شباب لا يحملون شهادات علمية يخلقون فرص عمل في قطاعات متعددة
النشرة الدولية –
في حي الفاتح وسط إسطنبول، استطاع محمد الحلبي أن يفتتح مطعمه الصغير بعد معاناة طويلة من استغلال أرباب العمل وفقدان حقوقه أثناء العمل في قطاع البناء، إثر إصابة في كتفه وتخلي صاحب العمل عنه وعدم دفع مستحقاته والأضرار الصحية التي تعرض لها.
ويقول الحلبي (اسم مستعار) إنه اضطر في الأشهر الأولى لوصوله إلى تركيا في أبريل 2018 إلى العمل في عدة مجالات بمناطق مختلفة كعامل يومي في البناء والزراعة وتعرض للكثير من الاستغلال بسبب عدم امتلاكه لأوراق رسمية، مثله مثل الكثير من الشباب، لكنه أخيرا وبعد مساعدة من والدته وشقيقته التي باعت كل ما تملك، تمكن من فتح مطعم متواضع، وبدأ يدر عليه عائدا يمكنه من توفير جميع نفقاته والفواتير وإيجار المطعم والبيت.
وأضاف الحلبي (31 عاما) في تصريحات لـ”العرب” أن “عددا غير قليل من أصدقائه تمكنوا من الاعتماد على أنفسهم وافتتحوا مشاريعهم الخاصة بمختلف المجالات من الملابس إلى أعمال النجارة وبالطبع المطاعم”.
وبات الحل الأمثل بالنسبة للشباب اللاجئين في تركيا افتتاح مشاريعهم الخاصة بهم مهما كانت صغيرة، إذ تعتبر خيارا جيدا مقارنة بالعمل في الزراعة والإنشاءات والمصانع من دون عقود رسمية وضياع أجورهم وعدم دفعها من قبل أصحاب العمل، وهو الأمر الذي ينتشر في مختلف المدن التركية.
وتؤكد التقارير أن الأيدي العاملة السورية محببة لدى أرباب العمل الأتراك لأنها أكثر استقرارا وأجورها متدنية، ويوجد ما يصل إلى المئات من الآلاف في سوق العمل غير الرسمي.
مهن مطلوبة مهن مطلوبة
في المقابل تواجه العمالة السورية في تركيا ظروفا قاسية في ظل غياب قوانين تحميهم أو تعوضهم، في حال تعرضوا لحوادث خطيرة أو فقدوا حياتهم أثناء العمل. ويرفض أصحاب العمل الأتراك تسجيل العمال السوريين لديهم بشكل نظامي خوفا من مطالبتهم بحقوقهم.
وبحسب تقرير لجمعية الصحة والسلامة المهنية في تركيا، صدر نهاية عام 2019، فإن 485 لاجئا لم تحدد جنسيتهم، ماتوا خلال السنوات السبع الأخيرة 2013 – 2020، بينهم 49 عاملا فقدوا حياتهم خلال العام الماضي فقط، وذلك بسبب غياب الرقابة وإهمال تدابير الصحة والسلامة داخل الورشات والمصانع، بينما يبقى من المستحيل وفق التقرير إحصاء حالات الإصابة.
كما توفي تسعة عمال من اللاجئين السوريين خلال الشهر الماضي في تركيا نتيجة تعرضهم لحوادث أثناء عملهم.
وقال مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان والذي يتخذ من المملكة المتحدة مقرا له إن بعض أكبر متاجر الملابس في أوروبا فشلت في وقف إساءة استخدام اللاجئين السوريين الذين يعملون في مصانع تركية.
وبحسب المركز، فإن الظروف الاستغلالية، بما فيها الأجور المنخفضة والتمييز والظروف السيئة، كانت شائعة لدى اللاجئين السوريين العاملين في سوق صناعة الملابس في تركيا والتي تبلغ قيمتها المليارات من الدولارات، حيث تم الإبلاغ عن عمالة الأطفال في تلك المصانع. وقال المركز في تقريره إن ما يقدر بـ650 ألف لاجئ سوري من أصل أكثر من 3 ملايين هربوا من الحرب في بلدهم، ووجدوا في صناعة الملابس في تركيا مصدرا رئيسيا لدخلهم.
ونتيجة لذلك أصبحت طموحات الشباب تتجه نحو تجاوز التحديات إلى الوصول لافتتاح وإدارة مشاريع خاصة في تركيا، واستطاع الكثيرون بعد 7 سنوات من الإقامة تحويل المشاريع الصغيرة إلى استثمارات كبيرة.
