كيف يمهد الرجال لبناتهم الطريق إلى كرسي القيادة
المشاركة الفعالة للأب في تربية ابنته منذ الولادة تعزز تطلعاتها المهنية
النشرة الدولية –
العرب – يمنية حمدي –
دور الأب في تربية ابنته له أثر كبير على مختلف مراحل حياتها، حيث تشكل العلاقة المتينة بين الأب وابنته أحد أكثر العوامل الملهمة بشكل المستقبل الذي ستعيشه بدءا من أدائها في المدرسة ثم في الجامعة، وبعد ذلك خلال مسيرتها المهنية واختيارها لشريك حياتها.
يساهم الأب بدور كبير في بناء الهيكل العقلي والنفسي لبناته منذ مراحل مبكرة من أعمارهن عبر ما يتعلمنه منه من مهارات وخبرات من خلال الملاحظة والممارسة والتطبيق في الحياة العامة، فترسخ في أذهان العديد من الفتيات فكرة أن جميع الصفات المثالية تتجسد في آبائهن، وقد يكون لهذه العلاقة البناءة بين الطرفين تأثير كبير على مستقبلهن المهني وتجعلهن أكثر تطلعا إلى مراكز صنع القرار، وحتى عندما يفكرن في الزواج فإن اختيارهن يقع في الغالب على الرجل الذي يتميز ببعض الصفات المشتركة مع آبائهن.
لم يحظ دور الأب في التأثير في بناته إلا بالقليل من الدراسة في الأبحاث والدراسات النفسية والاجتماعية، كما أن المجتمعات تلقي غالبا بمسؤولية تربية الفتيات ودعمهن نفسيا وعاطفيا على عاتق الأم، أما العلاقة بين الفتاة وأبيها رغم أهميتها فكانت تأتي في المرتبة الثانية بعد علاقته بأطفاله الذكور، كما تقتصر مسؤولية الأب في بعض الأحيان على توفير النفقات المادية للأسرة، من دون أن
يكون له دور كبير في تربية الأبناء سواء أكانوا ذكورا أو إناثا.
وعلى عكس ما كان سائدا في الماضي، اتجه العديد من الآباء في المجتمعات العصرية إلى محاولة القطع مع العادات المتوارثة في طريقة تعاملهم مع بناتهم والتفاعل السلوكي والوجداني الذي ينبئ بالنمو العقلي والنفسي السليم للفتيات، وأصبحوا يضطلعون بدور أكبر في تربية أبنائهم الذكور والإناث في المنزل، لكن بيئات العمل لم تتغير لتواكب تطلعاتهم.
وأثبتت أبحاث جديدة أن الحياة الاجتماعية للفتيات أصبحت أكثر ثراء وتعقيدا مما كان سائدا في الماضي، وهو ما يعني أن العلاقة بين الأب وابنته كشأن علاقتها بأمها، قوامها الارتباط العاطفي وإدراك احتياجاتها النفسية والعاطفية والاستجابة لها.
كما تلعب مشاركة الأب الفعالة في تربية ابنته منذ الولادة، ومساعدته لزوجته في القيام بالمهام المنزلية من غسيل الأطباق والملابس وغيرها من المهام، دورا رئيسيا في ترسيخ مفهوم المساواة العادلة بين الجنسين، وبالتالي تعزيز التطلعات المهنية للفتيات.
وكشفت بعض الدراسات أن تأثير العلاقة السليمة بين الأب وابنته ليس أقل أهمية من تأثير علاقتها بأمها، وتطور شخصية الفتاة يتأثر بشكل كبير بنوعية الدور الذي يؤديه الأب في تربيتها.
ولاحظ خبراء أن الفتيات قد يحصلن على درجات أكاديمية أفضل من الفتيان، إلا أن نجاحهن في التعليم لا تعقبه مزايا مشابهة في سوق العمل، مشيرين إلى أن المشكلة لا يقف خلفها التمييز ضد جنسهن في سوق العمل، بل لأن معظمهن يتحفظن في التقدم لشغل مناصب قيادية، ويمكن أن يكون لذلك علاقة بإهمال الآباء لواجباتهم التربوية تجاه بناتهم، وأساليب الضغط والقسوة تجاههن، في حين قد تكبر الفتيات مع أهداف مهنية أوسع في الأسر التي ينخرط فيها الآباء أكثر في تربية بناتهم ويتحلون بالتعاطف والتفهم ويقضون أكثر وقت معهن، ولا يرفضون طهي الطعام أو المشاركة في أعمال المنزل، فهم بذلك يتركون تبعات واسعة النطاق على صحة بناتهن النفسية ويجعلونهن أكثر ثقة بأنفسهن وتقديرا لذواتهن.
