الأديب التونسي محمد المؤدب: اتهمه متطرفون بالكفر ومعاداة الإسلام
النشرة الدولية –
يكتب قلم الأديب التونسي محمد عيسى المؤدب بمداد تنويري، وهو دائم البحث عبر أعماله عن الحرية وإضاءة المناطق المعتمة في التاريخ، لذا فقد استفاد نصه كثيراً بدراسته للغة والحضارة، وحصدت أعماله المتنوعة بين القصة القصيرة والرواية العديد من الجوائز، ووصلت روايته الشهيرة «حمّام الذهب» للقائمة الطويلة لـ «البوكر» 2020. وفي حوار أجرته معه «الجريدة» من القاهرة،
قال المؤدب الذي اتهمه متطرفون بالكفر ومعاداة الإسلام، إن الرواية سجنته في عوالمها المدهشة، داعياً إلى عدم الاكتراث لآراء التكفيريين والمفلسين فكرياً وإنسانياً، ورافعاً شعار «إما أن نكتب بشجاعة أو نتوقف عن الكتابة»… وفيما يلي نص الحوار:
- يتنوّع إبداعك بين القصة والرواية، فكيف تختار القالب الأدبي المناسب لنصك؟
– القالب الأدبي يستجيب للموضوع أو القضية المتناولة، فالقصّة القصيرة لا تتحمّل في مساحتها النصيّة القضايا الكبرى أو الأزمنة والأمكنة المتشابكة، هي نصّ الحدث الواحد والشّخصية الواحدة والبناء الفني الموجز والمخصوص، أما الرواية فهندستها مُغايرة تمامًا.
في الواقع، لم أُفكّر في كتابة الرواية، لكن في الأيام الأولى بعد ثورة 14 يناير في تونس، عدتُ إلى مجموعة قصصيّة مُنعت من النشر سنة 2000 وفي نيتي إعادة كتابتها، فإذا بي أكتب روايتي الأولى، وهي بعنوان “في المعتقل”، وهي صادرة عن دار الأطلسية بتونس عام 2013. وبعد ذلك فكرت في مشروع روائي متكامل، لقد شدّتني الرواية فعلاً، بل سجنتني في عوالمها المُدهشة.
- اتُهمت بالكفّر لأنك كتبت عن الأقلية اليهودية، واتّهمتَ بمعاداة الإسلام لتحدّثك عن الإسلاميين وكذبهم باسم الدين… كيف تستقبل هذه الاتهامات؟
– حدث ذلك مع رواية “حمّام الذّهب”، وقبل ذلك مع روايتيْ “في المعتقل” و”جهاد ناعم”. هناك قلّة متطرّفة، من دعاة الثقافة لا عمل لهم غير قتل الفكر التنويري وإجهاض الحريّة. هم لا يقرأون شيئاً ممّا يُنشر تونسيّا، لكنّهم يسارعون إلى اتهامات باطلة ومتشنجة.
وقد وصل الأمر إلى حدّ تكفيري لمجرد أنّي كتبتُ عن اليهود وعن محنهم التي عاشوها في تونس خلال الحرب العالمية الثانية، أو حرب الأيام الستة، أو لأنّي كتبتُ عن التطرّف والإرهاب والمتاجرة بالدين، مثلما يجري في تونس بعد الثورة. ولأنّهم لا يقرأون بعمق ورويّة، فإني لا أُعير لهم اهتماما، ففي كل الحالات لن نسلم من التكفيريين والمفلسين فكرياً وإنسانياً. الكتابة موقف حاسم، لا يحتمل الخوف أو التردّد أو المجاملة والانحناء، فإما أن نكتب بشجاعة أو نتوقف عن الكتابة.
لكن، مقابل هذه الاتهامات القاسية هناك رسائل عظيمة تصلني يومياً من القرّاء، القارئ الصادق هو كنز الرّوائي.
- حصدت جوائز عِدة، ووصلت روايتك “حمّام الذهب” للقائمة الطويلة لـ “البوكر” 2020، ماذا تعني الجوائز بالنسبة إليك؟
– الجوائز مهمة لأي كاتب، فهي تقدمه للإعلام وللقراء بشكل واسع. مع الأسف القارئ اليوم عربيّا لا يتهافت إلا على الكتب التي حصلت على جوائز، رغم قيمة المئات من الكتب التي لم تُنصفها الجوائز المحلية والعربية، الجوائز التي حصلتُ عليها في القصة القصيرة (جائزة أدب الشباب في تونس عن مجموعتي القصصية الأولى “عرس النّار”)، وفي الرّواية (جائزة الكومار الذّهبي للرواية التونسية 2017 عن رواية “جهاد ناعم”، والقائمة الطويلة لجائزة البوكر دورة 2020 عن رواية “حمّام الذّهب”) أفادتني كثيراً من حيث الانتشار العربي.