وذكرت صحيفة “ديلي صباح” التركية أن أكثر من 59 في المئة من رجال الأعمال السوريين في تركيا قد حققت مشاريعهم في تركيا نجاحات مبهرة، وذلك وفق تقرير صدر عن “البنك الأوروبي للإنشاء والإسكان” و”مؤسسة الأبحاث السياسية والاقتصادية التركية TEPAV”.
واستند التقرير على استبيان أجرته المؤسستان حول استثمارات السوريين في تركيا، ومقابلات مع 400 شركة سورية، حيث يطلق مصطلح شركة على جميع الفعاليات التجارية من مصانع ومعامل وشركات ومدارس ومتاجر ومكاتب ومطاعم ومقاه، حيث أوضح التقرير أنّ عدد فرص العمل التي توفرها هذه الشركات حوالي 98 ألف فرصة عمل في تركيا “للأتراك والسوريين والأجانب”.
وتجاوز تعداد الشركات السورية في تركيا حدود 6300 شركة عام 2018، وقد ذكرت صحيفة “يني شفق” التركية أن الاستثمارات السورية بلغت الـ6 آلاف استثمار عام 2019.
ولا تختلف طموحات الشباب اللاجئين أو المهاجرين في تركيا عنها في الدول الأوروبية، فالكم الهائل من التعقيدات في الحصول على عمل بشكل عام سبب الإحباط للكثيرين بينما نجح عدد منهم في إطلاق استثمارات خاصة، ويحاول البعض الآخر تخطيها بإيجاد مشروعه الخاص، والبعض الآخر في الطريق إلى ذلك.
ويشعر أيهم عبدالكريم (26 عاما) بالتفاؤل بهذا الشأن، وعلى الرغم أنه وصل إلى فرنسا منذ أشهر قليلة، إلا أنه يخطط للعمل في المجال المتخصص به وافتتاح صالون الحلاقة الخاص به بعد فترة من الزمن.
أيهم عبدالكريم: المردود المادي للعمل الحر أفضل من الوظائف الأخرى والتي يصعب الحصول عليها أيضا أيهم عبدالكريم: المردود المادي للعمل الحر أفضل من الوظائف الأخرى والتي يصعب الحصول عليها أيضا
وقال عبدالكريم في تصريحات لـ”العرب” “أحتاج بعض الوقت لإطلاق عملي الخاص وتأمين التكلفة المالية للمشروع، فقد تسببت فترة الحظر الصحي بسبب كورونا بتوقف النشاطات المختلفة وحدت من فرص العمل التي كنت اعتمدت عليها لتوفير بعض المال”.
وأشار إلى “سهولة وبساطة الإجراءات والتعاملات إذا أراد الشخص أن يصبح صاحب شركة إذ لا يحتاج أكثر من أسبوعين، ولديه الحرية الكاملة في أسلوب عمله، ويعتبر المردود المادي أفضل من الوظائف الأخرى والتي أيضا تحتاج إلى مدة زمنية طويلة للحصول على فرصة عمل”.
ويوجد العديد من الأشخاص الذين لا يحملون الشهادات واستطاعوا خلق فرص عديدة ومنهم من فتح بعض المطاعم ومنهم من عمل في شركة أوبر للدخول إلى سوق العمل، في سبيل الاندماج في فرنسا.
وتمنح اتفاقية عام 1951 الدولية المتعلقة بوضع اللاجئين، الحق للاجئين بالوصول إلى أسواق العمل، وهو عامل أساسي يعتمدون عليه ليصبحوا مكتفين ذاتيا، ولبناء حياتهم، والحفاظ على كرامتهم، وتمكينهم من الإسهام في مجتمعاتهم المضيفة. وعلى الدول المضيفة أن تقيم إمكانية فتح أسواق عملها أمام اللاجئين وتعزيز الوصول إليها.
ولكنَّ كثيرا من الدول المضيفة لا ترغب في منحهم هذا الحق. ويعكس هذا الامتعاض مظاهر القلق المتنوعة التي تبديها تلك الدول إزاء التشوه في سوق العمل، ومحدودية القدرات على استيعاب العمالة الجديدة، واكتظاظ بعض القطاعات، ومدى توافر الوظائف للمواطنين، وانخفاض الأجور وتدني ظروف العمل.
وقد ترضخ الحكومات المضيفة أيضا إلى المعارضة الشعبية لحقوق اللاجئين في العمل وللمخاوف الأمنية من مغبة استيطان أعداد كبيرة من اللاجئين ودخولهم إلى سوق العمل.
