بيج رامي “صائد أسماك” يتوّج ببطولة عالمية لعامين متتاليين

النشرة الدولية –

قبل عشر سنوات تقدم المصري ممدوح السبيعي الشهير بـ”بيج رامي” للمشاركة في بطولة الكويت الدولية لكمال الأجسام، محاولا الإجابة على أسئلة دائمة تدور في ذهنه: هل هذه اللعبة تناسب قدراته الجسدية أم لا، وهل هو يسير في الطريق الصحيح أم يبتعد عنها لأن للعبة أبطالها وتحتاج إلى قدرات لن يستطيع الوصول إليها؟

لم يكن عمره آنذاك يتجاوز الخامسة والعشرين عاما، ونصحه كثيرون بأن يبتعد عن رياضة كمال الأجسام وألاّ يضيّع حياته في لعبة تحتاج إلى أجساد استثنائية وتكاليف مالية لا يستطيع توفيرها بحكم انتمائه إلى أسرة بسيطة، لكنه أمام محاولات هؤلاء التقليل من قدراته قرّر أن يتحدى كل الظروف المحيطة ليثبت أنه يستطيع النجاح.

عندما تقدم للمشاركة في بطولة الكويت الدولية، كان أمامه تحدّ أكبر لا يرتبط بالمال ولا بغياب الأشخاص الذين يمنحونه جرعات معنوية مشجعة، بل لكونه سوف ينافس أبطالا عالميين في اللعبة، فلم يكن اسمه معروفا، فاجتهد وتعب واستعدّ بالتجهيز والتدريبات لمدة ستة أشهر فقط، وقرر أن تكون البطولة بمثابة تحديد لمستقبله.

ورغم كل تلك الأجواء المحبطة وغياب الإمكانيات المادية وعدم تدرّبه على أيدي متخصصين توّج بالمركز الأول، وحصل على الكأس الذهبية في الكويت، بعدما تجاوز كل من شاركوا في البطولة وقتها، ومنهم أبطال عالميون.

قرر السبيعي أن تكون رياضة كمال الأجسام اهتمامه الدائم، وتأكد من أن قدراته الجسدية تناسب اللعبة، لكن السؤال الدائم الذي كان يطارده وقتها إلى أين سيصل في لعبة كمال الأجسام، هل سيماثل اللاعبين الهواة الذين يشاركون في البطولات من أجل جوائزها المالية أم سيكون محترفا وبطلا عالميا يعرفه الصغير قبل الكبير؟

الشريحة الوحيدة التي لديها موقف سلبي من "بيج رامي" هي المعارضة المصرية

بعد أقل من عشر سنوات من انشغاله بهذا السؤال، وتحديدا في ديسمبر من عام 2020، توّج بلقب “مستر أولمبيا”، وهي البطولة الأكبر والأشهر في رياضة كمال الأجسام عالميا، بعد رحلة من المثابرة والتدريبات الشاقة، ليصبح الفائز رقم 16 بالبطولة، ولأول مرة في تاريخ مصر، والثانية في تاريخ العرب بعد اللبناني سمير بنوت الذي حصل على اللقب عام 1983.

لم يكتف بهذا القدر من النجومية والتربع على عرش اللعبة، وإزاحة كبار أبطال كمال الأجسام عن اللقب، بل إنه قرر المشاركة هذا العام أيضا ليحصد البطولة للمرة الثانية على التوالي، وكسر أرقاما قياسية استأثر بها غيره، وتوج باللقب للعام الثاني على التوالي في نسخة البطولة من العام الحالي، متفوقا على الأميركي براندون كوري الفائز باللقب عام 2019، والإيراني هادي جوبان الذي حلّ ثالثا.

كان فوزه بلقب “مستر أولمبيا” للمرة الثانية التي أقيمت في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأميركية أخيرا بالغ الصعوبة، بحكم أنه كان مطالبا بتجاوز 16 لاعبا من مختلف دول العالم، وبينهم مصريان آخران، هما محمد شعبان وحسن مصطفى.

بين عامي 2011 و2021، رحلة كفاح شاقة، وإن كانت بالغة القسوة، لم لا وأسرة “بيج رامي” نفسها كانت من أشد المعارضين لقراره بالانخراط في كمال الأجسام، وطالبته بالابتعاد عنها والتركيز في مهنة صيد الأسماك التي كان يمارسها مثل باقي أفراد عائلته، فقد كانت مصدر رزق العائلة الرئيسي، حيث نشأ في محافظة كفرالشيخ شمال شرق القاهرة الشهيرة بصيد الأسماك.

كان السبيعي وهو صغير يخرج كل صباح برفقة إخوته لصيد الأسماك، وبيعها في أسواق مدينة بلطيم الواقعة في كفرالشيخ، فهو الذي نشأ بقرية “السبايعة”، التي تطل على بحيرة البرلس الشهيرة ويحيطها من الناحية الثانية البحر المتوسط، وتمتهن أغلب عائلات قريته الصغيرة هواية الصيد، للإنفاق على متطلباتها المعيشية.

