بين باريس والعرب أحزمة من البؤس* حمزة عليان

النشرة الدولية –

ماكرون فتح جبهة جديدة مسرحها الٍإسلام السياسي في فرنسا، فالاختلاف في التفسير حول المقاصد التي توخاها، كانت أمراً طبيعياً لموضوع مثير للجدل.

هل هو عراب حقيقي لليبرالية أم أنه يمهد لكسب أصوات اليمين المحافظ الذي قدم نفسه بديلاً عنه في انتخابات 2017 وكانت سببا لنجاحه؟ أم أنه يعمل تشكيل إسلام أوروبي يكون بمقاس العلمانية الفرنسية وجمهوريتها العتيدة التي أعلنت فصل الدين عن الدولة عام 1905؟

وتحت عنوان محاربة “الانفصال الإسلامي” عن الجمهورية وقيمها طرق الرئيس الفرنسي الأبواب المغلقة التي كان يتحاشى الاقتراب منها، لكن المضامين السياسية غلبت على أوجه المعالجة، وبالتالي ظهر من يربط بين الإسلام السياسي الذي عناه وبين واقع مختلف تعيشه جالية مسلمة تعدادها نحو خمسة ملايين من 67 مليون مواطن فرنسي.

خطة ماكرون كما أعلنها في إحدى ضواحي باريس الفقيرة جداً التي تحولت إلى “غيتوهات” بالتصدي للانعزالية الإسلامية والساعية إلى إنكار “الجمهورية” سمحت لهذه التجمعات ببناء مشروعها السياسي نتيجة التهميش والإهمال الذي لحقها على مدى أجيال.

ماكرون تحدث صراحة بقوله “إن الإسلام يعيش في أزمة فهو يقوم على أيديولوجيا مميتة”، فالتقطت “النخبة المهاجرة” الفكرة وراحت تنسج على حبالها حكاية الإسلام السياسي والإصلاح المنشود، وبدأت بطرح الأسئلة ومن النوع الثقيل: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ وما السر في انحطاط العالم الإسلامي في حين يتقدم الغرب علينا بأميال؟ وأين تكمن المشكلة؟ هل في المجتمع أم في السلطة؟ ومن أين يبدأ الإصلاح؟

خبير في شؤون الحركات الإسلامية المعاصرة لم يخف يأسه من التغيير ” فالفكر الإسلامي يعيش في أزمة طاحنة على حد تعبيره، ويبدو من السياق العام أن التصدي لهذا النوع من الأسئلة سيظل معلقاً طالما بقي الدين في صلب الدولة ونظامها السياسي.

لم ندرك بعد أن مقولة الإمام محمد عبده عندما ذهب إلى مؤتمر في باريس عام 1881، ووجد إسلاماً ولم يجد مسلمين، قد أسيء فهمها وتفسيرها، فالسبب كما رآه عدد من المهاجرين المسلمين يكمن في حرص الأوروبيين والغرب عموماً على تطبيق القانون واحترامه بعد تحييد الكنيسة عن الدولة ودون أن يكون للدين علاقة بذلك.

تسليط الضوء على الأقلية المسلمة وتصويرها من زاوية التطرف والإرهاب أثار المخاوف عند هذه الجالية وتوقيت إعلانها، وتوظيفها في التنافس على أصوات انتخابية.

عدم الاندماج مع المجتمع الفرنسي ظاهرة تؤرق علماء الاجتماع، فالجزائري أو المغربي المهاجر لم يجد له تقبلاً من هذا المجتمع الجديد، وبقي محاصراً ضمن دائرة إسلامية صافية.

قد يكون البحث عن”الهوية” هو الهاجس الأكبر الذي يطارد الجاليات المسلمة في دول علمانية، أبعدت هؤلاء عن الانخراط بمجتمعاتهم وأبقتهم ضمن “غيتوهات” معزولة أصلاً، هي أقرب إلى خزان بشري يتسم بالفقر والتهميش ويؤدي وظائف دونية يبتعد عنها المواطن ابن البلد، ولهذا لم يجد هذا “المهاجر” سوى الاحتماء بهويته التي ينتمي إليها وبقي شعور الانعزال يطارده ويأخذه إلى دوائر التطرف والضياع، فلا الجمهورية ساعدته في ما يكفي من الاختلاط وتمكينه من التدرج الوظيفي والاجتماعي، ولهذا راحت مجموعات “دينية” تبني مشروعها على وقع الانقسام والتباعد الحاصل بينها وبين قيم وسلوكيات غريبة عنها وعن البيئة التي نشأت فيها.

اليوم يتحدثون عن الجيل الثالث من أبناء المهاجرين وهؤلاء انخرطوا تماماً في حضن الدولة، وصار بينهم وبين “تراثهم” قطع كامل، وبالتالي تبدلت الصورة النمطية والسائدة عنهم، وأصبحوا مواطنين يمارسون حقوقهم المواطنية كاملة، وبالتالي تجدهم في مناصب ومواقع قيادية بالدولة.

أحزمة البؤس حول المدن تولد الاضطراب وتمثل بيئة خصبة وجاذبة للثورات والتمرد وأعمال العنف وهذه ظاهرة يشترك فيها العرب والفرنسيون على حد سواء، ويكفي أن ننظر إلى بعض العواصم العربية، كالرباط والقاهرة وبيروت وبغداد حتى تتضح لنا الصورة، أو أن تتاح لك مشاهدة فيلم “الكراهية” الذي ينقل وضع سكان ضواحي باريس من خلال ثلاثة شباب، يهودي وعربي وإفريقي، يواجهون التمييز العنصري والتهميش الاجتماعي ومواجهة رجال الشرطة، وعندها ستعيش الواقع كما هو.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button