وتثير مسألة دمج اللاجئين في سوق العمل سجالا سياسيا واقتصاديا في كل من الدنمارك، التي تشددت كثيرا في قوانينها، والسويد التي لحقت أيضا بكوبنهاغن في تشديد قوانينها لدمج مئات الآلاف من اللاجئين الذين رفضت طلبات نحو 50 ألفا منهم. وعادة يستغل يمين الوسط، وبدعم اليمين المتشدد، تلقي اللاجئين للمساعدات الاجتماعية بدل العمل في أعمال عرضت على البعض منهم ورفضوها.
وتثير وسائل الإعلام قصص رفض البعض لأعمال خدمية بحجة أنها “لا تناسبهم”، ما يجعل اليمين المتشدد يدفع أكثر نحو قوانين متشددة.
ورغم ذلك، توجد في كل من السويد والدنمارك وألمانيا قصص نجاح للشباب المهاجرين في مجالي الدراسة والعمل، وبعضهم تفوق على نظرائه من شباب المجتمعات المضيفة، وإن كان أيضا سيف “الإقامة المؤقتة” والترحيل يقلق أكثرهم. وتبدو الأرقام واعدة في ألمانيا، حيث تنخفض فيها نسبة البطالة والكثير من الوظائف الشاغرة. وهذا ما يتطلع له الآلاف من الشباب اللاجئين.
ويرى الكثير من الشباب المقيمين في ألمانيا أن الأمر ليس بهذه السهولة فالانضباط الشديد في النظام الألماني يولد بيروقراطية تجعل من التعامل مع الدوائر الحكومية أمرا صعبا للغاية ويتطلب وقتا ومجهودا كبيرين، خصوصا في ظل غياب التواصل بين هذه الدوائر مع بعضها البعض ما يضطر الشخص إلى متابعة كافة المسائل شخصيا مما يهدر المزيد من الوقت أيضا.
وبعض الوظائف تتطلب وجود رخصة قيادة، في حين أن تعديل رخصة القيادة من الدولة الأم صعب لأسباب عدة منها الأسباب المادية إذ أن تكاليف الرخصة الألمانية باهظة جدا.
بببب
ويؤكد الخبراء أن تعلم اللغة الألمانية هو أساس سياسة الاندماج، فنحو 60 في المئة من أرباب العمل الذين لهم مشاكل مع العاملين الأجانب لديهم يتحدثون عن نقص في الإلمام باللغة كسبب وراء مشاكل كبيرة. وكشفت استطلاعات رأي أن معرفة اللغة الألمانية ضرورية حتى لمزاولة المهن البسيطة.
وكما يصرح مايك ليونهارت، من غرفة الصناعة والتجارة في برلين، يلجأ الكثير من الشباب إلى برنامج يهدف إلى تبني الأشخاص الذين يودون إقامة مشاريع ومساعدتهم من طرف أرباب عمل ألمان. وبعض أرباب العمل يستضيفون العديد من هؤلاء الشباب و يساعدونهم في إقامة مشروعاتهم، حيث أن هؤلاء في حاجة إلى مساعدة مهنية وخبرة أرباب العمل في ألمانيا.
وجاء في تقرير لوزارة الاقتصاد الألمانية في يوليو الماضي أن هناك مثلا مشروعا لتعريف هؤلاء اللاجئين بالنظام الضريبي في ألمانيا، حيث يقضون يوما كاملا للتعرف على القوانين الخاصة بذلك، ثم إنهم يحصلون على معلومات جانبية في الإدارة ومجالات التسويق. والاهتمام بمثل هذه الدروس لدى اللاجئين كبير، ففي أربع حلقات فقط شارك أكثر من 70 شخصا، أغلبهم سوريون.
وأكد ليونهارت “بما أن العديد من هؤلاء كانوا أرباب عمل في وطنهم فليست هناك حاجة لشرح كل كبيرة وصغيرة فالأسئلة متخصصة جدا”.
وتتجلى المشكلة الأساسية في مدى إمكانية المتابعة التطبيقية لتلك المشاريع. ثم إن هناك طبعا مشكلة البحث عن رأسمال. فالعديد من اللاجئين فقدوا أموالهم وأمتعتهم وشبكاتهم الاجتماعية بسبب الحرب. وبالنظر إلى أن اللاجئين لا يحصلون على تأشيرات الإقامة الطويلة في ألمانيا، فهم لا يحصلون إذن على قروض من البنوك.