الفساد السياسي تحت حماية «كورونا»* حمزة عليان

النشرة الدولية –

لعل أفضل من يعبّر عن مضمون المقال، ذاك الشاب اللبناني الذي جلس في المقهى وتناول قلماً وورقة وراح يكتب كلمات أغنية من وحي الأزمة مطلعها “كورونا، تبقوا تذكرونا بس ما تبقوا تزورونا، زوروا السياسيين”!

 

واقع الحال أن غضب الناس على الفاسدين من رجالات السياسة رفع عدد المشاهدين لهذه الأغنية في يوم واحد إلى ثلاثة ملايين وهذا مثال حي على علاقة كورونا بالفساد السياسي.

 

جائحة الفيروس زرعت الأمل لدى بعض الطبقات السياسية الحاكمة وفي عدد من الأنظمة بتمديد العمر الزمني لهم فقد حمتهم من غضب الشارع وأعطتهم المبرر لقمع ومنع المحتجين على سوء إدارتهم.

 

في الجزائر مثلاً انتظر العشرات من الموقوفين من نشطاء الحراك الشعبي لأشهر وأحيانا امتدت إلى عام، محاكمتهم بتهم مطالبتهم بتنحي رموز النظام، ولكن لا أحد يتحدث عنهم بحجة الانشغال بمعالجة الوضع الوبائي المنتشر فالمعارضون السياسيون يدفعون الثمن والسلطة تستغل “الأزمة”.

 

أقرب حالة على توظيف كورونا بالسياسة فوز الرئيس جو بايدن على منافسه دونالد ترامب وتقاعس الأخير في مواجهة الفيروس، وكان عنصر قوة زاد من شعبية بايدن وربما الفارق في الأصوات له علاقة “بالغضب الشعبي” من ضعف وتهاون شخصية ترامب والذي ترتب عليه كوارث اقتصادية واجتماعية جعلت أميركا من أكثر الدول في العالم تضرراً.

 

صحيح أن كورونا له مضاعفات اقتصادية وصحية وبيئية بل طال كل مناحي حياة البشرية، لكن الأسوأ بكل ذلك أنه قضى على التعليم أولاً واستفاد منه العديد من الأنظمة السياسية وتحت عنوان “عليكم فض الاعتصام ومغادرة الساحات تنفيذاً لقرارات الدولة”!

 

نتنياهو مثلاً، متهم بالفساد استفاد من “حالة الإغلاق” بتأجيل محاكمته عدة مرات، ولم يستطع المحتجون في الشارع إسقاطه أو اهتزاز حكومته بالرغم من فشله السياسي والمطالبة بلجنة تحقيق والقصور وتعامل الحكومته مع الأزمة الوبائية، بل راح يناور ويسجل “انتصارات” في الجبهات الخارجية وهو مطمئن لبقائه في السلطة.

 

وعلى عكس ما يصف الشعب الأوكراني نفسه بأنه لا يقدس السياسيين وتبنيه لحملة “ألقوا السياسيين الفاسدين في حاويات القمامة” جاء هذا الفيروس الوبائي ليعكس تلك القاعدة ويجعلهم خارج إطار المساءلة والمراقبة والنقد.. في العالم العربي انطفأت حدة التظاهرات والاحتجاجات المليونية وتراجعت إلى الحدود الدنيا، وأبرز تلك الساحات كانت في بيروت وتونس وبغداد، صحيح أنها بقيت لكنها متقطعة ولا تخيف المنظومة السياسية والأمنية الحاكمة.

 

وبالرغم من منع السلطات العراقية التجمعات بسبب الحد من انتشار الوباء يرى أحد النشطاء في ميدان التحرير ببغداد “نحن نعاني الموت والفقر والفساد منذ عام 2003، هذا هو الفيروس الحقيقي الذي ليس له دواء”! العراقيون اليوم وإن خرج منهم عدد محدود في منطقة الناصرية لديهم قلق مخيف من أوضاعهم الاقتصادية يطغى على خوفهم من انتشار مرض كورونا، نزل بعضهم إلى الساحات للاعتصام ونصبوا الخيام لمواجهة العدوى وأنشؤوا عيادات ميدانية، تنقل وكالات الأنباء عنهم أنهم يواجهون الموت في الحالتين، سواء في التظاهرات أو بسبب كورونا، فهذا الفيروس هو فقط جزء مما يواجهونه من مصاعب في حياتهم.

 

وفي السياق العام انكفأ الحراك الشبابي الغاضب في بيروت في ظل الإغلاقات المتكررة من قبل السلطة، وإن انفجر هذا الغضب في مدينة طرابلس وصب المتظاهرون احتجاجهم على الفاسدين السياسيين، وكانت منازلهم مقصداً للتظاهر ونعتهم بأوصاف حقيرة.

 

الفساد والوباء متلازمان، تلك هي خلاصة التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية حول الشعور بالفساد في العالم والذي صدر منذ أسبوع تقريباً، فمن وجهة نظرهم الجائحة ليست أزمة صحية واقتصادية فحسب بل هي أزمة فساد أيضاً، فالوباء يغذي الفساد، والدول عادة تركز جهودها على الاستجابة السريعة لحالة طارئة مثل الوباء وهو ما يفتح الباب أمام المفسدين للاستفادة من الأزمة، وبهذا المعنى فقد وضعت هذه المنظمة الدولية المعنية الوباء في الفئة نفسها للأعاصير والزلازل من حيث تأثيرها على الفساد، فكما أن الكوارث الطبيعية تؤدي إلى ارتفاع حاد في الفاسد وهذا ما حصل في اليابان وأميركا.. كذلك الأمر مع كوارث الوباء والتي تجذب الفاسدين كالمغناطيس وتجعلهم في مأمن عن المساءلة أو التنحي!

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button