قصة قصيرة… الغول

النشرة الدولية –

د. لوريس الراعي

وتلتقي ، أحياناَ ، أناسا ينتظرون كما تنتظر ، يتطلعون إليك كما تتطلع إليهم ،يأخذون المبادرة ويبتسمون ، فتبتسم .

وهكذا دخل وجلس قربها وبدآ يتحدثان ، حتى سألها :

– عزباء ؟

– أجل !

– جميلة ، مثقفة ، عاملة ،صريحة ، ناضجة ، وعزباء ؟ أهي مشكلة الرجل الذي لم يقبل نموذجاَ كهذا للزوجة ، أم هي مشكلة المرأة التي ما تزال تنظر إلى الزواج كرتبة إجتماعية ينبغي الحصول على أعلاها ؟

– لا هذا ، ولاذاك !

– يعني ؟

– مشكلتي هي مع ذاتي ، مع مبادئي واحترامي لكياني . إذ أحببتٌ ،  وأنا في التاسعة عشرة ، شاباَ يكبرني بسنتين ويبادلني حباَ كبيراَ يتجدّد في كل مرّة يأتي فيها إلى لبنان ، على أمل أن ينهي دروسه في الخارج لنكون ، بعدها ، في أي بقعة من ألأرض تجمعنا وأحلامنا . . .

قد لا تصدّق إذا قلتٌ لك ، إني توصلتٌ إلى مرحلة كنت أحدس فيها بأحواله ، وأشعر بمرضه أو حزنه . وآخر هذه الوقائع ، كانت ، عندما نهضت من فراشي صباحاَ ، لأقول لأمي ، أن حبيبي في لبنان ، وإنه لم يعلمني بمجيئه !

ثم حرت في أمري ، وسط سخرية أمي وتسلّط حدسي ، إلى أن إتصلت بأهله ، وأتاني صوته مخنوقاَ في أكثرية كلماته ، بعد أن أخذ التلفون يرتجف في يدي ، وكأن به مساََمن الكهرباء .

ولما إلتقينا ، لم أسأل أهله عدم إتصالهم بي ، لملاقاة حبيبي معهم إلى ألمطار كما جرت العادة ، كما لم أتطلع إلى نظرات شفقة حٌدٍجتً بها ، لمّا إرتميت في حضنه وقد أخذني بين ذراعيه ودار بي مرات عديدة ، راحت فيها عيناي تلاحقان شفتيّ ، وترقصان حوله بخفّة وطفولة .

ثم مرّ إسبوع كان فيه غير الذي عرفته ، وهو يحاول ” كبس ” حبه إلى حنان وأخوّة وصداقة . ولما غادر ترك لي رسالة يقول فيها :

-“الحياة في الخارج غول ، وأنا تزوّجتٌ من أجنبية لأحصل على إذن بالإقامة والعمل …لا أجسر على قول إنتظريني ! ”

وانصرفتٌ إلى العمل علّني أوازن به عدم توازني ، في محاولة للإستيقاظ من صدمتي و علّتها ، التي تجسدّت في حبيبي الذي إتكأ على ألأرض ، وسلّم لها روحه .

– أما زلتٍ تحلمين بعودته ، وعودة ماضيكما بامتداده المستقبلي ؟

– أتذكره أحياناَ ، ولكن قلبي لا ينبض له ، ويديّ لا تتلمّس مواقع يديه ! أتذكره ألآن وأتذكر معه شخصاَ آخر ، ظننتٌ أن ألله أوجده لي ليذكرني بوجوده وبجمال مخلوقاته . في النهاية أقسم لكً بأني غير واثقة من الدم الذي يجري في عروقي ، وأظنّ أنه تجمّد !

-لم أفهم شيئاَ ، ما هو الموضوع ؟

– لما دعتني صديقتي إلى العشاء ، في منزلها الزوجي ، تنبهتٌ لنظرات ” شقلتني ” لمرّات من غير أن أجرؤ على التفكيرفيها ، بعد أن أوصدتٌ فؤادي منذ سنوات عديدة .ولكني توقفتٌ طويلاَ أمام جرأة صديق زوج صديقتي ، ووقاحته ، وهو يٌفهمني أنه يعرف حكايتي بالكامل وأنه معجب بي ، وظلّ يلحّ عليّ حتى أخضعني ، وأعاد إليّ المرأة التي إستسلمت للبكاء على كتف الرجل الذي ضرب على وتر ضعفها حتى إشتدّ…ثم بدأنا حكاية واقعية طوّرنا خلالها إعجابنا المتبادل غاية الوصول إلى حياة مشتركة متناغمة في خطوطها العريضة ، ومتكئة في جانب كبير منها على اللحمة التي تخلقها العائلة والأطفال في ألإستقرار المنزلي .

وكان يوم ، غاب فيه عني بسبب مجيئ عمته وعائلتها من الخارج ، ثم أخذ غيابه يطول وصبري ينفذ مع بدء إحساسي بوجود إمرأة غيري في حياته .

ولم يمرّ وقت طويل حتى أيقنتٌ أن ” غولاَ “قد جاء ليقدم تأشيرة خروج من البلاد إلى عالم أكثر توازناَ …

ولما جاء يسألني نسيانه لأنه ، وعلى قوله ، غير جدير بي ، سألتٌه عن إبنة عمته وطلبتٌ إليه إبلاغها سلامي .

– هكذا إذن ” نصيب ” لم تصيبي منه إلا المرارة !!! قال لها الرجل .

– ولكن الحياة مستمرّة ! وأظنّ أنني سأتغلب عليها ، شاءت ألأقدار ذلك أم لم تشأ !

– عظيم ، ولكن كيف ذلك ؟ أجابها الرجل .

– قرّرت أن أكون غولاَ ، وسأكون !

– من مجموعتي القصصية ” المحطة ” الصادرة عام 1995 ، صفحة :34-35-36 . . . وهي واقعية أيضا ، بعدما أخذت دور الرجل المحاور .

زر الذهاب إلى الأعلى