ظاهرة انتحار الطواقم الطبية تقلق المجتمع البريطاني

النشر ة الدولية –

اندبندت عربية – سوسن مهنا –

تقول منظمة الصحة العالمية، إن ما يقارب 800 ألف شخص يقدمون على الانتحار سنوياً. ومقابل كل حالة انتحار مؤكدة هناك كثير من الناس يحاولون الفعل ذاته كل عام، ويؤثر الانتحار على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها بما يحدثه من آثار طويلة الأمد على من تركوهم وراءهم.

ويحدث الانتحار في مختلف مراحل العمر، وقد سجل ثاني أهم سبب للوفيات بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً على الصعيد العالمي في عام 2016. كما أنه لا يحدث في البلدان مرتفعة الدخل فحسب، بل هو ظاهرة عالمية، وأكثر من 79 في المئة من الحالات لعام 2016 حدثت في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، بينما سجلت مرتفعة الدخل أعلى المعدلات، حيث بلغت 11.5 لكل 100 ألف.

الانتحار مشكلة خطيرة

تعتبر منظمة الصحة العالمية أن سابقة الانتحار تشكل أهم عامل من عوامل الخطر على سكان أي بلد، لكن من الممكن للمجتمعات أن تتبع استراتيجية شاملة لمختلف القطاعات للوقاية من الانتحار. وكانت المنظمة قد صرحت عام 2019 تزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي لمنع الانتحار الموافق في 10 سبتمبر (أيلول) من كل عام، بأن عدد البلدان التي لديها استراتيجيات وطنية لمنع الانتحار قد ازداد خلال السنوات الخمس المنقضية منذ صدور تقرير المنظمة العالمي الأول في شأن الانتحار، إلا أن العدد الإجمالي للبلدان صاحبة الاستراتيجيات، الذي لا يتجاوز 38 بلداً، لا يزال ضئيلاً للغاية، وعلى الحكومات أن تلتزم بوضع مثل تلك الاستراتيجيات.

ويقول المدير العام للمنظمة، تيدروس غيبريسوس، إنه “على الرغم من التقدم المحرز، ما زال هناك شخص يفقد حياته كل 40 ثانية جراء الانتحار. وتمثل كل حالة وفاة مأساة لأسرة الفقيد وأصدقائه وزملائه. وعلى الرغم من ذلك، فإن منع حالات الانتحار أمر ممكن. ونناشد جميع البلدان أن تقوم بشكل مستدام بإدراج استراتيجيات مثبتة لمنع الانتحار ضمن برامجها الوطنية في مجال الصحة والتعليم.”

والأساليب الأكثر شيوعاً للانتحار هي الشنق، والتسميم الذاتي بمبيدات الحشرات، والأسلحة النارية. أما التدخلات الأساسية التي أثبتت نجاحاً في الحد من حالات الانتحار فهي تقييد إتاحة الوسائل المستخدمة. وتوعية وسائل الإعلام في شأن تقديم تقارير مسؤولة عن الانتحار، وتنفيذ برامج في أوساط الشباب لصقل المهارات الحياتية التي تمكنهم من التأقلم مع الضغوط المعيشية، وتحديد الأشخاص المعرضين لخطر الانتحار والتدبير العلاجي لحالاتهم ومتابعتهم في مرحلة مبكرة.

تبلغ حالات الانتحار أعلى معدلاتها في البلدان المرتفعة الدخل، وهي ثاني الأسباب الرئيسة للوفاة في أوساط الشباب. وبلغ المعدل العالمي الموحد حسب السن للانتحار في عام 2016 10.5 لكل 100000، بيد أن المعدلات تباينت بين البلدان، من 5 وفيات بالانتحار لكل 100000، إلى أكثر من 30 لكل 100000، ويبلغ عدد المتوفين من الرجال بالانتحار في البلدان المرتفعة الدخل نحو ثلاثة أمثال عدد النساء، عكس البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط، حيث تميل كفة المعدل إلى التساوي بدرجة أكبر.

