في سوق الأسهم .. هل يجب أن يثق المستثمر في تقارير شركات المراجعة؟

النشرة الدولية –

في مجال الطب، يعد فشل الطبيب في تشخيص المرض بشكل صحيح شكلًا من أشكال سوء الممارسة الطبية، لأن التشخيص هو ما يحدد طبيعة التعامل الطبي مع المريض ونوع الدواء المناسب له، ولكن إذا كان التشخيص خاطئًا في البداية فإن الدواء الذي يقصد به الطبيب معالجة مريضه قد يودي بحياته، ويفجع أهله الذين وثقوا في علم وخبرة الطبيب.

بنفس الطريقة تقريبًا، ينظر جمهور المستثمرين في سوق الأسهم إلى شركات المراجعة الخارجية المنوط بها مراجعة وتدقيق البيانات المالية للشركات المدرجة بالسوق المالية؛ لكي تتأكد من خلوها من أي خروقات أو انتهاكات للمعايير المحاسبية المتبعة.

أكثر المستثمرين ينظرون إلى التقارير المدققة من قبل شركات المراجعة بعين الثقة والارتياح رغم تكرار حوادث الاحتيال على المساهمين التي فشلت تلك الشركات في اكتشافها أو تعامت عنها قاصدة. وهنا سؤال يطرح نفسه: إلى أي مدى يمكنك كمستثمر الثقة في تقارير شركات المراجعة؟

ما الذي تقوم به شركات المراجعة أصلًا؟

يقوم المراجع الخارجي بفحص السجلات المحاسبية للشركة محل التدقيق، لكي يتحقق مما إذا كانت المعاملات المالية للأخيرة قد تمت بالفعل، قبل أن يحاول التأكد من صحة الطرق والأساليب المحاسبية المستخدمة ومدى مطابقتها للقواعد المعمول بها في الصناعة.

على عكس ما قد يعتقده البعض، لا يفحص المراجع الخارجي كل الفواتير والسجلات المالية للشركة، بل يأخذ ببساطة عينة عشوائية من الفواتير قبل أن يحاول مطابقتها مع سندات الشحن وسجلات المدفوعات في عملية تسمى “المطابقة الثلاثية” أو (Three-way matching).

بمجرد أن يقوم المراجع الخارجي بتدقيق ومراجعة جميع البيانات، ينتهي عمله بإعداد نسخة مدققة من البيانات المالية للشركة، يتم تقديمها إلى الإدارة جنبًا إلى جنب مع خطاب رأي مكتوب يوضح فيه المراجع ما إذا كان لديه رأي متحفظ (Qualified Opinion) حول صحة وطريقة عرض البيانات، أم أن رأيه غير متحفظ (Unqualified Opinion).

الرأي غير المتحفظ يعني أن المدققين يوافقون على الأساليب المستخدمة في إعداد البيانات المالية، ويرجحون أن تلك البيانات دقيقة وتعكس بشكل عادل الوضع المالي للشركة. أما عندما يكون للمدققين أي تعليقات جوهرية حول دقة وطريقة عرض البيانات، فإنهم يبدون رأيًا متحفظًا للإدارة، وهو بالمناسبة لا يعني بالضرورة وجود شيء غير أخلاقي أو احتيالي، بل ربما يكون مكمن المشكلة هو رصد بعض المعاملات ضمن بنود غير صحيحة، مما يستدعي تعديلها.

وجود أخطاء في معاملات لا تتجاوز قيمتها آلاف الريالات في شركة قيمتها تجاوز المليار ريال مثلًا، لا يستعدي عادة إصدار المراجع “رأيًا متحفظًا” تجاه البيانات المالية للشركة، بل يمكنه حينها لفت نظر الإدارة لتصحيح الخطأ، في المقابل، لا يصدر المراجع رأيًا متحفظًا للعامة إلا في حال وجود مشاكل جوهرية بالبيانات، ولذلك فإن حصول أي شركة على “رأي متحفظ” هو بمثابة رصاصة تستهدف سمعتها ونزاهة إدارتها مما يثير الرعب في نفوس المساهمين، وهو ما ينعكس في النهاية على سعر السهم.

