الانتخابات.. تهيئة للدولة الفلسطينية أم خطوة للانفصال* مروان كنفاني
النشرة الدولية –
أصدر الرئيس محمود عباس مؤخرا القوانين والمراسيم المتعلقة بالانتخابات الفلسطينية، التشريعية والرئاسية، وربما تتم في ما بعد تعيينات عضوية المجلس الوطني الفلسطيني الموزعة على أعضاء من الفصائل الفلسطينية المختلفة والمستقلين وممثلي النقابات البلديات والجمعيات المجتمعية.
وعقد الرئيس عباس اجتماعات مع رئيس لجنة الانتخابات الفلسطينية الدكتور حنا ناصر، الذي أثبت وأعضاء اللجنة الفلسطينية المستقلة في الإشراف على الانتخابات السابقة جدارة وأمانة ومهنية، واكتسبوا بذلك احترام الشعب والدوائر الدولية.
رافقت التصميمَ الرئاسي للبدء في ترتيبات الانتخابات، موجةُ تقبّل إيجابية يغلفها الشك من الشعب الفلسطيني، ودعم مؤسسات الأمم المتحدة، وترحيب معظم الدول العربية وردود فعل إيجابية عالمية، شملت الولايات المتحدة وإسرائيل.
قد تكون الانتخابات القادمة، إذا تمت، أهم وأخطر التطورات في التاريخ السياسي للشعب الفلسطيني منذ بداية الصراع مع إسرائيل، فهي تطوّر ملموس للقيادة الفلسطينية في مواجهة التحديات والمصاعب التي تواجهها.
هل ستضيف نتائج الانتخابات دعما للجهود الفلسطينية والعربية والدولية من أجل التوصل إلى إنشاء دولة مستقلة ذات سيادة من خلال التفاوض مع إسرائيل، وبإشراف الأمم المتحدة، ودعم الدول الكبرى، أم أن الخلاف والتنافر بين القوى الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحالفات كل منهما الخارجية ستدفع لتثبيت الانفصال الفلسطيني النهائي بين الجانبين؟
حمل تصريح الدكتور حنا ناصر بعد لقائه مع الرئيس محمود عباس، تأكيدا واضحا للشعب الفلسطيني بأن الانتخابات القادمة ستكون “نزيهة” دون تفسير لكيفية ذلك، في ظل سيطرة حركتي فتح وحماس على كافة مجريات الأمور الشرطية والمخابراتية والمالية والاقتصادية، إضافة إلى حرية مطلقة للاعتقال والسجن والتهديد في الضفة الغربية وغزة، وربما فقط خارج الدوائر الانتخابية.
هل يراهن أي فلسطيني على أن حماس ستفوز في قطاع غزة وأن فتح ستفوز في الضفة الغربية، وهل يراهن على تمسّك كل منهما بما أعطاه الانتخاب القادم من شرعية جديدة في منطقة سيطرته؟ ولذلك يتساءل العديد من الفلسطينيين عن ضرورة هذه الانتخابات المعروفة نتائجها.
جابهت دول العالم مثل هذه التجارب في مسيرة مبدأ تكريس الانتخابات لمصلحة الشعوب، ووجدت لها حلّا، وهو رفع أيدي الأحزاب والأشخاص عن السلطة التنفيذية إبّان الانتخابات التشريعية والرئاسية.
لا تبدو الترتيبات الجارية للانتخابات الفلسطينية المزمع إجراؤها كنقاش وحوار سياسي بين الأحزاب الفلسطينية بقدر ما هي أقرب لدولتين متعاديتين تسعيان إلى التمسك بالحكم في كل ما يحتلان من أرض وشعب. حزبان من شعب واحد وتاريخ وحاضر واحد لا يريدان الاتفاق على برنامج مشترك وانتخابات حرة ونزيهة لفائدة الشعب في تحقيق أهدافه الوطنية والسياسية الشرعية.
قد يكون من المحزن أن يضيّع الفصيلان الأكبر والأقوى فرصة ربما تكون الأخيرة لتوحيد جهودهما لمصلحة شعبهما وأجيالها القادمة. فالشعب الفلسطيني بمؤسساته السياسية والنضالية ليس بعيدا أو غريبا عن تجارب الدول التي ناضلت وحققت حريتها بالوحدة والتماسك، لأن التاريخ أثبت أنه لا مستقبل ولا تحرر لأي شعب منقسم وفق قيادة متعددة ومتصادمة.
يصعب على قياداتنا أن تبتدع وسائل وطرقا جديدة وغريبة ومسارات ثبت فشلها لضمان استرجاع سيطرتها، كما لا يجوز للحركتين الأكبر أن تحتكرا انتخابات تؤدي حتما إلى العودة لتكريس الانفصال الذي عانى منه شعبنا لعقود من الزمن.
اعتمدت الدول الناجحة في تحقيق استقلالها أو تشكيل حكوماتها مفاهيم البرامج السياسية المشتركة التي تكرس اتفاق كافة الأحزاب على الخطوط السياسية الموحّدة للمشاكل والاختلافات التي تعترض مسيرة التحرر أو انسجام الحكم، بمعنى لا تتضارب أهداف الأحزاب والفصائل حول كيفية مجابهة المشاكل الرئيسية المختلف عليها.