وكان الانتحار هو ثاني الأسباب الرئيسة للوفاة في أوساط الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، بعد إصابات حوادث السير. وبين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً، كان الانتحار هو ثاني الأسباب الرئيسة للوفاة بين الفتيات (بعد اعتلالات الأمومة)، وثالث الأسباب الرئيسة للوفاة لدى الفتيان (بعد إصابات الطرق والعنف بين الأفراد).

ارتفاع معدلات الانتحار

في هذا السياق، أفادت تقارير عديدة صادرة عن مراكز دراسات في المملكة المتحدة ومنذ عام 2016، بأن معدلات إقدام أشخاص على الانتحار سجلت زيادة على نحو “غير مقبول”، وهذا ما دفع بالسلطات إلى استحداث وزارة لمكافحة الانتحار على عهد رئيسة الحكومة تيريزا ماي، عام 2018، وصرحت ماي حينها بأن “تعيين الوزيرة جاكي دويل برايس لهذا الدور الجديد سيساعد في التعامل مع قضية الانتحار”، مضيفة أنه “يمكننا القضاء على الشعور السيئ الذي يدفع الكثيرين إلى المعاناة في صمت، ومنع مأساة الانتحار التي تسلب الكثيرين حياتهم”.

وذلك في وقت كانت فيه الحكومة البريطانية تستضيف أول قمة عالمية للصحة النفسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2018، حيث اجتمع وزراء ومسؤولون من أكثر من 50 بلداً في لندن للمشاركة في القمة.

وكانت الحكومة البريطانية قد تعهدت بتقديم مزيد من الدعم في المدارس، وتوفير فرق دعم خاصة للصحة النفسية، والمساعدة في قياس مستويات صحة الطلاب، من بينهم رفاهيتهم النفسية.

إلى جانب ذلك، تعهدت ماي بتقديم 1.8 مليون جنيه استرليني لمنظمة “السامريون” المعنية بخدمات الصحة النفسية، لمساعدتها في مواصلة تقديم خدماتها المجانية عبر الهاتف لأربع سنوات قادمة. وتظهر بيانات نشرها “المكتب الوطني للإحصاء” أن 1413 حالة وفاة ناجمة عن إيذاء النفس قد سجلت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2019، مقارنة بـ1130 حالة وقعت في الفترة نفسها من عام 2017، أي بزيادة 25 في المئة. ووصل معدل الانتحار في الربع الأخير من عام 2019 أعلى مستوى له خلال 19 عاماً، إذ بلغت نسبة المنتحرين 11.4 شخص من بين كل 100 ألف نسمة، وفقاً للأرقام المعلنة.

وكان ثلاثة أرباع الضحايا (74 في المئة) من الذكور، فيما شهدت الفئة العمرية 50 – 54 سنة العدد الأكبر من حالات الوفاة انتحاراً. وأن الانتحار هو السبب الرئيس لوفاة الرجال الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً.

وقالت متحدثة وزارة الصحة البريطانية، “نعتبر كل حادث انتحار مأساة ودماراً للأسرة والأصدقاء والمجتمع”. وأضافت، “نستثمر نحو مليار جنيه استرليني في دعم خدمات الصحة العقلية وعلاج الأزمة، كما نجري حالياً تحديثاً لاستراتيجية مكافحة الانتحار، التي نثق بأنها ستعالج الكثير من القضايا التي أثارتها اللجنة”.

وكانت الكلية الملكية للأطباء النفسيين في بريطانيا قد دعت ومنذ 2016 إلى تعزيز الاستثمار في تطوير فرق العمل، وقالت، “إذا توافر ربط بين خدمة الطب النفسي في كل إدارات الطوارئ على مدار 24 ساعة، سبعة أيام في الأسبوع، فسوف يقلل ذلك بالتأكيد من الوقت المستغرق لتقييم درجة الخطر، وسيفضي إلى إنقاذ حياة الأشخاص، لكننا نحتاج إلى فرق عمل من أجل تحقيق ذلك”.

