عودة العرب إلى سوريا أم عودة سوريا إلى العرب؟
"تبدو التسوية صعبة حتى بين طرف قوي هو النظام وطرف ضعيف هو المعارضة"
النشرة الدولية –
المشهد ليس متحركاً في سوريا على مسافة أشهر من دخول الحرب عامها الحادي عشر، الأزمة والحرب والعزلة في ستاتيكو. لا طرف يستطيع حسم الوضع نهائياً. لا أحد ربح كل شيء، ولا أحد خسر كل شيء، لكن الخاسر الأكبر هو الشعب الذي صار 90 في المئة منه تحت خط الفقر. لا استقرار مضموناً في الداخل، ولا استقرار إقليمياً لأن من أسبابه مضاعفات حرب سوريا. مساعي الموفد الدولي، غير بيدرسون، لفتح الباب أمام تسوية سياسية للأزمة التي قادت إلى الحرب فشلت حتى في فتح نافذة صغيرة في الحوار حول دستور جديد ضمن اللجنة الدستورية. ومحاولات فك العزلة بجهود روسيا ورغبة بعض العواصم العربية في احتضان دمشق بحجة نزعها من “الحضن الإيراني” لا تزال محدودة وخجولة. الجزائر المتعاطفة مع النظام السوري تراجعت عن دعوته إلى حضور القمة العربية في مارس (آذار) المقبل. والجواب الذي تلقته من عواصم عربية عدة هو أن الوقت ليس ناضجاً لاستعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية.
ذلك أن ما تصر عليه دمشق هو عودة العرب إلى سوريا. وما تحرص عليه عواصم عربية مؤثرة هو عودة سوريا إلى العرب والجامعة. والفارق بين الأمرين كبير. عودة العرب إلى سوريا تعني بمنطق النظام أن العرب “أخطأوا في عزلها، وعليهم تصحيح الخطأ”. وبين المتشددين في العاصمة السورية من يقول “إن العرب عزلوا أنفسهم” عن سوريا. والمعنى العملي لذلك أن على العرب التطبيع مع النظام كما هو من دون أي تغيير بعد كل ما حدث في الحرب. وعودة سوريا إلى العرب تعني الذهاب إلى تسوية سياسية بحسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 وإعادة نصف شعبها من اللجوء والنزوح، وإخراج إيران منها. وهذه أيضاً الشروط الأميركية للتشجيع على فك العزلة والمساهمة في إعادة الإعمار. وهي شروط الاتحاد الأوروبي الذي أعلن بوضوح “أن الانتخابات الرئاسية السورية الأخيرة لا تفي بالمعايير المحددة في القرار 2254، ولا يمكن أن تسهم في تسوية الصراع، ولا تؤدي إلى إجراء للتطبيع الدولي مع النظام السوري”، فضلاً عن تجديد العقوبات والإشارة إلى أن الاتحاد قدم 25 مليار يورو مساعدات للاجئين السوريين خلال عشر سنين.
والمشهد، تكراراً، حمّال أوجه: النظام استعاد بعض قوته، ولا يزال موحداً. المعارضون ضعفوا وتفرقوا… “داعش” لا يزال في البادية، ويقوم بعمليات. روسيا تمسك باللعبة العسكرية، لكنها لا تستطيع إدارة اللعبة السياسية بالكامل. تركيا تحتل مساحة من شمال سوريا. جبهة النصرة وبقية المنظمات الإرهابية تسيطر على محافظة إدلب وأماكن في محافظات أخرى. إيران وميليشياتها تتوسع عسكرياً من البوكمال على الحدود مع العراق إلى ريف حمص وريف دمشق والقلمون على الحدود مع لبنان، وصولاً إلى الساحل السوري. وأميركا مع الكرد في شمال شرقي سوريا الغني بالنفط والزراعة، والممتد على مساحة 30 في المئة من البلد. ولا مخرج من هذا الستاتيكو إلا بتسوية سياسية للأزمة التي من أجل حلها بدأت التظاهرات الشعبية السلمية قبل مواجهة التظاهرات بالعنف، ثم الذهاب إلى الحرب.
لكن التسوية تبدو صعبة حتى بين طرف قوي هو النظام، وطرف ضعيف هو المعارضة. روسيا فشلت في دفع النظام إلى تقديم تنازلات. وتحدث الموفد الرئاسي ألكسندر لافرينتييف عن “انطباع خاطئ بأن وجودنا العسكري في سوريا يعني أن لدينا كل أدوات التأثير على دمشق وإصدار الأوامر الملزمة لها. فنحن لا يسعنا سوى النصح وتقديم بعض التوصيات، لكن القرار في دمشق”. والمشكلة هي صعوبة المشاركة بالنسبة إلى النظام. فهو مبني على الأحادية بعد مرحلة قصيرة من المشاركة بين ضباط “البعث” والضباط الناصريين في ثورة 1963 انتهت بمحاولة ناصرية للانقلاب وقمع بعثي لها.
عام 1966، حدث انقلاب على مؤسس “البعث”، ميشال عفلق، ورفيقه رئيس الوزراء صلاح البيطار، ووزير الدفاع محمد عمران، ورئيس مجلس الرئاسة، أمين الحافظ، بقيادة صلاح جديد وحافظ الأسد. وفي عام 1970 انقلب حافظ الأسد وفريقه على صلاح جديد وفريقه من ضباط ومدنيين، بينهم الرئيس الدكتور نور الدين الأتاسي، ورئيس الوزراء الدكتور يوسف زعين. وصار الرئيس والحاكم الوحيد حتى رحيله عام 2000 حين خلفه نجله بشار، ولا يزال.
والمأزق واضح: من دون تسوية سياسية ومشاركة، لا إعادة إعمار، ولا عودة كاملة إلى الحضن العربي، ولا خروج لإيران، ولا انسحاب للقوات الأميركية والتركية، ولا نهاية لـ”داعش” والإرهاب. والستاتيكو الحالي يعني بقاء الحرب والأزمة والعزلة وتقاسم سوريا بين “خمسة جيوش” كما اعترف غير بيدرسون.