هل يفتعل ترامب مغامرة بضرب إيران قبل مغادرته البيت الأبيض؟
النشرة الدولية –
لبنان 24 – نوال الأشقر –
منذ خسارته في الإنتخابات الرئاسية، تتحدث تقارير غربية وأميركية عن إمكانية توجيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضربة عسكرية ضد إيران، خلال الفترة الإنتقالية. في السياق، ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” أنّ ترامب عقد اجتماعًا مع كبار مستشاريه، مبديًا اهتمامه بإمكانية ضرب أكبر منشأة نووية إيرانية في نطنز. مواقع إسرائيلية سرّبت خبرًا مماثلًا، مفاده أنّ الجيش الإسرائيلي تلقّى تعليمات من قيادته بالاستعداد لسيناريو عمل أميركي ضد إيران، قبل أن يغادر ترامب البيت الأبيض.
هل يفعلها الرئيس المغادر ويورّط خلفه جو بايدن بحربٍ عسكرية؟ وهل القرار بافتعال حرب يعود لشخص الرئيس الأميركي وحده؟ وما دور اسرائيل في ذلك؟
العودة إلى الإتفاق النووي هو ما يشغل بال اسرائيل، التي تسعى للحؤول دون عودة بايدن إلى إحياء الإتفاق، وفق رؤية الخبير الإستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب في حديث لـ “لبنان 24″، من هنا قد تعمد لافتعال أمر واقع يمنع ذلك، فضلًا عن أنّ نتنياهو محرج بجملة ملفات داخلية، ومن المناسب له الهروب باتجاه ضرب إيران.
ينطلق ملاعب من مشهدية حرب أذربيجان، التي حصلت بغفلة من الولايات المتحدة الأميركية المنشغلة بانتخاباتها وبمواجهة كورونا، في هذا الوقت تمكّن الرئيس الأذري بدعم من تركيا من شنّ حرب صغيرة، استطاع من خلالها تغيير مجرى جامد ومعقد منذ 28 عامًا في ناغورني كاراباخ. ليخلُصَ إلى أنّ الحروب الصغيرة إن سُمح بها أو حصلت بغفلة من الدول الكبرى، تمكنت من تغيير معادلات. وانطلاقّا من مجريات كارباخ يسأل ملاعب، هل تستنسخ اسرائيل التجربة مستفيدة من التوقيت، لإحداث تغيير في المعطى الأميركي الثابت الذي يعتمد على العقوبات فقط؟
الأمر يختلف بالنسبة للقرار الأميركي ” كون الضربة الأميركية تحتاج إلى موافقتي الكونغرس ومجلس الشيوخ، وفي الوقت الراهن لا يمكن للمجلسين المذكورين أخذ قرار من هذا النوع في الفترة الإنتقالية، ولا يمكن لهما تحميل الإدارة الأميركية الجديدة تبعات هكذا قرار. من هنا يمكن لإسرائيل أن تضع الإدارة الأميركية أمام أمر واقع جديد من خلال عملية عسكرية، مستفيدة من نجاح أذربيجان بتغيير المعادلة القائمة”.
السلاح الإقتصادي أفعل من العسكري
أسباب أخرى تحول دون اتخاذ قرار الضربة العسكرية يقول ملاعب “فالحرب هي ممارسة سياسة بوسائل أخرى، وإذا كانت هناك وسائل توصل للهدف نفسه تُستبعد الحرب العسكرية. في الحالة الأميركية سلاح العقوبات الإقتصادية أثبت جدواه على درجة كبيرة من الفعالية، بدليل عدم تجرؤ أيّ دولة على شراء النفط الإيراني خارج حدود ما يسمح به الأميركي، وقد حاولت إيران أن تبيع نفطها وغازها لفنزويلا فتمكنت من ذلك لمرّة واحدة، قبل أن تقطع الولايات المتحدة تلك الطريق. كما أنّ الدول التي تصنّف نفسها دولًا ممانعة، هي من تدفع أثمانًا بانهيارات اقتصادية ومالية ونقدية، بدءًا من إيران وصولًا إلى العراق ولبنان وسوريا”.
أضاف ملاعب “هناك عمليات صغيرة تقوم بها إسرائيل مسموح بها أميركيًا، كضرباتها في سوريا والتي وصلت مؤخرًا إلى البوكمال، ولكن العملية الكبرى تتطلب قرارًا أميركيًّا لن يتوافر، وشخصيًّا لا أرى أنّ الأمور ذاهبة باتجاه عمل عسكري ضد إيران، بل ما يحصل هو من باب استغلال الخوف العربي من العدائية الإيرانية وإبتزاز المال العربي. وقد يكون قبول دول عربية بالتطبيع حصل شرط إيقاف ممارسات إيران ضدّ الدول الخليجية، بحيث رأينا أنّ التطبيع تلته عقود عسكرية ضخمة مع كلّ من البحرين وقطر والإمارات، بحيث وافق الكونغرس على إعطاء الإمارات طائرة مقاتلة F-35 ، وإن كانت لم تُسلّم الآن. وقد تكون هذه الصفقات الثمن الذي دُفع لعرب الخليج لإشراكهم بالتطبيع مع إسرائيل، خصوصًا أنّ النظرة العدائية تسود بين إيران والدول الخليجية التي تسعى لضمان أمنها من العدوانية الإيرانية المتمادية، ومن مؤشراتها الأخيرة ضربات الحوثيين لأرامكو من جديد، وهو ما لن تقبل به السعودية، حتّى ولو اضطرت للتطبيع مع إسرائيل، ليتحدّا بعمل مشترك ضد إيران”.
الحديث عن ضرب مفاعل نطنز من قبل إسرائيل أيضًا يستبعده ملاعب “الأمر ليس سهلًا نظرًا لوجود المفاعل داخل جبل، ومن الصعب الوصول إليه، حتّى طائرة B-52 لا تؤدّي الغرض. من ناحية أخرى لا يمكن للولايات المتحدة أو أيّ دولة أخرى أن توقف عملية تخصيب اليورونيوم في إيران، فالأخيرة استغنت بفضله عن استيراد كل الوقود”.
إذن ترامب الذي أنهك خصومه بالعقوبات الإقتصادية، قد لا يفتعل مغامرة عسكرية في الأسابيع الأخيرة له في البيت الأبيض. أمّا إيران فستستمر في بناء إمبراطوريتها في حديقتها الخلفية العربية بذريعة المقاومة، وفي تهديد الأمن العربي والخليجي تحديدًا، بفضل وكلائها في المنطقة، بما يجعل المنطقة مسرحًا دائمًا للصراع بين إيران والولايات المتحدة سواء بوجهها الإقتصادي أو العسكري، وشعوب المنطقة العربية أكثر من يدفع أثمان هذا الصراع.