هل تفاوض إيران الإدارة الأميركية الجديدة “سراً”؟* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

تحاصر طهران الإدارة الأميركية الجديدة بمواقف تصاعدية متلاحقة على لسان مسؤوليها، في محاولة لاستباق الخطوات والضغط على الرئيس جو بايدن، علها بذلك تحسن شروطها التفاوضية في الملف النووي. وتبدو المواقف التي أتت بما يشبه “المناورات” منطقية، بخاصة بعد إستراتيجية “الضغوط القصوى” التي مورست عليها من قبل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب. وتعتبر إيران أنه يجب على الإدارة الجديدة تغيير النهج الذي اتُبع معها في المرحلة الماضية، لأن الولايات المتحدة هي الجهة المنسحبة من الاتفاق النووي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، ما أضر بصورة ومصداقية واشنطن مع الحلفاء والقوى الدولية الأخرى.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل وصلت إلى مرحلة التهديد من قبل ترمب بشن حرب على إيران، في مناسبتين منفصلتين، مرةً بعد إسقاط الأخيرة طائرة أميركية من دون طيار اقتربت من المجال الجوي الإيراني أو اخترقته، وذلك في يونيو (حزيران) 2019، حين ترددت أنباء عن توجيهات من قبل ترمب للقوات الأميركية بتوجيه ضربة إلى إيران. ومرةً أخرى بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في يناير (كانون الثاني) 2020.

في المقابل، اعتبرت طهران على لسان الهيئة الرئاسية لمجلس خبراء القيادة الإيرانية، أن مقتل سليماني ليس مجرد موت شخصية عسكرية ستنتهي بقتل شخص عسكري من الجهة المقابلة، “إنما هي إعلان الحرب ضد جبهة المقاومة والأمة الإسلامية”. وتعهدت الحكومة الإيرانية بالانتقام لما اعتبرته عملاً حربياً واستخدمت مقتل سليماني لحشد التأييد الوطني من خلال 3 أيام من الحداد العام في كل أنحاء البلاد.

مفاوضات خلف الكواليس

في السياق، فإن ما جاء في كلمة الرئيس الإيراني حسن روحاني في 3 يناير الماضي، حول رفض تعديل بنود الاتفاق النووي، أو إضافة أي أطراف إليه، أتى متزامناً مع مقال لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف نُشر في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية في 22 يناير الماضي بعنوان “إيران تريد الصفقة النووية التي أبرمتها لا تطلبوا منها تلبية مطالب جديدة”. ويؤكد ظريف في مقالته أن بلاده لن تقدم مزيداً من التنازلات للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة ترمب، ويذهب أبعد من ذلك إلى ما يشبه التحذير بإشارته إلى أن نافذة العودة إلى الاتفاق النووي وتطبيق بنوده لن تبقى مفتوحة إلى الأبد أمام الولايات المتحدة، وجزم ظريف بأن لا تفاوض جديد بشأن الاتفاق النووي، وبأنه لا يمكن لواشنطن فرض منطقها على طهران. ونصح الوزير الإيراني الحكومة الأميركية الجديدة بحسم خيار أساسي، “إما عبر تبني سياسات إدارة ترمب الفاشلة ومواصلة السير على طريق ازدراء التعاون والقانون الدوليين، أو يمكن أن يختار بايدن طريقاً أفضل يمر عبر إنهاء سياسة الضغوط القصوى الفاشلة التي تبناها ترمب والعودة إلى الاتفاق الذي تخلى عنه سلفه”.

هذا في العلن، لكن ماذا يدور خلف الكواليس، يبدو أن المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة بدأت بالفعل. هذا ما كشف عنه الكاتب الفرنسي جورج مالبرونو في صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية في مقال بعنوان “بايدن يتفاوض بالفعل مع إيران”، نُشر بتاريخ 19 يناير الماضي. ونقل الكاتب عن مصدر قريب من دوائر السلطة في طهران أن “مناقشات جرت في نيويورك بين المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة ماجد تاخت رافانشي ومبعوث أميركي من إدارة بايدن”. وأضاف المصدر “سنعرف بسرعة كبيرة ما إذا كانت هذه المناقشات ناجحة أم لا”. ويقول الكاتب إنه خلال الأسابيع الثلاثة الماضية جرت محادثات سرية بين إدارة بايدن وطهران، استعداداً لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي الدولي الذي تم التوصل إليه في عام 2015. وبحسب المصدر فإنهم “يهدفون إلى وضع إطار لإعلانات العودة إلى الاتفاقية، مع العلم بأنه يُفترض ألا يلتقي الأميركيون والإيرانيون أو ألا يجروا محادثات مباشرة”. وأشار مارلبرونو إلى أنه إذا حدث هذا الاختراق رسمياً، سيتجسد “بعودة حازمة ومتزامنة” للبلدين إلى اتفاق 2015.

