“الحرب بين الفلسطينيين والاحتلال ليست فقط على أرض الواقع بل على الرواية والمحتوى الرقمي”
النشرة الدولية –
ما إن تصاعدت أحداث حي الشيخ جراح في القدس الشرقية في 10 مايو (أيار)، حتى أشعل الفلسطينيون القضية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وأغرقوها بأوسمة وتغريدات وفيديوهات، لفتت أنظار العالم حول قصة الحي ومعاناة ساكنيه، وما هي إلا ساعات على انتشار وسم “أنقذوا حي الشيخ جراح”، حتى سارع الاحتلال الإسرائيلي لشن حملة مضادة من الأوسمة والصور والرسومات، تشككك في الرواية الفلسطينية لقضية الحي.
ومع تدحرج الأحداث داخل حي الشيخ جراح وما تبعها من تطورات، أشار فلسطينيون إلى “ارتفاع ملحوظ” في إخفاء المحتوى الرقمي الفلسطيني على مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهر تقرير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي في 21 مايو، بعنوان “العدوان على الحقوق الرقمية الفلسطينية”، حجم الانتهاكات التي تعرضت له الحقوق الرقمية الفلسطينية في الفترة ما بين السادس و19 من مايو، حيث تنوعت بين إزالة المحتوى، وحذف وتقييد الحسابات، وإخفاء الأوسمة، إضافة إلى تقليل الوصولية لمحتوى بعينه، وحذف المحتوى المؤرشف، وتقييد الوصول.
مدير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي “حملة” نديم الناشف قال، “تصاعدت كثافة رقابة شركات التواصل الاجتماعي على المحتوى، وهناك ازدياد ملحوظ للرقابة على الخطاب السياسي الفلسطيني، على إثر النشر عن قضية الشيخ جراح، والاعتداءات على القدس، ثم لاحقاً عن العدوان على غزة والاحتجاجات والتظاهرات، ووثق مركز “حملة” أكثر من 500 انتهاك 50 في المئة منها على منصة “إنستغرام”، و35 في المئة على منصة “فيسبوك”، بينما وثق ما نسبته 11 في المئة من مجمل الحالات على منصة “تويتر”، وواحد في المئة من الحالات على “تيك توك”، بينما كانت ثلاثة في المئة الأخيرة من الحالات من دون معلومات كافية من المبلغين. ولم يتم إعطاء أو تحديد سبب الحذف أو التعليق من قبل الشركات في جزء كبير من الحالات، وتنوعت الأسباب المقدمة للحالات الأخرى بين خطاب كراهية، ومخالفة لمعايير المجتمع، وطلب إثبات هوية وغير ذلك من الأسباب، الحرب ليست فقط على أرض الواقع، بل هي حرب على الرواية والمحتوى الفلسطيني الرقمي”.
أضاف الناشف، “بعد ضغط العديد من المؤسسات والنشطاء، إلا أن تبريرات إدارة تلك المواقع ركزت فقط على “المشاكل التقنية”، ولم تقدم تفسيراً كافياً لكل تلك الانتهاكات، وسمحت خلال الفترة الماضية، لمجموعات إسرائيلية بحشد وتنظيم أنفسهم عبر مجموعات “واتساب” و”تيليغرام”. وعلى الرغم من الخطاب التحريضي العنيف ضد العرب والفلسطينيين، الذي امتد أثره على أرض الواقع، وأدى إلى قتل فلسطينيين وأذيتهم، سمحت المنصات لهذا الخطاب بالبقاء على الإنترنت، خلال الأسبوعين الماضيين رصد المركز أكثر من 40 حالة من خطاب يحتوي دعوات إلى قتل الفلسطينيين والعرب والاعتداء عليهم، ما يؤكد أن شركات التواصل لا تقوم بمراقبة خطاب الكراهية والمحتوى العنيف الموجه للفلسطينيين بفعالية، هذه المشكلة لم تكن وليدة اللحظة وإنما هي استمرار وتصاعد لمشكلة موجودة بالفعل منذ سنوات”.
في المقابل طالبت محامية الاحتلال نيتسن درشان عبر مقال نشرته في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، بفرض رقابة على المحتوى الفلسطيني والعربي معتبرة إياه “مصدراً من مصادر التحريض على العنف”، كما اتهم مغردون إسرائيليون شركات مواقع التواصل “بالتهاون لوقف المحتوى الذي يشجع على تنفيذ عمليات مسلحة ضدهم”.
