باسيل ينحني أمام العاصفة الأميركية وينأى بنفسه عن “حزب الله” اللبناني

النشرة الدولية –

نوال الأشقر

ينحني الوزير السابق جبران باسيل أمام عاصفة العقوبات الأميركية، كي لا تقتلعه وطموحه الرئاسي. لذلك تراه ينتهج ما يحفظ رأسه، على الأقل إلى حين نتائج الإنتخابات الأميركية. فمنذ أن بدأ الحديث الجدّي عن توسيع إدارة ترامب بيكار قصاصها خارج دائرة “حزب الله” ليطال داعمين له، حتّى بدأ وريث “تفاهم مار مخايل” يتحسّس رقبته خوفًا من أن يصل الدور إليه، خصوصًا أنّه يتصدّر قائمة داعمي “حزب الله”، ولطالما عبّر السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان عن استغرابه لعدم إدراج باسيل على لائحة العقوبات الأميركية. انطلاقًا من هنا شرع باسيل بانتهاج سياسة مختلفة لإبعاد العقوبات، التي من شأن حصولها أن تقضي على مستقبله السياسي، وهو الذي خاض حروبًا ومعارك وتفاهمات لأجل معركته الرئاسية التي بدأها باكرًا جدًا، في اليوم التالي لإنتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية، أو ربما قبل ذلك.

أيقن باسيل أنّ الولايات المتحدة لا تمزح في شرط “التمايزعن حزب الله”. هاجس العقوبات الذي يعيشه انعكس في أدائه في أكثر من مناسبة، آخرها في خطابه بالأمس. فبعد العقوبات التي طالت الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، أضحى باسيل بحاجة إلى إثبات تمايزه أكثر من أيّ وقت مضى. وفي هذا الأطار دعم الحكومة العتيدة، بصرف النظر عن موقف حليفه منها، وأعلن رفضه تمسّك الثنائي الشيعي بحقيبة المالية كعرف يكرّس المثالثة، وهو الذي تغاضى مرارًا عن مطلب “التوقيع الثالث” في حكومات سابقة.

اختار باسيل أن يوجّه رسائله في مؤتمر صحافي من دون صحافيين، فالموقف حسّاس، ولا يحتمل سؤالًا من هنا ونقاشًا من هناك، لأنّ الكلمات محسوبة “علقد”. أعدّها مكتوبة في ملف وُضع أمامه وباللغة العامية. مصادر مراقبة وصفت خطاب باسيل بأنّه موجّه للخارج أكثر منه للداخل. فرئيس “الوطني الحر” الذي وضع مجمل تركيبة حكومة دياب قبل أشهر قليلة، و”لعيونه” تعطلّ تشكيل حكومات سابقة أشهرًا عديدة، اليوم هو زاهد بالحصص الوزارية إلى حدّ نكران الذات “مش حابين نشارك بالحكومة..كثر يتحدّثون معنا لضرورة مشاركتنا وأنّ الحكومة لا تشكّل من دوننا، ونحن نجيب أنّ رئيس الجمهورية بتمثيله وميثاقيته يغطّينا ويغطّي الحكومة ويعوّض عنّا بهذه الظروف الاستثنائيّة”.

أبعد من ذلك ضمّن باسيل مؤتمره ثلاثة ملفات تشكّل أولوية أميركية، وقاربها بما يحاكي الإهتمامات الأميركية. الملف الأول ترسيم الحدود البحرية والبرّية بقوله “أنا من يلي بيشوفوا مصلحة كاملة للبنان بإنهاء ملف ترسيم الحدود، من ضمن الحفاظ على حقوقنا وعلى سيادتنا لتأمين مصلحة بلدنا، من دون مزايدات”. موقف باسيل هذا استفزّ الرئيس بري خصوصًا أنّ ملف الترسيم بعهدته، فكان ردّ من النائب قاسم هاشم “موضوع ترسيم الحدود لا يقف عند حدود المصلحة بل هو من المبادىء والثوابت الوطنية، والتمسك بكل ذرة تراب محتلة هو موضوع كرامة وطنية الا اذا اصبحت الكرامة عند البعض تعادل في ميزان المصلحة السياسية لا الوطنية”.