بعد فترة قصيرة أصبح من أكبر تجار الأسماك في المدينة، حيث يقوم باستلامها من الصيادين وبيعها بالأسواق لصغار أو كبار التجار، وإلى جانب هذه المهنة كان يتلقى تعليمه في الثانوية العامة ليشارك إخوته التسعة الآخرين توفير موارد أسرته، لكنه حصل على مجموع منخفض والتحق على إثره بمعهد الخدمة الاجتماعية التابع لجامعة كفر الشيخ.

ومارس رياضة كرة القدم، كنوع من الترفيه ليس أكثر، لكن تركيز شقيقه إيهاب على التدريب في صالات الجيم وممارسة كمال الأجسام زرع بداخله حبّ هذه اللعبة، حيث كان يذهب معه ليشاهده وهو يتدرب ويبني عضلاته حتى صار شغوفا بها، لكنه أخذ الأمر في بداياته على أنه مجرّد لعبة وليس أسلوب حياة.

ذات يوم سأل نفسه لماذا لا أكون أنا من يغيّر مفهوم قريته، بل كل قرى مصر عن لعبة كمال الأجسام، ولماذا لا يكون بطلا أو على الأقل مدرسا لهذه اللعبة؟

كان التحدي الأول أمامه هو غياب الوفرة المالية، ثم تركيزه مع عائلته على مهنة الصيد وتجارة الأسماك، واستمراره في بيئة قروية تتعامل مع كمال الأجسام بنظرة سطحية.

وقتها سافر عدد من أفراد عائلته إلى دولة الكويت، بحثا عن زيادة مصادر الرزق عبر الصيد في شواطئ الدولة الخليجية، وهناك استثمر الفرصة ليلتحق بإحدى صالات الجيم ليبدأ في تحقيق حلمه الذي راوده في بلدته الصغيرة، وكان يصطاد في الصباح وينهمك مساء في التدريبات حتى اقتنع به بعض المدربين وأبلغوه بأنه سيكون بطلا في اللعبة.

ولأن مهنة الصيد بحاجة إلى الصبر لبلوغ الرزق، فإن هذه الميزة كانت موجودة لدى السبيعي، فمضى في طريقه ولا يهتم بما يتعرض له من معوقات عائلية أو مادية، وبدأ يقرأ عن اللعبة وكيف أن الوصول إلى بطولاتها أمر شاق، يتطلب قدرة على التحمل والصبر مهما كانت التحديات.

 

الاتحاد المصري لكمال الأجسام مقصّر مع بيج رامي بذريعة أن تكاليف "تغذيته" باهظة

انقلبت حياته رأسا على عقب وقرر أن يكون قاسيا على نفسه، من حيث الالتزام الحرفي بالوجبات الغذائية وبذل أكبر قدر من الجهد في التدريبات، ثم النوم والاستيقاظ في مواعيد محددة، والابتعاد عن كل ما يثير الإحباط بداخله، حتى حصد أول بطولة، وهي كأس الكويت الذهبية، التي ساعدته قيمتها المالية كثيرا.

لم يكتف بأول لقب يحصل عليه، فعندما سمع عن بطولة “أولمبيا للهواة” قيل له إنها بحاجة إلى لاعبين يحترفون اللعبة لمدة عشر سنوات للوصول إلى المراكز الأولى، مع أنه حينها لم يكن يمارس اللعبة سوى من عشرة أشهر تقريبا، وقرر أن يكثف في التدريبات ويتقدم للبطولة في 2011، ليتوج باللقب، وهنا كانت بدايات شهرته.

ولأنه كان يتدرب في صالات الجيم الكويتية تلقى عرضا ليحصل على جنسية الكويت ويخوض البطولات باسمها، نظير الإنفاق عليه وتلبية احتياجاته المادية وتوفير رعاة ومدربين، لكنه تمسك بجنسيته الأصلية، رغم أن الاتحاد المصري لكمال الأجسام لم يوفر له الحدّ الأدنى من متطلباته.

تكرر نفس العرض من دولة قطر لتجنيسه مع استمرار احتفاظه بالجنسية المصرية، لكنه رفض مع أنه في أشد الحاجة إلى المال والرعاية والاهتمام، وقرر الاعتماد على نفسه والسعي لتوفير المتطلبات المالية الكبيرة التي يحتاجها أي لاعب كمال أجسام يريد أن يكون بطلا عالميا، وساعده في ذلك البعض من أصدقائه المؤمنين بموهبته.