وطلب وزير عدل الاحتلال الإسرائيلي بيني غانتس، من مديري شركتي “فيسبوك” و”تيك توك” عبر لقاء نشرت تفاصيله في صحيفة “جيروزاليم بوست”، حذف منشورات قال إنها “قد تشجع على العنف”، ونُقل عنه قوله، “هذه إجراءات من شأنها أن تمنع بشكل مباشر أعمال العنف، التي تُثار عن قصد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل العناصر المتطرفة التي تسعى إلى إلحاق الضرر ببلدنا. نحن في لحظة طوارئ اجتماعية، ونتوقع مساعدتكم”.
ونشرت الصحيفة تعهد المسؤولين في الشركتين “بالعمل بسرعة وفعالية لمنع التحريض عبر التطبيقين”، وفقاً لما ذكره موقع “ناشونال نيوز الإسرائيلي”.
وفي السياق ذاته، عقد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، الثلاثاء الماضي، اجتماعاً مع رئيس الشؤون العالمية والاتصالات في “فيسبوك” نيك كليغ، للبحث في آليات تعامل الشركة مع المحتوى المناصر للقضية الفلسطينية، ووقف التحريض عبر منصات الشركة.
موقع “إنستغرام” التابع لشركة “فيسبوك”، وفي إطار رده على تلك الشكاوى، أعلن إلغاء إجراءات الحظر ضد الحسابات التي رُصدت، وقال مسؤول في موقع “تويتر” رداً على شكاوى فلسطينيين ناشطين في الدفاع عن المحتوى الرقمي، “يعتمد الموقع على العنصر البشري والتكنولوجيا لمراجعة المحتوى لتعزيز قوانين تويتر، لكن في هذه الحالة قامت أنظمتنا الآلية المبرمجة باتخاذ إجراءات بحق عدد من الحسابات عن طريق الخطأ”.
وفي الوقت الذي تعهدت فيه إدارة شركات التواصل الاجتماعي بمراجعة سياساتها، شكا البعض من استمرار التضييق على محتوياتهم الرقمية، ما دفعهم إلى إيجاد طرق بديلة، كاعتماد ترتيب مختلف للكلمات لتجاوز خوارزميات مواقع التواصل، كالكتابة بأحرف متقطعة على غرار (ف ل س ط ي ن)، أو كتابة الكلمات ذاتها بالعربية مع اقتطاع أو حذف الحرف الأوسط وكتابته بالإنجليزية مثل (غ Z ة)، وبموازاة ذلك لجأ عدد من المستخدمين إلى الكتابة العربية “من دون تنقيط” ضمن حيل الهروب من الخوارزميات.
الخبير في أمن المعلومات فادي عبد الحق قال، “تطورت تقنيات الذكاء الاصطناعي في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل لافت، وتعاملها حتى مع مختلف اللغات بما في ذلك اللهجات العامية، قد يُصعب من فعالية تلك الحيل وإن نجح بعضها، فهناك خاصية لمعالجة اللغات، بما في ذلك اللغة العربية، حتى لو كانت الكلمة غير مكتملة أو مكتوبة بشكل مختلف ومن دون نقاط، في وقت يؤثر التقييم السلبي على تلك التطبيقات بحسب اعتقادي بشكل أكثر فعالية، مع كتابة تعليقات معترضة على سياستها والقيود المفروضة على المحتوى الفلسطيني”.
يُرجح مركز “حملة” أن تكون وحدة “السايبر”، خلف الانتهاكات الأخيرة، إذ عملت على إرسال عشرات آلاف الطلبات لشركات التواصل خلال السنوات الماضية من دون أي سند أو إجراءات قانونية، كما تمت ملاحقة المصلين في المسجد الأقصى، وأيضاً إرسال رسائل لهواتفهم تهدد بمحاسبتهم لاحقاً، واستخدمت فيها الاستخبارات الإسرائيلية نظام التتبع “GPS” لتحديد أماكن المصلين، في حين قام مركز “صدى سوشال” المتخصص في الدفاع عن الحقوق الرقمية الفلسطينية في 21 مايو، بإرسال شكوى إلى مقرر الأمم المتحدة المعني بحرية الرأي والتعبير في العالم، يطالب فيها بمراجعة عاجلة وشرح للقرارات التي اتخذها “فيسبوك” بتعليق الحسابات والمنشورات التابعة لوكالات الأنباء الفلسطينية، والنشطاء الفلسطينيين.
مدير المركز إياد الرفاعي قال، “التضييق على المحتوى الفلسطيني يعود لسنة 2015 وهو ليس بالأمر الجديد، فهناك مئات حالات الاعتقال التي طالت فلسطينيين بتهمة التحريض على مواقع التواصل الاجتماعي، تلتها ملاحقة وسائل إعلام فلسطينية ومواقع إخبارية بالحجة نفسها، لكن ما حصل، أخيراً، من استهداف جماعي ومكثف من مختلف مواقع التواصل لمحتويات تتعلق بالقدس وغزة والشيخ جراح يحدث لأول مرة”.