متشبثا بالتاريخ.. الشاب العجارمة يسخر “الجريدة” لإحياء التراث والهوية الأردنية
النشرة الدولية –
الغد – تغريد السعايدة –
كأن آلة الزمن أحضرته عنوةً من ستينيات القرن الماضي، ووضعته في زمن لا يشبهه كثيرا. على الرغم من عمره الفتي، فإن محمد العجارمة يشبه التسعيني المغلف بعمر العشرينيات، فهو راعي منصة “الجريدة” التي يعيد من خلالها ألق الماضي بنكهته الأردنية الأصيلة المنتشية بروح الثقافة والانتماء إلى تراب الأرض.
لا يجد نفسه في تفاصيل السوشال ميديا المبعثرة من دون هدف، بل إنه يطوع تلك التحديثات لتكون الأداة التي تعيد إلى الأذهان صورا أردنية نقية يقدمها في مضمون “الجريدة”، محاولا تسخير حبه للفن والحس الإبداعي لديه بما يخدم هويته التي يعتز ويفتخر بها، وبدا ذلك واضحا من خلال حديثه المُعتق بمصطلحات تراثية غنية.
العجارمة، في حديثه لـ”الغد”، يعتقد أن الهوية الأردنية التي “نستظل بظلها هي الدعامة التي تؤسس للمستقبل”، مثلما كانت الهوية التي خرجت أجيالاً أردنية، نماذج كثيرة منها تعيش بمختلف دول العالم، هؤلاء الذين لم تطمسهم اللغة واللهجات، ليكونوا ممثلين للأردن بكل تفاصيله حتى وإن كان “بالعلم، الشماغ، وحتى ملوحة ذلك الجميد الذي صُنع بحب الأمهات، ويسافر إلى ما وراء الحدود”.
يقول “لم أفكر يوماً بالخروج من حصني المتين في حاكورتي وسيارتي وبساطة عائلتي التي تعشق الأرض بحياتها وأغنامها التي تسرح أمام البيت”، يقول العجارمة، الذي أنهى دراسة الثانوية العامة بتخصص العلمي، إنه ومنذ أن كان طالباً على مقاعد الدراسة يهوى الأدب والتراث، لذلك حاول جاهداً أن يكون ما يعمل على إنتاجه وأرشفته من أدبيات على هيئة نصوص أو مقاطع فيديو أو حتى بعثرات أدبية، جميعها تصب في التراث الأردني، وبخاصة التفاصيل التي باتت تندثر نوعاً ما في العديد من الأماكن، ولكن ما يسعده أن تلك التفاصل ما تزال حاضرة لدى الكثير من العائلات.
“راعي الجريدة” كما يفضل أن يناديه الناس، هو المصطلح الذي بات يعرفه الكثير من خلاله، حيث أسس مجموعة الجريدة الفنية، التي يسانده فيها عدد من الأصدقاء، كما في تمثيل المقاطع الغنائية والدرامية القصيرة، التي تصب جميعها في مجال إحياء التراث الأردني، وأغاني ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أنه اختار هذا الاسم لكون الجريدة مرتبطة بالماضي والحاضر على حد سواء، وهي الوسيلة التي كان “آباؤنا وأجدادنا يعودون لها لمعرفة كل تفاصيل الحياة، وهي أرشفة للزمان والمكان”.
يقول العجارمة الذي يحظى بمتابعة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتسابقت العشرات من القنوات العالمية لعمل مقابلات للحديث عن مضمونه في المنصات المختلفة “يعرف عني اهتمامي بالماضي وبالحياة التقليدية القديمة، وحتى بالأغاني القديمة، ولدي اطلاع كبير على الأدبيات والشعر والفن القديم والجديد، ولكن أجد نفسي بين ألحان الماضي الذي يعد جزءا من تراثنا الغني الذي يحاكي حياتنا وبساطتنا وحبنا وغزلنا العفيف”، لذا كان من أول اهتماماته إعادة إحياء تلك الأغاني.
وبصعوبة أحياناً، يبحث محمد بين ثنايا الماضي عن تلك الأغاني غير المصورة أو الموثقة، ليعمل على إعادة تقديمها “بصوت المغني ذاته”، ومن ثم تصويرها بطريقة الفيديو الكليب القديم، لتكون الجريدة، الموقع والصفحة الموجودة عبر مواقع التواصل، طريقة جديدة لنشر تلك الأغاني والمقاطع والأحاديث الأردنية، ليثبت أنه قادر على تطويع التكنولوجيا في خدمة الماضي، لا أن تكون سبباً في اندثاره، كما يعتقد البعض. ويتمنى على الشباب أن يتعلموا من دروس “كورونا”، بأن يسلحوا أنفسهم بالعمل والإبداع “حتى يحتاجهم العالم وليس أن يحتاجوا هم العالم”.
ومنذ ثلاث سنوات و”الجريدة” تعمل بالقوة والنفس الطويل ذاتهما على تقبل الآراء على اختلافها، سواء بالإيجابية أو السلبية، حيث يرى العجارمة أنه قادر على حمل كفي المعادلة في يده، بين مؤيد ومعارض، أو حتى من ينتقد بدافع النقد فقط، ولكنه يرى أن هذه الفئة، لم تتمكن من التقاط المغزى من عمله الفني، الذي رغم بساطته وعفويته، وإمكانياته، إلا أنه منصة تحتضن التراث والعادات التقاليد، وزراعة الأرض بروح المحبة للوطن، وغرسه في نفوس الأطفال والشباب على حد سواء.
العجارمة يؤكد “نحن للأرض وهي لنا ولن يحمي بذارنا وحرثنا إلا نحن، فاللهجة هي هوية والحاكورة والأغنام القليلة هي مصدر دخل على مدار عقود لأسر خرجت منها قامات وطنية مؤثرة”.
وبين قالب كوميدي لبعض ما يقوم بعرضه في “الجريدة”، وإعادة أغان عربية قديمة وذكريات تحكي تاريخا عظيما؛ يقف العجارمة اليوم ليكون صاحب فكرة ومقدم الإسكتش التمثيلي في قناة رؤيا “قبان أبو موسى”، ليرى فيه خطوة وإضافة جديدة كذلك تساعده على عرض أكبر قدر ممكن من التراث من خلال شخصية أبو موسى بائع الدكان القديم، الذي يمثل شخصية أردنية ذات حس فكاهي ولكن بمضمون وفكرة جميلة تضع المشاهد بين تفاصيل الأخبار والأحداث والتطورات السريعة في برهة من الزمن للعودة للماضي، يستذكر فيها جزءا من ماضيه الغني بالكرم والشهامة والحب والبساطة والبعيد عن “فلاتر” الحياة المبهرجة.
يتمنى العجارمة أن يحيا حياة بسيطة كما في الماضي العتيق، لا يلغي دور التطور في حياته، ولكنه لا يسمح له في الوقت ذاته أن يلغي هويته، لا يسمح للسوشال ميديا أن تقتحم خزائن الفخر والانتماء للأرض والهوية، لا يجعل للانفتاح غير المبرمج أن يمر عبر ثنايا الحب الناصع، ولا أن يلغي “المسج” جمال رائحة الرسالة الورقية التي ما يزال البعض يحتفظ بها منذ سنوات.
هو يعمل على إعادة زراعة أرضه الصغيرة وينتظر ما تنتجه، فالأرض، كما يقول هي “قوشان الانتماء والقفل الذي يجب أن يبقى مغلقاً على التراب الأحمر الناعم على خطى أهله المتشبثين بالتاريخ”.