ضعنا بين «الإيموجي» والأربعة عشر حرفاً* حمزة عليان
النشرة الدولية –
ما رأيك بالفرق بين الرسائل الورقية المكتوبة بخط اليد وبين رسائل وسائل التواصل الاجتماعي اليوم؟
سؤال أعيد توجيهه لمن يشاركنا الرأي بعد أن تلقيته من أستاذ الأدب العربي الدكتور أحمد بكري ودار بيننا حوار عبر «الواتساب» وتركته يستجمع ما لديه وما توافر عنده من ردود لأصدقاء ومن فئات عمرية تبدأ بالعشرينيات وتصل إلى السبعينيات.
اطلعت على رسالة مكتوبة بخط اليد وجهها له المرحوم أحمد السقاف، وكان يخاطب الدكتور يعقوب الرفاعي، احتفظ د. بكري بها منذ 12 سنة على ورق أصفر اللون، شكله رائع ومضمونه مكتوب بلغة راقية وعالية المستوى.
نحن من جيل يتنَسَم رائحة الورق، سواء كان رسالة مكتوبة بخط اليد أو كتاباً نقرأه أو مخطوطة نطالعها، وهذا بعكس «جيل الديجيتال والإنترنت» الذي لا يجد فوحاً وعبيراً في ذاك العالم المحسوس، فالنظر إلى التكنولوجيا أفسدت لديهم تقدير قيمة ما نتحدث عنه!
فهي بالنسبة إليهم، أي التكنولوجيا، تؤدي وظيفتها، وهذا أمر طبيعي ومفهوم، ثم تُرمى وتنتهي بمجرد تصفحها وكأنها شيءٌ لم يكن.. فلا عمر للرسائل، فهي تنتهي بمجرد الانتقال إلى صفحة أخرى.
كانت الرسائل الورقية أجمل وأكثر إحساساً بالتعبير عن مكنونات ومشاعر صاحبها، وربما تتعرف على الشخص المرسل من خلال نوع الخط الذي يكتبه ويدل على شخصيته. ليس مدحاً للرسائل الورقية لكنها تبقى أكثر مصداقية مع أنها باتت اليوم عبارة عن «كم كلمة» وأحياناً لا تتعدى الأربعة عشر حرفاً، تذهب للمتلقي وتنتهي الحكاية.
الرسائل النصية كما يطلق عليها بلغة العصر فيها الكثير من الثرثرة وإضاعة الوقت والقليل منها المفيد، ومن مساوئها أنها أنتجت تشوها لغوياً لدى مستخدميها، بحيث حل «الإيموجي» مكان كثير من الكلمات، «فالإيموجي» مصطلح انتشر بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتعني باللغة اليابانية صورة رمزية تعبيراً لوجه أو مفهوم، وهناك عدة أشكال من «الإيموجي» السعيد والحزين، وما يخطر على البال!
من المساوئ الأخرى أن البعض صار يأكل الهمزات و(ال) التعريف وبعض الحروف لاختصار الجهد والوقت طالما أن الكلام لا يزال مفهوماً حتى إن كان باللغة العامية واختصارات لأشياء بسيطة بالأساس.
وإذا كنا تمادينا بذكر المساوئ فلا بد من إيراد الميزات الإيجابية التي أدخلتها هذه التكنولوجيا إلى حياتنا اليومية والخاصة:
أول ميزة، هي السرعة في إيضاح الأفكار والتواصل وتقريب المسافات البعيدة، أي اختصار الزمن، الميزة الثانية سهولة الوصول بحيث يستطيع استخدامها معظم الناس وفي أي مكان في العالم، بغض النظر عن أي حال تكون فيه شعوب هذه البلدان سواء كانت حربا أو أحداثا تمنع التواصل مع أهل البلد نفسه الموجودين خارجه والهاربين منه، الميزة الثالثة أن العالم كله اعتمد على هذه التكنولوجيا أثناء فترة انتشار وباء كورونا والحجر الصحي، فتحولت الوظائف والتعليم والتجارة والخدمات إلى الـ»Net» ولم تتوقف بل كانت الرئة الوحيدة التي كان الناس يتنفسون منها.
من حسنات كتابة الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي مقارنة بالرسائل الورقية، أنك في الحالة الأولى لديك سهولة بمسح الكلمات في حال الخطأ، وإذا أردت تغيير طريقة التعبير فلن تحتاج إلى تمزيق الأوراق وشطب الكلمات، وهذا فيه توفير للجهد والمال والوقت، وإن كانت لوحة المفاتيح بجهاز الكمبيوتر جعلت خطوطنا سيئة بسبب قلة التمرين على الكتابة بخط اليد.
ومسألة تفضيل الرسائل الورقية هي في الأخير تعود إلى الشخص نفسه ومن أي جيل هو، وقد يأتي يومٌ يترحم فيه أبناء هذا الجيل على رسائل النقال والإيميلات ويدبجون الكلام في مدحها، باعتبار أن لكل زمان الوسيلة التي تناسبه.
رسائل التواصل الاجتماعي شجعت على التكاسل عند الناس، واكتفت بالتراسلات والتواصل عبر الهاتف و«تمويت» صلة الرحم والمودة بين الأسرة والعائلة، دع عنك تشتيت ذهن الأطفال والشباب وانسجامهم بالتطبيقات الحديثة عبر «الآيباد» و«اللاب توب»..
إحدى البنات العربيات تعيش في الغرب ترد على سؤالنا، عن الفرق بين الحالتين والجيلين بقولها «الرسائل الورقية في العهد السابق أحسن، ومحتوى الرسالة كان عفوياً وبلا كذب وبسيط، أما الآن فهناك كم من الإشاعات والتلفيقات والكذب ليس له نهاية».
أتذكر ونحن شباب كيف كنا نستأنس عندما تصلنا رسالة من شخص عزيز أو قريب، ونبقى أياماً ونحن «في سيرتها» أما اليوم، فلا يتجاوز عمرها ثواني معدودة!
أنا واحد من الناس الذين يحتفظون برسائل والدهم وأبنائهم وأحرص عليها، كلما أتيحت لي الفرصة تراني أعيش معها ذكريات لا تنسى وأحداثاً مرت علينا أستعيدها لحظة بلحظة، فكم أستمتع برسائل والدي وأنا أتصفحها، رحمه الله، بعاطفته وكلماته الرائعة والخط الذي تلمس فيه عبقاً طيباً.
القصة أننا نعيش الآن في زمن مختلف ونتعامل مع أدوات جديدة تماماً وفي عصر التكنولوجيا، فما كان بالأمس بات من الذكريات ورسائل الأدباء والمفكرين أمثال مي زيادة، وطه حسين، وغسان كنفاني، وغادة السمان، أصبحت في «دفتر الماضي» عندما كانت هذه الرسائل تشكل مادة علمية لرسائل الماجستير والدكتوراه!