ووجد تقرير نشر عام 2018 من قبل SOM جمعية الطب المهني لجميع المتخصصين في الرعاية الصحية ومؤسسة The louise Tebboth Foundation، وهي مؤسسة خيرية تأسست في ذكرى لويز تيبوث طبيبة عامة انتحرت في يناير 2015، وهي المؤسسة الخيرية الوحيدة التي تركز على منع الانتحار والصحة العقلية للأطباء في إنجلترا وويلز، أن حالات الانتحار، خاصة بين الطبيبات والأطباء والمتدربين، مرتفعة نسبياً مقارنة بعامة السكان. يتحدث التقرير عن دراسة كان قد أصدرها بعنوان “ما الذي يمكن أن يحدث فرقاً في الصحة العقلية لأطباء المملكة المتحدة؟ مراجعة للأدلة البحثية”، وتحتوي على أدلة مفصلة على أن أطباء المملكة المتحدة أكثر عرضة للإجهاد المرتبط بالعمل والإرهاق والاكتئاب والقلق.

ويقدر معدل الانتحار الفعلي للأطباء بما يتراوح بين ضعفين وخمسة أضعاف من عامة السكان. وتاريخياً، اعتبرت الطبيبات أكثر عرضة لخطر الإصابة من المتوسط الوطني للإناث (حتى أربعة أضعاف)، في حين يبدو الرجال أقل عرضة للخطر من عامة السكان. وحسب التقرير يبدو أن الأطباء العامين والمتدربين والأطباء المبتدئين معرضون للخطر بشكل خاص، ويعانون الضيق والإرهاق في وقت مبكر من حياتهم المهنية.

مطلوب بيئة عمل صحية

يحث أليكس فريمان، رئيس مؤسسة “لويز تيبوث”، صانعي السياسات وأرباب العمل وغيرهم ممن لديهم مسؤولية عن الصحة العقلية للأطباء، أن يكون هذا التقرير موضع اهتمام أثناء مبادرات العلاج، وأن يتم الترحيب بالأطباء الذين يعانون مشاكل ودعمهم، ويقول إن المطلوب هو “تطوير بيئة عمل صحية. إن الوقاية يجب أن تؤخذ على محمل الجد، في جميع مراحل مهنة الطبيب. مستوى الانتحار في المهنة هو مصدر قلق كبير، بريطانيا تفتقر لمراكز دعم الثكالى المتأثرات بمثل حالات الانتحار هذه، فلا بد من أخذ المخاوف المحددة في التقرير على محمل الجد”.

الممرضات أيضاً يتعرضن لضغوط

يتابع التقرير أنه في مهن الرعاية الصحية، ليست الصحة العقلية للأطباء فقط في خطر. ويفيد بأنه في بحث أجرته (RCN) (الكلية الملكية للتمريض) 2017، أن أكثر من 10 في المئة من الممرضات غادرن (NHS) (الخدمة الوطنية للصحة)، على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما جرى تحديد نقص في القابلات على المستوى الوطني. وجرى تسليط الضوء على عبء العمل المرتفع وتيرة العمل والإجهاد والإرهاق وضعف التوازن بين العمل والحياة كأسباب رئيسة للمغادرة. وتشير الإحصاءات التي نشرتها إدارة الصحة والسلامة عام 2018 إلى أن المتخصصين في الرعاية الصحية يبلغون عن مزيد من التوتر والاكتئاب والقلق المرتبط بالعمل مقارنة بالفئات المهنية الأخرى.

ويبدو أن خطر حدوث مشاكل الصحة العقلية والإرهاق والتفكير في الانتحار يتزايد بين ممرضات NHS بما يتماشى مع الطلبات المتزايدة وتناقص الموارد. وقد لوحظ أيضاً أن العوامل الأخرى المرتبطة بالإجهاد ومشاكل الصحة العقلية، مثل التغيب عن العمل والحضور وضعف الاحتفاظ، آخذة في الارتفاع أيضاً.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button