ويرى مختصون في علم النفس أن الرسائل التي تستخلصها الفتيات في مراحل أعمارهن المبكرة من التقسيم التقليدي للأدوار بين الأم والأب يمكن أن تستمر معهم إلى حين وصولهن إلى سن العمل وخوضهن غماره، وهو ما يعني أن ثمة إمكانية كبيرة بأن يؤثر ذلك على مستقبلهن وتوقعاتهن الوظيفية، ويضع الكثير من القيود على تطلعاتهن المهنية.
وأرجعت الأخصائية النفسية السعودية نوف شفلوت سبب عدم ثقة المرأة في نفسها إلى مراحل الطفولة المبكرة وتقمص الفتيان والفتيات أدوارا تقليدية تفرضها عليهم التربية الأسرية بطريقة لا شعورية.
وقالت شفلوت لـ”العرب”، “تنشئة الفتيات داخل الأسرة تخضع في الغالب إلى الثقافة الاجتماعية، وبالتالي فالبيئة الأسرية التي تنشأ فيها الفتاة هي التي تؤثر على ثقتها في نفسها، فإما أن تحفزها أو تضعفها”.
وأضافت “تواجه الفتيات منذ مراحل أعمارهن المبكرة ضغوطا مكثفة داخل وسطهن الأسري والاجتماعي وفي وسائل الإعلام، وفي مواقف الآخرين الرافضة لاقتحام الفتيات مجالات ينظر إليها على أنها خاصة بالذكور”.
ومن جانبها لفتت مروة بن عرفي المختصة التونسية في علم النفس السريري إلى أن الرجال الذين يثنون على مبدأ المساواة بين الجنسين لفظيا، فيما يحتفظون بالتقسيم التقليدي للعمل في المنزل، تكون بناتهم أكثر عرضة لتصوّر أنفسهن في وظائف تقليدية.
وقالت بن عرفي لـ”العرب”، “دور المرأة في المجتمع ما هو إلا صورة ذهنية كباقي الصور التي خزنتها الفتيات منذ الصغر في ذاكرتهن ويتصرفن بموجبها في حياتهن، وليس وفق ما يتطلعن إليه أو يحتمه عليهن الظرف الاجتماعي”.
وأشارت إلى أن الدروس التي تستخلصها الفتيات من التقسيم التقليدي للأدوار بين الأب والأم المهنية بشكل هائل، ويغذي الفجوة في الراتب بين الجنسين.
ويرى الدكتور أمجد العجرودي، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان في مصر، أن فترة المراهقة تعد من أكثر المراحل التي تحتاج فيها الفتاة إلى أن تكون قريبة من والدها، لأنها تكون نفسيا قد بدأت تتشكل كامرأة وتريد أن تتعرف على الجنس الآخر بشكل أعمق، ويكون أول من تصادف في حياتها من هذا الجنس هو الأب، ما يجعل علاقة الأب بابنته في تلك الفترة هامة جدا لأنها تتحكم في مدى توازنها النفسي.
وأكد العجرودي على أهمية وظيفة الأب في العملية التربوية للفتاة، مشيرا إلى أن تأثر الابنة بأبيها لا يقتصر على أمور محددة، بل ينسحب على الترابط الفكري والعاطفي، ويساهم ذلك إلى حد كبير في تكوين شخصيتها وثقتها بنفسها وفي توجّهاتها العلمية والعملية.
وشددت جينا ريبون عالمة بريطانية في علم الأحياء العصبية على أن القوالب النمطية الشائعة مثل عدم قدرة المرأة على قراءة الخارطة وأن الرجل لا يمكنه القيام بعدة مهام في وقت واحد، لا علاقة لها بالعقل ولا يوجد دليل عليها في العلم.
وأشارت إلى أن الاختلاف بين الرجل والمرأة سببه الوحيد هو العالم الذي يعيشون فيه ويعمل على تحديد أدوار وظيفية معينة لكل جنس، موضحة أن كلا من الرجل والمرأة يملك عقلا متماثلا في الشكل ولا يمكن التفريق بينهما، لكن توجد أدلة على أن الاختلافات البسيطة بينهما سببها البيئة المحيطة وليست البيولوجيا، وأوضحت أنه يتم قولبة الفرد منذ الصغر للقيام بدور وفق نوعه.