الملف الثاني، هو عودة “حزب الله” من سوريا، بحيث دعا باسيل الحزب للعودة من سوريا على طريقته عندما أشار إلى أنّ “الحزب يفكّر بالعودة من سوريا وعلينا احتضان هذا القرار”. الملف الثالث هو التمسّك بالقرار 1701 ورفض استخدام لبنان “منطلقًا للعمليات الفدائية من أرضه وإعادة تحويله ساحة لتصفية الحسابات الخارجية”، مشيرًا إلى “ما قيل خلال زيارة السيد اسماعيل هنية لأنه يؤذي لبنان وما بيخدم القضية الفسطينية”، وبذلك وجّه انتقادًا مبطّنًا لـ”حزب الله”. يضاف إلى ذلك دعوته لمناقشة الإستراتيجية الدفاعية، وموقفه من الحياد الإيجابي الذي دعا إليه البطريرك الراعي، وإن ربطه بوجوب توافر احتضان إقليمي ودولي.

قبل مؤتمره هذا، شهدت مواقف باسيل حيال “حزب الله” ترنّحًا، على قاعدة “ضربة على الحافر وضربة على المسمار”. منها على سبيل المثال تصويبه على حليفه في أيار الماضي من بوّابة “المعابر غير الشرعية” التي تحميها “قوى الأمر الواقع”. في اليوم التالي إنتقد النائب زياد أسود الحزب على شاشة “otv” إذ “لا يمكن أن نحمل البارودة وشعبنا جائع”. بعدها تحدث باسيل في حزيران الماضي لـ “اندبندنت عربية” عن دوره في تفاهم مار مخايل “إذا كانت لي مساهمة في هذا التفاهم عام 2006، فأنا أفتخر بها، لأنّنا تجنّبنا في ذلك الوقت الحرب على لبنان، وكان هناك مشروع لعزل “حزب الله”، ونحن مَن منعنا ذلك”. أمّا الواقعة الفجّة التي أظهرت  تقديم أوراق اعتماده، فتمثّلت باطلاق العميل عامر فاخوري، وأعقبها بخطابات “اللا عداء مع اسرائيل وحقّها بالوجود الآمن”، وسط صمت مريب من قبل “حزب الله”، الذي واجه انتقادات داخل بيئته وخارجها، لتغاضيه عن واقعة الفاخوري الفاضحة، وما تلاها من مواقف.

“حزب الله” تعامل مع مواقف باسيل بتفهّم كامل لخلفياتها الرامية لإبعاد العقوبات الأميركية، ولم ير فيها إعادة تموضع سياسي، أو تملّصًا من تفاهم مار مخايل، أو على الأقل لم يكن أمام الحزب خيار آخر، خصوصًا أنّ مُطلِقها رئيس الحزب المسيحي الذي يملك أكبر كتلة نيابية، والذي منح الحزب شرعية مسيحية، شكلّت غطاءً لأدائه في الداخل وتمدّده في الخارج. علمًا أنّ البعض وضع مواقف باسيل بين الحين والآخر في إطار الابتزاز السياسي، انطلاقًا من استغلاله حاجة “حزب الله” له.

والسؤال هل التمايز الذي قدّمه باسيل أصبح كافيًا لواشنطن في المرحلة الراهنة لتجنيبه عقوباتها، أم سيضطر لتنازلات إضافية  قد تصل به إلى حدّ طرح  سلاح “حزب الله”؟ وهل سيبقى الحزب على تفهّمه بعد مؤتمر “الإستدارة” الأخير؟

نقلاً عن موقع “لبنان 24”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button