فرنسا تحاول العودة بقوة إلى المنطقة

من جهة أخرى، يبرز الدور الفرنسي في هذه المرحلة من خلال محاولة لجمع الأطراف، ويقوم الرئيس إيمانويل ماكرون بدور مواز لدور دول المنطقة العربية. وقال ماكرون في حديث إعلامي، إن “المفاوضات بشأن الاتفاق النووي مع إيران، يجب أن تشمل السعودية”، مضيفاً أنه “يجب تجنب الخطأ الذي حدث في الاتفاق النووي الدولي مع إيران عام 2015، الذي استبعد دولاً أخرى في المنطقة”. ورأى الرئيس الفرنسي أنه “لم يتبقَ سوى وقت قليل لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي”.

ويلتقي كلام ماكرون مع ما جاء على لسان وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان في تصريحات صحافية، إذ صرح أنه يجب إشراك الدول الخليجية في أي مفاوضات بشأن الاتفاق النووي، مؤكداً أن ذلك هو “الطريقة الوحيدة للحصول على اتفاق يدوم”.

لكن حتى الدور الفرنسي المتوازن لم يلقَ قبولاً لدى السلطات الإيرانية، إذ جاء الرد على تصريحات ماكرون عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب، الذي قال إن “الاتفاق النووي اتفاق دولي متعدد الأطراف صادق عليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 وهو غير قابل للتفاوض، كما أن الأطراف فيه واضحة وغير قابلة للتغيير”.

السعودية شريك وحليف تاريخي وأساسي لفرنسا

وتعليقاً على ذلك، قال الباحث في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، المقيم في العاصمة الفرنسية باريس، إن “المملكة العربية السعودية شريك وحليف تاريخي وأساسي لفرنسا على كل الأصعدة، بخاصة في ملف مكافحة الإرهاب، إضافة إلى التجارة، حيث أن فرنسا ترتبط بعلاقات قوية مع السعودية منذ زمن بعيد. والإعمار الذي حدث في السعودية في ستينيات القرن الماضي كان لفرنسا دور فيه، بخاصة عبر شركات تحلية المياه”.

أما عن سياسات المنطقة، “فالدولتان حليفتان في رسم السياسة العامة في الإقليم”، بحسب نور الدين. وأشار إلى أنه “عندما يتحدث ماكرون عن صعوبة في المفاوضات، فهي محاولة لإدخال السعودية كطرف على طاولة المفاوضات، وفي أسوأ الحالات، سيطرح الجانب الفرنسي الهواجس السعودية في الملف النووي والصواريخ البالستية وغيرها”.

ملف “حزب الله” الجدلي دولياً

على صعيد آخر، يعلم ماكرون أن لبنان مساحة جدل بين فرنسا وإيران بوجود “حزب الله”، فكيف سيتعامل مع هذا الملف علماً أن الحزب على لائحة الإرهاب عربياً ودولياً؟ يجيب نور الدين أن “فرنسا هي مَن اجترح فكرة فصل الجناح السياسي للحزب عن جناحه العسكري، كي تستطيع فتح خط معه في لبنان، ولم يعد سراً أن الفرنسيين يلتقون مع الحزب بالسر وبالعلن”. ويضيف أن “الدور الفرنسي موجود تاريخياً في لبنان، فهي التي أنشأت وحمت وبنت لبنان”. وتابع أنه “في نهاية الاستعمار العثماني في عام 1920، لم تكن بيروت سوى تراب وأشجار من التوت. وكل ما يفتخر فيه اللبنانيون من عمارة في وسط البلد، ولاحقاً في مرحلة إعادة الإعمار مع رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، والمرفأ الذي تدمر، بناه الفرنسيون. إذاً الفرنسيون موجودون بالأساس. وهناك اهتمام فرنسي خاص نابع من أن لبنان هو أول بلد وآخر بلد فرنكوفوني في المنطقة”.

