الحوار السعودي – الإيراني.. “مكانك يا واقف”!
بقلم: فارس خشان
النشرة الدولية –
في كلمته أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كشف الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، خفايا “الحوار الأوّلي” الذي يجري في العراق، بين بلاده من جهة، وإيران من جهة أخرى.
قبل هذه الكلمة الملكية، اكتفى المسؤولون، عبر تصريحات مقتضبة للغاية وبعض التسريبات الإعلامية، باطلاع الرأي العام على أنّ لقاءات تحصل بين الرياض وطهران، من دون أن يشيروا إلى مواضيع البحث ومدى التقدّم أو… التقهقر.
كلمة الملك سلمان كشفت كل ما كان مستوراً، وجاء التعليق الإيراني عليها، من خلال المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، ليظهر أنّ استعمال السعودية عبارة “حوار أوّلي” يقع في مكانه الصحيح، إذ إنّ المسافة بين مفهوم الرياض للانطلاق نحو وضع أسس للتفاهم ومفهوم إيران لا تزال شاسعة للغاية.
ما ورد في كلمة الملك السعودي يُظهر، بوضوح النقاط التي تضع بلاده في موقع الخصومة مع “الدولة الجارة”، ومن بينها “وقف جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمليشيات الطائفية التي لم تجلب إلّا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة”.
وقال الملك سلمان في كلمته لهذه الجهة الآتي: “إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأوّلية معها الى نتائج ملموسة لبناء الثقة، والتمهيد لتحقيق تطلعات شعوبنا في إقامة علاقات تعاون مبنية على الالتزام بمبادئ وقرارات الشرعية الدولية واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووقفها جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي لم تجلب إلا الحرب والدمار والمعاناة لجميع شعوب المنطقة”.
وهذه الفقرة التي تضمنها خطاب الملك سلمان تعني اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وغيرها من الدول.
وبيّن تعليق طهران على هذا الموقف السعودي أنّ ثمة خشية حقيقية من أن ينحدر “الحوار الأوّلي” إلى مستوى “حوار الطرشان”، إذ قال زادة: “إذا أولت المملكة العربية السعودية رسالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بأنّ حلّ المشكلات في المنطقة يكمن داخل المنطقة نفسها، اهتماماً جاداً حينها يمكن أن تكون لدينا علاقة مستقرة وجيّدة”.
إنّ موقف الملك سلمان، من جهة والتعليق الإيراني عليه، من جهة أخرى يسمحان بالاعتقاد أنّ الأمور بين البلدين لا تزال عالقة عند النقطة الخلافية نفسها، فالرياض تشكو ممّا بات يُعرف بـ”النفوذ الخبيث” لإيران في منطقة الشرق الأوسط، فيما تصرّ إيران على اعتبار أنّ هذه الشكوى السعودية دخيلة على المنطقة، وتالياً فإنّ الرياض تحمل “أجندة” غربية معادية لها.
وهذا المنحى الإيراني لتبرير قطع كل نقاش حول أذرعها في دول الشرق الأوسط، ليس دقيقاً، فهذا مطلب طالما تهاونت في شأنه الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي، ولكنّ الرياض بقيت متشدّدة، حياله.
في الواقع، إنّ إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بيّنت أنّ بدء تطبيع العلاقات مع إيران غير مشروط بوقف “نفوذها الخبيث” في المنطقة، كما أنّ إدارة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون أظهرت استعداداً أوروبياً لإقامة علاقات شراكة مع طهران، من خلال التعامل الطبيعي مع الأذرع الإيرانية، كما هي عليه الحال في لبنان.
ولولا إصرار السعودية على هذه المسألة، في تقييم علاقاتها بالدول الكبرى، لكان موضوع “النفوذ الخبيث”، قد اختفى، في كثير من الأحيان، عن جدول الأعمال “الإعلاني”.
وما ابتعاد الرياض عن المساعي الفرنسية الخاصة بلبنان إلّا لرفضها المبدئي كل تصوّر يقوم على الشراكة مع “حزب الله” الذي أدرجته السعودية في قائمة المنظمات الإرهابية.
وعلى الرغم ممّا تسيل به الأقلام من أفكار وروايات وأخبار تتصل بأحزاب وتيارات وشخصيات، فإنّ رفض المملكة العربية السعودية القيام بأيّ جهد في لبنان إنّما يعود إلى رفضها لهذا التسليم الرسمي اللبناني، بحجة الضعف والاختلال الكبير في “توازن القوة”، بالأدوار التي يلعبها “حزب الله” في صناعة القرار اللبناني.
وفي الخلفية السعودية إنّ ما يعجز اللبنانيون عن القيام به، لوضع حدّ لهيمنة “حزب الله” على قرارهم الوطني تتولّاه الرياض، في محادثاتها الدولية والإقليمية، وبالتالي فإنّ ما يُسمّى غياباً سعودياً عن لبنان هو “وهم مالي” وليس حقيقة استراتيجية.
وهذا يعني أنّ الرياض تعتبر أنّ تسليمها بالأمر الواقع في لبنان، تحت مبرّرات إنسانية وسياسية وطائفية وقومية، هو تخلّ عن لبنان الذي يريده اللبنانيون ويطمح العرب إلى استعادته كمنارة انفتاح، وتسامح وسلام وتعايش.
وهذا ما أفهمته الرياض، بوضوح، إلى كل الدول التي راجعتها في شأن لبنان، مشيرة إلى أنّها سبق لها أن دعمت الدولة اللبنانية، في مختلف المراحل، ولكنّ هذا الدعم، وبسبب الأدوار التي يلعبها “حزب الله” بالتعاون مع “الفساد السياسي”، لم يحل دون وصول لبنان الى الكارثة التي وصل إليها، وتالياً، فإنّ مساعدة الشعب اللبناني لا تكون من خلال المال، بل من خلال رؤية سياسية واضحة يمكنها أن تستقطب ما يلزم من تمويل إنقاذي مستدام.
من الواضح أنّ كلّاً من السعودية وإيران، في ظل عدم استقرار النهج الأميركي في التعاطي مع الشرق الأوسط الذي ثبت انتقاله الى موقع ثانوي في أولويات واشنطن لمصلحة منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تملكان مصلحة في التواصل، فالرياض يهمّها، في هذه الفترة الصعبة من علاقتها مع إدارة الرئيس جو بايدن، أن تظهر قدرتها على إقامة حوار مع أعتى خصومها في المنطقة، فيما طهران يُفيدها أن تُظهر مقبولية نظامها في المنطقة، في ظل “كباشها” لمصلحة برنامجها النووي والأثمان المرتفعة التي تطلبها في إطار “المقايضة”.
ولكن من الواضح أكثر أنّ ما يفرّق الرياض عن طهران شاسع للغاية، فإيران تثابر على “تصدير الثورة” التي ترى فيها السعودية خطراً على استقلاليتها وسيادتها، لأنّها، بالنتيجة، ليست سوى وسيلة إيرانية لفرض هيمنتها على المنطقة ودولها وشعوبها.