شربل وهبه… لو قرأ في كتاب شارل مالك قبل “فاوله” القاتل
بقلم: اندريه قصاص
النشرة الدولية –
لم نستغرب الكلام الذي صدر عن وزير الخارجية شربل وهبة، وهو الآتي إلى هذه الوزارة من صفوف المستشارين الرئاسيين المتأثر حكمًا بأجواء معينة لا تمت إلى الدبلوماسية بأي صلة، لا من قريب ولا من بعيد.
ولكن ما دعانا إلى الإستغراب هو أن وهبة هو إبن وزارة الخارجية وشغل مناصب عدّة فيها، وآخرهما مدير الشؤون السياسية والإدارية قبل تقاعده وقبل أن ينتقيه رئيس “التيار الوطني الحر” ليكون من عداد مستشاري رئيس الجمهورية المتقدمين، وذلك نظرًا إلى إنتمائه السياسي وليس لأي شيء آخر.
ولكن ما يدعو إلى الإستغراب أكثر البيان الذي صدر عن تكتل “لبنان القوي”، الذي أعلن رفضه “أي كلام مسيء تحاول بعض الأحزاب اللبنانية استغلاله لتحقيق مكاسب سياسية بغية افتعال أزمة بين لبنان ودول الخليج تُخرج تلك الأحزاب من أزماتها. وإن التكتل على ثقة بأن ذلك لن يحصل بفعل وعي المسؤولين في لبنان ودول الخليج العربي على أهمية تمتين التعاون في سبيل مستقبل واعد”.
تصريحات وهبة تدق الإسفين بين الخليجيين ولبنان
لقد حاول رئيس الجمهورية بعدما بلغه ما قاله وزير خارجيته من كلام مسيء في حق دول الخليج العربي إستيعاب الموضوع، فأكد على عمق العلاقات الأخوية بين لبنان ودول الخليج الشقيقة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية الشقيقة، وعلى حرصه على استمرار هذه العلاقات وتعزيزها في المجالات كافة، واعتبر ان ما صدر عن وهبة يعبر عن رأيه الشخصي، ولا يعكس في أي حال من الأحوال موقف الدولة اللبنانية.
مع العلم أن ثمة مساعي يقوم بها رئيس الجمهورية منذ فترة من أجل ترميم علاقته بالسعودية من خلال التواصل مع سفيرها في لبنان وليد البخاري، الذي زار بعبدا بعد طول إنقطاع.
ومعلوم أن هذه المساعي كانت قد حققت بعض التقدم، خصوصًا لناحية ترطيب الأجواء ومحاولة ترميم العلاقات الثنائية بين البلدين، والتي سرعان ما إنتكست بعد فضيحة عملية تهريب كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون إلى الأراضي السعودية من سوريا وعبر لبنان.
قد يكون ما سبق من إستغراب يدخل في قاموس الإستغراب المقبول، ولكن أن يصدر الوزير وهبة بيان إعتذار، بإيحاء مِن مَن لا يزال يعتبر نفسه الوصي الدائم على وزارة الخارجية، يقول فيه “جلّ من لا يخطىء”، هو عذر أقبح من ذنب. فالإعتذار في ظرف كالظرف الذي يمرّ به لبنان، وهو الذي يسير بين النقاط، يشبه إلى حد كبير الإعتذار من القتيل بعد إردائه برصاصة. فالرصاصة الدبلوماسية التي تُطلق لا يمكن ردّها إلى موقعها الطبيعي، لأنها تكون قد فعلت فعلها. وفي هذه الحال لا يعود ينفع الندم والإعتذار.
لم يكن لبنان في حاجة إلى مثل هكذا “فاول” من العيار الثقيل حتى يغرق في وحوله أكثر مما هو عليه، خصوصًا أن علاقاته بإشقائه العرب تمرّ بمرحلة حرجة نتيجة بعض الخيارات غير الصائبة التي يتخذها البعض، والتي تنّفر الأشقاء العرب، وتجعلهم حذرين في التعاطي مع كل ما له علاقة بلبنان على مختلف المستويات، في الوقت الذي يحتاج فيه لبنان إلى كل دعم خارجي، وبالأخص من أشقائه العرب، وفي طليعتهم دول الخليج والمملكة العربية السعودية، حيث يعمل فيها أكثر من مئتي ألف لبناني، مع ما يمكن أن تكون لهم من مساهمات فعالة مستقبلًا في إنتشال لبنان من أزماته المستعصية، في حال إلتزامه مواثيق جامعة الدول العربية والسير وفق ما تقتضيه مصلحته القومية.
كان حري بالوزير وهبه، الذي حلّ مكان الوزير ناصيف حتي، الذي إستقال على ما يبدو إحتجاجًا على تدخلات النائب جبران باسيل، أن يقرأ جيدًا في كتب السير الذاتية لكل من الوزراء شارل مالك وفؤاد بطرس وغسان توني وفيليب تقلا والفرد نقاش وخليل حمد وغيرهم من الدبلوماسيين الذين تولوا الأمانة العامة لوزارة الخارجية أمثال فؤاد الترك ولوسيان دحداح وكسروان لبكي وغيرهم أيضًا، الذين كانوا أساتذة في اللغة الدبلوماسية وفي التعامل الدبلوماسي وفي اللياقات، وفي رسم صورة ناصعة عن علاقات لبنان الخارجية، وكان يُضرب بهم المثل ليس في لبنان فحسب، بل في كل الدول التي كان يحّلون عليها ضيوفًا، وكانت كلمتهم مسموعة في كل المحافل والميادين.