لماذا تفشل بعض شركات المراجعة في عملها؟

معظم شركات التدقيق والمراجعة وخصوصًا الكبيرة منها، تضم مجموعة من أمهر الخبراء والمدققين في المجال الذين يبذلون قصارى جهدهم للتأكد من موافقة البيانات المالية للأساليب المحاسبية السليمة، ورغم ذلك نجد أن كثير من شركات المراجعة أخفقت في اكتشاف عمليات تلاعب كثيرة بالبيانات المالية للشركات، دفع ثمنها في النهاية جمهور المساهمين. لماذا؟

هناك خطأ يقع فيه كثير من مدققي شركات المراجعة، وهو تقاعسهم عن النظر بشك إلى التقارير المالية للشركات، أشار تقرير صادر عن “مجلس مراقبة حسابات الشركات العامة” في الولايات المتحدة إلى أن كثيرًا من شركات المراجعة لا تحاول اختبار أو التأكد بنفسها مما تتدعيه أو تتوقعه إدارات الشركات في بياناتها المالية.

الإهمال المهني أيضًا يبرز باعتباره أحد العوامل التي تفسر فشل الشركات في اكتشاف تلاعب الشركة في بياناتها المالية، على سبيل المثال، نجد أنه في حالة شركة “نيو سنشري فايننشيال” التي كانت تعد واحدة من أكبر شركات الرهون العقارية في الولايات المتحدة والتي تورطت في الاحتيال ما بين عامي 2005 و2006، كانت شركة المراجعة المشهورة “كيه بي إم جي” متهمة بالتورط في المخطط الاحتيالي، أو على الأقل بالوقوف مكتوفة الأيدي دون أن تفعل شيئًا حياله.

مشكلة أخرى تقع فيها شركات المراجعة تؤثر على أمانة ودقة رأيها في البيانات المالية للشركة محل التدقيق، وهي تتعلق بغياب الاستقلالية، هناك بالأساس قدر من تضارب المصالح في هذه العملية، حيث إن شركة المراجعة التي من المفترض أن تتحقق من صحة البيانات المالية للشركة وتخبر الجميع بما توصلت إليه، تحصل على أموالها من الأساس من الإدارة التي لن يعجبها بالتأكيد صدور رأي متحفظ تجاه البيانات المالية.

المشكلة تصبح أكبر حين تضاف عناصر أخرى للمعادلة تدعم وتؤسس لمعضلة تضارب المصالح، كأن تجمع بين مسؤولي شركة المراجعة ومسؤولي الشركة محل التدقيق مصالح أخرى، في حالة شركة “إنرون” الأمريكية على سبيل المثال، منحت الإدارة شركة المراجعة الشهيرة “آرثر أندرسون” مساحات مكتبية كبيرة في مقرها الرئيسي، وفي الوقت نفسه، كان يربط بين مسؤولي الشركتين علاقات غير رسمية، “أرثر أندرسون” حينها أصبحت أقرب لكونها مراجعًا داخليًا تابعًا لـ”إنرون”.

المشاكل السابقة هي مجرد عينة من الأسباب التي تؤدي إلى إخفاق كثير من شركات المراجعة في اكتشاف المخططات الاحتيالية التي تتورط فيها بعض الشركات في وقت مبكر، لتفشل في حماية ظهور المساهمين الذين يطمئنون لآراء المراجعين الخارجيين.

ولكن رغم ذلك، لم يعد التلاعب بالقوائم المالية للشركات مشكلة كبيرة كما كان في السابق، وذلك لسبب بسيط جدًا وهو أن كثيرًا من الشركات بدأت تلجأ مؤخرًا إلى طرق تلاعب قانونية تمامًا! فبدلًا من أن تتلاعب بالبيانات المبلغ عنها، تتلاعب بعمليات الشركة نفسها لتحصل على النتائج التي تريدها، كيف يحدث ذلك؟ هذا ما سنتحدث عنه في التقرير القادم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button