لا يملك شمسية، تقيه حرّ الشمس وزخّات المطر. بل يلف جسمه شتاءً (بمشمع)، مع قبّعة من النايلون السميك الأسود، يشبه إسكيم رهبان القرن الخامس عشر.
لا يهتمّ إذا دارت حرب هوجاء أو حطّت رحالها، لم يسمع بزلزال أو تسونامي، لم يشعر بهزّةٍ أرضية، لا يشمّ رائحة نفايات أو دخان معامل. بل يتأسّف على كسّارات تقضم محميات غير مصنّفة، لسبب وحيد إنها مصدر للرعي.
همّه الوحيد أن يبقى بجانب (الساعور)، يدلّل كلاب الحراسة، ينظر بفخرٍ إلى (الشحاتيل) التي تتباها بطول قرونها كغزلان كليمنجو، يعدد (التنيان) المعدّة للذبح ليبيعها لتجّار اللحم أو للقصّاب، يضحك (لتبرطع القصاقيص)، يسرّح شعر (الكرّاز) بحنيّة تسريح شعر أولاده. وتحمّر عيون (ربع) يتمخطر منتظرًا ترقيته لرتبة (كرّاز). ينادي (الرغتات) بأسمائها الغريبة، عندما يجد مرعًا خصبًا، لأنها تدر الحليب الوفير للبيع وإرضاع (الجديات)، يطعم (القشّوع) بيديه، مستمعًا لصوت حجال البريّة، الذي يطرب له ويرد عليه بالمثل من (عنيّق) أو (مجوّز) يحن لهما (الحادي بالوادي).
قلبه معلّق (بشلعة) الماعز، التي بدورها معلّقة بشيرٍ كالجدار، في جبال السحر وجرد الخير، متمنيًا أن يطول الصيف.
(الصيف لَو لو أم بتبكي عليه).
*(ظليط) ما يسرح من الوعاء عند صنع الجبن.
*(الطرشات) مجموعة الماعز التي يملكها.
*(بلاس) حصيرة من الشعر.
*(الساعور) ذكر الماعز بعمر السنة.
*(الشحاتيل) ذكور الماعز الكبيرة الحجم.
*(ربع) ساعور بعمر أربع سنوات.
*(كراز) قائد القطيع، يكون شحتولًا كبيرًا جميل المنظر.
*(الرغتات) أناث الماعز التي تدّر الحليب.
*(الجديات) جمع جدي صغير الماعز.
*(القشوع) الجدي المولود متأخرًا آخر الموسم ويكون ضعيف الجسم.
*(القصاقيص) صغار أناث الماعز
Mon liban.