بدايات “بيج رامي” كانت مع مسابقة “مستر أولمبيا” بالغة الصعوبة، فهي البطولة الأكبر عالميا، لكن أحلامه غير المحدودة جعلته يتمسك باعتلاء منصة التتويج بها، قيل له إن أبطالها خارقون، وسخر منه البعض عندما تحدث إليهم عن شغفه بأن يكون بطلا. ثم أتت بطولة نيويورك للمحترفين في كمال الأجسام 2013 لتكون نقطة تحول حقيقية في مسيرته الرياضية، لأنها المحك لمعرفة مستواه ليكون مرشحا للتقدم إلى بطولة “مستر أولمبيا” أم لا. وبحكم أنه من أشد المؤمنين بقدراته في تحقيق المعجزات طالما توافرت العزيمة تقدم إليها بعد فترة استعداد بالغة القسوة.

وجد في نفسه صفة البطل الذي بإمكانه أن يحطم المستحيل، وشارك في “مستر أولمبيا” عام 2013، لكنه لم يستطع تجاوز المركز الثامن فيها. لم ييأس أو يصب بالإحباط، أو يسمع من بعض المقربين منه أنها لكبار الأبطال فقط، فقرر المشاركة في العام الثاني ليثبت أنه قادر، لكنه تقدم مركزا واحدا ليحصد المرتبة السابعة بين أبطالها.

أدرك أن تقدمه خطوة واحدة يعني بإمكانه الوصول إلى القمة، المهم الصبر وقوة التحمل والإصرار على تحقيق الهدف، فعاود المشاركة في نفس البطولة عام 2015، ليحصد المركز الخامس، واستمر على نفس الحماس ليحتل المرتبة الرابعة في رابع مشاركة عام 2016، ليصل إلى المركز الثاني في البطولة 2017، ثم يتراجع كثيرا في السنة التالية ليكون السادس.

تزامنت خيبة الأمل في استمرار النجاح مع تعرضه لإصابة في الكتف أبعدته عن المشاركة في “مستر أولمبيا” عام 2019، لكنه لم يتوقف عن التدريبات مدفوعا بشغف وحماس دائم بأنه في يوم ما سيكون البطل، وكتب لافتة في صالة الجيم التي يتدرب فيها “عندما يؤمن الإنسان بنفسه ويكون لديه هدف وإصرار وعزيمة سوف يحقق حلمه، مهما طالت الأيام”.

قبل بلوغه منصة التتويج وحصد اللقب الأول في البطولة عام 2020، تعرض لثلاث عقبات يصعب على أيّ إنسان أن يتجاوزها بسهولة؛ الأولى عندما أصيب في الكتف وكان يحتاج إلى راحة طويلة ليتعافى، والثانية عندما تعرض للإصابة بفايروس كورونا، والثالثة كانت بانسحاب كل الرعاة الذين يمولون تدريبه ويجهزونه للبطولة، بسبب التداعيات الاقتصادية للوباء.

وقتها شعرت الشركات الراعية بأن مشوار “بيج رامي” مع كمال الأجسام انتهى، فالإصابة قوية وستبعده لفترة طويلة، وربما لن يعود مرة ثانية، لكنه أراد أن يثبت لأصحاب الشركات بأنهم كانوا يرعون بطلا وليس هاويا، وسيأتي اليوم الذي يطلبون منه الحصول على عقود رعايته بمقابل مادي يحدده عندما يحقق المعجزة.

يتناول “بيج رامي” يوميا، من ست إلى ثماني وجبات، إضافة إلى احتياجه إلى مكملات غذائية وفيتامينات إلى درجة أن عادل فهيم الذي ترأس الاتحاد المصري والعربي والأفريقي لكمال الأجسام، قال إن الاتحاد لا ينفق عليه لأن اللعبة مكلفة للغاية، وميزانية الاتحاد المصري لا تغطي مصاريفه لمدة شهرين.

لم يستسلم، وقرر الاعتماد على أصدقائه ماديا، والالتزام في التدريبات، إلى درجة أن مدربه عندما سأله: لماذا تحمّل نفسك فوق طاقتها وتتدرب ولن تشارك في بطولة 2020، أجابه بأنه لن يتراجع عن حلمه وسيستمر مهما كان الأمل ضعيفا.

شغف المصريين

نشأته قرب بحيرة البرلس جعلته واحداً من أكبر صيادي السمك في منطقته

شاء القدر أن يكافأ “بيج رامي” على صبره وقدرته على التحمل ومثابرته، حيث استقبل دعوة رسمية للمشاركة في البطولة 2020، دون أن يخوض بطولة أستراليا المؤهلة لها عام 2019 بسبب الإصابة، لكن مواصلته التدريبات بقوة ودون انقطاع جعلته يقبل الدعوة ويشارك في البطولة ويحقق اللقب العام الماضي.

لم يكن أغلب المصريين من الشغوفين بمتابعة بطولات كمال الأجسام من الأساس، حتى نجح “بيج رامي” في كسر هذه القاعدة، بعدما صار قدوة ومثلا أعلى للكثير من الشباب في كيفية تحقيق المعجزات وتحدي الصعوبات إلى درجة أن وزارات الدفاع والشباب والرياضة والهجرة، أصبحت تستعين به في لقاءاتها ليروي مسيرته.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button