لكن الأهم من كلّ ذلك، على الكاتب ألا يكتب من أجل الجوائر، فهي تأتي بطبيعتها، إن كانت التجربة صادقة وحرفيّة ومتميزة، ولا يحدث هذا إلا بعد عمل دؤوب وشاق.
- إلى أي مدى استفدت من دراستك للّغة والحضارة في نسج روايتك ذات الطابع التاريخي “حذاء إسباني”؟
– دراسة اللّغة والحضارة العربية ضرورية في الكتابة، فهي تُتيح التعمّق في الأبحاث وإثراء التّجربة، وهذا ما جرى فعلا في روايتي الأخيرة “حذاء إسباني” الصادرة عن “مسكيلياني ومسعى”
فقد أمضيتُ قرابة السنة في البحث عن تفاصيل من الحرب الأهلية الإسبانية التي دارت خلال الفترة ما بين عامي 1936 و1939 في قراءة كتب وترجمة مقالات بالإسبانية، إضافة إلى الاطلاع على أحداث تاريخية أخرى تهمّ أحداث الرواية. فليس من السهل أن أكتب عن إطار حضاري وثقافي واجتماعي وديني مجهول لديّ إلا إذا تسلّحتُ بمعرفة ثريّة وعمق اطّلاع على التاريخ.
- قُلت إن القصّة القصيرة التونسيّة متأخّرة 80 عاماً عن الغرب، ما سبب ذلك، وكيف يمكن تقليص هذه الفجوة؟
– بل ربّما أكثر من 80 سنة، والسبب أن الكثير من التجارب استسهلت الكتابة القصصية، فإما أنها تُقلّد الغرب بلا وعي وحرفيّة، أو أنها تستدعي التراث العربي بلا روح وبلا مناخات إبداعية تونسية خاصة. الوحيد حسب اعتقادي الذي أخلص للقصة القصيرة هو الأديب علي الدّوعاجي، لذلك أعتبره كما يعتبره الكثيرون أبا للقصة القصيرة التونسية. ولتقليص هذه الفجوة المُخيفة علينا أن نُبدع محليا، وهذا ما تفعله الكثير من الأقلام الشابّة الآن.
- هل تأثّرت طقوس الكتابة لديك بجائحة كورونا، وهل تركت أصداءً على نصك؟
– الغريب أنّي كتبتُ عن الإنفلونزا الإسبانيّة في رواية “حذاء إسباني” قبل ظهور “كورونا” في الصين، ثمّ استفحالها في العالم وفي تونس. كنتُ أعرف من خلال البحث الذي أجريته بالتأثيرات النفسيّة والماديّة للوباء على حياتي الخاصة وعلى الإنسانية عموماً، ومع ذلك، لا أنكرُ أن أيام الحجر الصحي الطويلة أفادتني في إنهاء كتابة الرواية ومراجعتها ثم تسليمها للناشر. تمّ كل ذلك في ظروف نفسية ومادية صعبة، وكان صدى كل ذلك حاضراً في الرواية، فالكتابة كما أراها تجربة مقاومة، لا بدّ أن تُنجز في كل الظّروف.
- برأيك، الروائي الجيد يقرأ أم يكتب أكثر؟
– الروائي الجيّد والناجح والمتطوّر من عمل إلى آخر هو الذي يقرأ أكثر، ولا أعني بالقراءة الرواية أو الأدب عموماً فقط. القراءة تعني الفلسفة والأديان والحضارة والآداب والفنون، بقديمها وحديثها. الروائي أيضاً هو باحث جيّد ومعايش ومجرّب ومطّلع. لم يعد زمن الكتابة عفوياً، لقد صار زمن الحجاج والاقتحام والتشظّي بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ. فالكتابة الجديدة تحتاج اليوم إلى رصيد معرفي وبحثي غزير حتى ننطلق في هندسة أي عمل جديد باعتباره مغامرة مضنية وشاقّة.
- أخيراً، حدثنا عن مشروعك الروائي الجديد؟
– مشروعي الروائي الجديد انطلقتُ في البحث عن عوالمه منذ ثلاثة أشهر، وأنا أمضي ساعات يومياً في القراءة والبحث، هو مُرتبط بأقليّة عاشت في تونس في زمن شائك وصعب، وأعتذر للقراء الأعزاء إن لم أقدّم تفاصيل كبرى عن هذا العمل الجديد.