وبخصوص الأزمة التي تعصف بالعمل السياسي المتنوع الذي تنتهجه الأحزاب الفلسطينية الحالية، ولاسيما فتح وحماس، لا يستطيع الشعب الفلسطيني الخروج من ثنائية الحكم في دولة منفصلة سياسيا وجغرافيا والتوصل إلى تحقيق دولة منشودة موحّدة عن طريق الانتخابات المطلقة التي سوف تعيد وتؤكد الانفصال، لذلك كيف يمكن للفلسطينيين أن يوحدوا وطنهم وشعبهم بينما أقوى وأكبر حزبين يهدفان إلى تحقيق واستعادة الوضع الانفصالي الحالي، مضافا إليه شرعية انتخابية جديدة؟
تحكم حركة فتح الضفة الغربية، بينما تحكم حركة حماس غزة، ولا ينوي أيّ منهما التخلي عن ممتلكاته الوطنية، ولا يتفق الطرفان على موقف أو قرار، سواء داخليّا أو خارجيّا، وتدعم فتح بوضوح تأييد الاتجاه الدولي العازم على التوصل إلى اتفاق سلمي وعادل للقضية الفلسطينية، وتدعم حماس بتأييد مجموعة عربية وغير عربية الاستمرار في المقاومة والنضال والتسلّح المتعاظم في انتظار المعركة الآتية لا محالة.
تستمر السلطة الوطنية في التبادل الأمني مع دولة إسرائيل مباشرة بينما تدين حماس تلك “الخيانة” وتستعين باتفاقات التهدئة غير المباشرة التي تطمئن العدو المجاور.
تملك السلطة الوطنية حركة فتح التي تقودها علاقة دافئة مع طرف من الدول العربية التي تقودها السعودية، ومعظم الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة، بينما تصطف حركة حماس مع الدولة الخليجية العربية الوحيدة المخالفة (قطر) ودولة تركيا.
في أزمة الخليج وقفت السلطة الوطنية مع الانحياز إلى الحلف العربي ـ الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة والسعودية والمعارض للموقف الإيراني، بينما تتزايد علاقات حماس في تأييد موقف طهران.
تنحاز السلطة الوطنية إلى التطور في الموقف الأميركي، بعد انتهاء فترة حكم الرئيس دونالد ترامب، كذلك معظم الدول الغربية، وتتميز حماس بعلاقات متينة مع معظم الدول المعارضة للسياسة الأميركية، خاصة في الشرق الأوسط.
تقود الخلافات والتنافر بين القوى الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتحالفات كل منهما الإقليمية والدولية، إلى تثبيت الانفصال الفلسطيني النهائي بين الضفة وغزة. ومن المطلوب التوصل إلى اتفاق بين جميع الفصائل والأحزاب حول برنامج انتخابي فلسطيني مشترك كبديل عن الاتفاق بين حركتي فتح وحماس، والذي سيقود لفرض الانفصال النهائي بينهما.
تلجأ أحزاب متعددة في أوقات الانتخابات في دول مختلفة للتوصل إلى برنامج انتخابي مشترك مع أحزاب أخرى في القضايا الأساسية والعامة التي تواجه الدول المعنية، وهو مجرد اتفاق طوعي بين الأحزاب المتنافسة تتعلق بقضايا وطنية مختلف عليها، مع احتفاظ كافة الأحزاب برؤيتها الخاصة حول القضايا المجتمعية والاقتصادية والفكرية.
نحن كفلسطينيين في حاجة شديدة وضرورية إلى اتفاق جماعي حول قضيتين أساسيتين، هما الصراع مع الاحتلال، وضمان الحرية والحقوق للمواطن الفلسطيني.
ويدعو البرنامج الانتخابي إلى انتظام القوانين في الدولة الفلسطينية لحماية وحدة الأرض ووحدة قوانينها، وضمان حقوق المواطن في ظل القانون واحترامه وحماية حقوقه، خاصة حقه في التعليم والعلاج والتعليم والتوظيف والعمل، وذلك ليس مطلبا حزبيا أو منحة من فتح أو حماس، بل هو حق للمواطنين جميعا.
ويتضمن التوافق على البرنامج الانتخابي حق الشعب في إقامة دولته المستقلة والموحدة والقابلة للحياة في الأراضي التي تحددت في عام 1967 من الضفة الغربية وقطاع غزة، وحق العودة للفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم.
ويؤكد البرنامج على توافق الجمع الفلسطيني على المقاومة بكافة السبل في الدفاع عن أراضي الدولة الفلسطينية ومواطنيها تجاه أي عدوان أو اعتداء، بما في ذلك التوسع الإسرائيلي غير القانوني للمستوطنات والمدن واستمرار مصادرة الأراضي المحددة للشعب الفلسطيني.
يلتزم الطرف الفلسطيني بالعمل والمشاركة، من خلال التعاون مع كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والجامعة العربية، للتوصل من خلال التفاوض السلمي مع الجانب الإسرائيلي إلى اتفاق سلمي وعادل، وفق الشروط التي سبق ذكرها.
ويضمن التوصل إلى موافقة كافة الأحزاب السياسية على مضمون برنامج انتخابي فلسطيني مشترك ثبات الموقف الوطني والعربي والدولي، بغض النظر عمّن اختار الشعب لتمثيله في الانتخابات القادمة، ويعفي الأطراف الفلسطينية من اقتراحات وقرارات متناقضة ومتضاربة واجتماعات في عواصم عربية واختراع لقوائم انتخابية مشتركة مفروضة على الشعب وعلى باقي الفصائل والجمعيات والنقابات الأضعف والأفقر.