الملف اللبناني من أولويات باريس

أما عن الدافع وراء التسريبات لاتصال ماكرون بنظيره الأميركي جو بايدن، فقال نور الدين، إن “وجهة لبنان تغيرت، فبعد الدور السوري الذي بدأ منذ عام 1976 بغطاء دولي وعربي، وبعد إخراجه، بدأ صراع المحاور في عام 2005، وبدأت حرب الولاية على لبنان، ومَن يريد أن يكون أب وأم لبنان. فجاء النفوذ الإيراني الذي أراد أن يتواجد في بيروت. وتأتي التسريبات حول الحوار الأميركي – الإيراني في هذا الإطار، إذ تريد فرنسا أن توجه رسالة ليس فقط لطهران بل للولايات المتحدة أيضاً، مفادها أن لبنان من أولوياتها في المنطقة، بالتالي وضعت الملف اللبناني إلى جانب الملف النووي”.

عراقيل كثيرة تنتظر العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي

من ناحية ثانية، تواجه إدارة بايدن معضلة التوفيق بين عدد من المتناقضات، حيث تسعى الدول الأوروبية إلى تحقيق عودة الولايات المتحدة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، في حين أن معظم الجمهوريين في الكونغرس لا يريدون أي عودة إلى الاتفاق النووي، بخاصة في ما يخص عدم شموله مسألتَي الصواريخ البالستية أو افتعال طهران أزمات في الشرق الأوسط. وكان وزير الخارجية أنطوني بلينكن أكد في أول يوم في منصبه، أن إدارة بايدن تريد العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015 الذي مزقه ترمب، لكنه لفت إلى أن “ذلك لن يحدث إلا بعد عودة إيران إلى احترام التزاماتها”.

وكان وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر، حذر في مؤتمر لـ”معهد سياسة الشعب اليهودي” في 8 يناير الماضي، من العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. وقال إن “على الإدارة الأميركية الجديدة ألا تعود إلى روح الصفقة الإيرانية التي قد تؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط…. يجب ألا نخدع أنفسنا. لا أعتقد أن روح صفقة إيران، مع وجود حد زمني للصفقة وغيرها من البنود ستفعل أي شيء بخلاف جلب الأسلحة النووية إلى كل أنحاء الشرق الأوسط، بالتالي خلق حالة من التوتر الكامن الذي سينفجر عاجلاً أم آجلاً”. ورأى كيسنجر أن النظام الحالي في إيران “لا يبدو قادراً على التخلي عن هذا المزيج من الإمبريالية والتهديد”.

الأقل مقابل الأقل

في سياق متصل، قال السفير الأميركي دينيس روس المستشار السابق للرؤساء جورج بوش الأب وبيل كلينتون وباراك أوباما، في دراسة أعدها لصالح معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” بعنوان “لا داعي لأن يتسرع بايدن في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران لنزع فتيل التوترات”، إنه “سبق للرئيس جو بايدن أن أبدى رغبته في السعي إلى العودة إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة” (الاسم الرسمي للاتفاق النووي الإيراني)، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، ألا يكون الإيرانيون يطرقون بذلك باباً مفتوحاً؟ ليس هذا ما يحصل فعلياً، لأن موقف الرئيس بايدن هو الامتثال مقابل الامتثال، ما يعني أنه لا يمكن للولايات المتحدة رفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال لشروط الخطة، ووفق معظم التقديرات، سيستغرق هذا الأمر بضعة أشهر… إضافة إلى ذلك، يطالب الإيرانيون بتعويضات عما كلفتهم العقوبات، ويصرون على أن تقوم الولايات المتحدة، وليس إيران، بالخطوة الأولى”.

ورأى الدبلوماسي الأميركي المخضرم أن “إحدى الطرق الكفيلة بكسر الجمود وجعل الضرورة فضيلة، هي قيام الولايات المتحدة بتحويل تركيزها من معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي بعد عودة إيران إلى الامتثال الكامل، إلى اتفاق قائم على مبدأ “أقل مقابل أقل”، أي أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات بدرجة محدودة، بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالِفة للامتثال”. وبالنسبة إلى دينيس روس، فإن لاتفاق “أقل مقابل أقل” فوائد منها، أنه “سيقلص البرنامج النووي الإيراني بطريقة من شأنها أن تمدد زمن تجاوز العتبة النووية وتجعله أقل تهديداً، كما سيحافظ على نظام العقوبات الخاص بالولايات المتحدة وبالتالي على نفوذها، وسيُكسِب واشنطن الوقت لإنجاز الاتفاقات طويلة الأجل التي يسعى إليها الرئيس بايدن، والتي يأمل أن تمدد أحكام انقضاء الاتفاق النووي من جهة، وتؤدي إلى تفاهمات موازية بشأن الصواريخ البالستية وسلوك إيران في المنطقة من جهة أخرى”.

 

نقلا عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى