وزير الخارجية اللبنانية: إستقالة قرداحي أوقفت الانهيار في العلاقات اللبنانية ـ السعودية
النشرة الدولية –
نداء الوطن – غادة حلاوي –
لا تحتاج أزمة لبنان المالية إلى الكثير من الجهد لإثباتها، لكن ان تصل الأوضاع الى حد عجز وزارة الخارجية عن تغطية نفقات الضيوف الاجانب من سياسيين وديبلوماسيين فتلك سابقة تستدعي التحسّر على لبنان وسابق عهده.
منذ وصل الى مكتبه في الوزارة استعان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب بصديق لتأمين القرطاسية للمكاتب، وصديق آخر أمّن نفقات سفره، وثالث حسم له فاتورة استضافة الضيوف من المسؤولين الاجانب. وصلت الحال الى حد لا يمكن تصورها، لكن ان يخطر لحاكم مصرف لبنان ان يقلّص نفقات البعثات الدبلوماسية من عنده “وبيجي بدو يقصّنا نهائياً” ومن دون استشارة الوزير، أمر لا يمكن السكوت عنه والا “فليأخذ مجلس الوزراء قراراً باقفال السفارات والوزارة نهائياً”.
باستغراب يتحدث عبدالله بو حبيب عن قرار حاكم مصرف لبنان الأخير، معلناً انه اتفق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على مطالبة وزير المالية بوقف العمل به “علينا التزامات يجب تسديدها، واذا كان الحاكم ضد التخلف عن دفع ديون لبنان، فكيف نتخلف عن دفع التزاماتنا؟ لا يجوز اتخاذ خطوات عشوائية. وليسألوا قبل اتخاذ اي خطوة”.
-ألم تسأل مسبقاً عن رأيك بالموضوع؟
– ابداً.
يؤكد بو حبيب أن القرار لم يبن على أسس واضحة، في وقت أعدت فيه وزارة الخارجية خطة مفصلة عن امكانية تقليص النفقات من دون المس بمستوى تمثيل لبنان الديبلوماسي وصورته في الخارج. وبلغة الارقام يقول بو حبيب “تبلغ ميزانية الخارجية 115 مليون دولار سنوياً، قسم كبير منها يدفع بدل اشتراكات لمنظمات دولية واقليمية اي ما نسبته بحدود 30 مليون دولار. كانت الموازنة على اساس أن سعر الدولار 1500 ليرة، بينما رفع سعر الصرف الى 18 يفترض موازنة مغايرة”.
ومن ضمن الـ 115 مليوناً، هناك 85 مليون دولار بدل نفقات خارجية، ورواتب الديبلوماسيين التي تصل إلى 30 مليون دولار. كما يدخل ضمن موازنة الديبلوماسيين ايضاً مصاريف الايجار، وبدل امتلاك سيارة، وتأمين صحي وبدل مدارس. معظم الحكومات تغطي مثل هذه النفقات. ويدخل ضمنها ايضا التمثيل. عندما ينتقل هؤلاء الى لبنان يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، ولا تزيد قيمة رواتبهم على 400 دولار اميركي.
وضمن الميزانية يدخل مبلغ مليوني دولار للملحقين الاقتصاديين. نقوم بعملية تقييم لعملهم لتبيان ضرورة استمرارهم في مراكزهم. ليس بمقدوري وحدي الغاؤهم. يلزمنا ديبلوماسيون اقتصاديون ولن الغي المنصب دفعة واحدة مثلما أشيع في اوساط الخارجية، ولكن ندرس الموضوع مع وزير الصناعة وغرفة الصناعيين حيث تم الاتفاق بينهما على فائدة وجودهم فسألتهم لماذا لا تغطون نفقاتهم اذاً؟ لا اريد خراب بيوتهم ولكن المطلوب ان نعرف نتائج عملهم على مدى العامين الماضيين وتصورهم لعملهم في العامين المقبلين وعلى هذا الاساس سيتخذ القرار.
وتبلغ النفقات التشغيلية اي بدل ايجارات مكاتب ومنازل للسفراء وموظفين محليين ونثريات، بحدود 53 مليون دولار تقريباً، مقسمة ما بين الموظفين المحليين (26 مليون دولار سنوياً)، والمقصود بهم من تتم الاستعانة بهم من داخل الدولة، وقسم كبير من هؤلاء يعيّنهم سياسيون. قلت للمعنيين ان الاوضاع لا يمكن ان تبقى على ما هي عليه. فمنعنا تعيين بديل لاي موظف يترك عمله او يبلغ سن التقاعد، وندرس أوضاع كل بعثة على حدة لنعرف حجم تقديماتها ومدخولها ومستوى عملها السياسي مقابل كلفتها، وعلى هذا الاساس نبحث في حاجتها لموظفين محليين.
وضمن الـ53 مليوناً يدخل بدل الايجارات وحجمه 10 ملايين دولار. لغاية اليوم، القسم الاكبر من السفارات مستأجر، تم تقليص عدد الايجارات بحدود 25 بالمئة، وطلبنا من السفراء البحث عن ايجارات اقل كلفة، بالإضافة الى 17 مليوناً نثريات اي 85 مليوناً.
يبلغ مجمل تكلفة الرواتب والنثريات للديبلوماسيين في لبنان 16 مليون دولار ومساهمات وايجارات 14 مليون دولار، وهذه الاخيرة طلبت حذفها من ميزانية وزارة الخارجية وتوزيعها على الوزارات كل حسب اختصاصها. مثلا الفاو يجب ان تلحق بوزارة الزراعة وتدخل ضمن ميزانيتها. الاسكوا وحدها ثمانية ملايين فلا اعرف لماذا يتوجب على الدولة أن تدفع هذا المبلغ سنوياً. وبذلك نوفر ما يقارب 15 مليون دولار، ويبقى 100 مليون.
يؤكد بو حبيب وجود “حاجة ماسة لإعادة فهرسة رواتب الديبلوماسيين في الخارج، وتعديلها. هناك سفارات يمكن تعديل رواتب الديبلوماسيين فيها واخرى يجب خفضها لنوفر 2,10 مليون دولار اي ما نسبته 10 بالمئة كبداية، وبدل ايجارات 25 بالمئة يمكن خفضها”.
ويعلن بو حبيب عن زيادة الواردات من 13 مليون دولار سنويا الى 20 مليوناً نتيجة زيادة الرسوم في السفارات حسب الدول.
أظهرت الدراسة وجود 12 سفارة وقنصلية يمكن الغاؤها، بناء على النفقات والواردات والقيمة الديبلوماسية “فرنسا مثلاً لا يمكن الغاء سفارتنا فيها بينما دول اخرى لا فائدة سياسية ولا مالية لوجود تمثيل على اراضيها، وتوجد سفارات ليس لها مردود مرتفع لكن الغاءها غير ممكن ويثير ضجة سياسية وتقوم القيامة لو الغيت فيصعب اقفالها”.
وهناك ايضا موازنات السفر للوزارات الواردة ضمن موازنة الخارجية والتي “طلبنا توزيعها بين الوزارات لان معارضة سفر اي وفد في وزارة اخرى غير ممكنة فضلاً عن وجود وزارتين تستهلكان اكثر من نصف الموازنة، لا يمكن رفض صرف الاعتمادات على سفر بعثاتها مع العلم يمكن انفاق هذه المبالغ على امور اخرى اكثر نفعاً. كلها دهاليز توضع على كاهل الخارجية والافضل نقلها الى الوزارات ليقرر كل وزير ضرورات السفر وفق ميزانية وزارته”.
بدلات التمثيل وضمنها مخصصات طاهٍ تراجعت من 1.5 مليون الى 275 الفاً و”في نيتي توقيفها بعد دراسة كل بلد على حدة وفق الحاجة”.
يحاول بوحبيب من خلال الخطة المعدة “تقليص النفقات من مئة مليون الى ما دون 85 مليون دولار سنوياً. وبدأنا نطالب المكاتب الدولية باعفاءات لمدة سنة او سنتين”.
ويدخل ضمن الخطة التشكيلات الديبلوماسية خاصة للديبلوماسيين المتواجدين في الخارجية ورواتبهم لا تتجاوز 70 دولاراً شهريا “وحقهم في التشكيلات” لكن هذه “يلزمها توافق سياسي”، فضلاً عن العمل على تصحيح هيكلية الوزارة الادارية، والتي يفرضها “وجود سفراء يرفضون العمل، وآخرين يرفضون العمل بإمرة مسؤوليهم”.
هي خطة بعيدة المدى وطموحة ولكنها تتطلب وقتا؟ يقول رئيس الديبلوماسية اللبنانية “اذا اجتمعت الحكومة يمكن بتها بسرعة”. فمتى يجتمع مجلس الوزراء اذا؟ يجيب “لا أعرف وأخاف ان أسأل خوفاً من الاجابة. اسألهم ولا اتعمق بالسؤال واكتفي بان لا جلسة لمجلس وزراء”.
من الشؤون الداخلية الى الخارجية، وتحديداً الى العلاقات السعودية اللبنانية، يجيب بو حبيب على سؤال عن النتائج التي حققها لبنان بعد استقالة وزير الاعلام السابق جورج قرداحي بحزم “نعم كانت لها نتائج، اوقفت الانهيار في العلاقات اللبنانية السعودية لغاية اليوم وهذا أمر مهم”. يكتفي بهذا القدر من الحديث قائلاً “لا اريد ان ادخل في ما هو ابعد من ذلك”. يفصح عن مداولاته مع الديبلوماسيين الغربيين فيقول “ما سمعته من كل الوزراء الذين التقيتهم خلال الجولات الاربع التي قمت بها بأن هناك تفهماً بأن الذراع العسكري لـ”حزب الله” اقليمي ولكن هل من الضروري ان يهاجموا السعودية”. ولكن ألم تسألهم عما اذا كانوا طلبوا من السعودية عدم مهاجمة “حزب الله”؟ يقول”لم تبحث هذه النقطة”. لكنه يعتبر ان من واجباتنا كلبنانيين “ان نمنع قدر الامكان تصدير المخدرات لاي بلد عربي وغير عربي ولا سيما السعودية والخليج حيث شريحة واسعة من اللبنانيين” ليؤكد “آخر ما نتمناه الاساءة للعلاقات بيننا وبينهم لذا كان الاصرار على استقالة قرداحي”.
تمت الاستقالة لكن السفير السعودي لم يعد بعد؟ يجيب بو حبيب “لا ولم يعد كذلك سفيرا الكويت والبحرين ولم يعد سفراء لبنان الى مقر عملهم” مرجحاً ان يكون مثل هذا الاجراء رهن اجتماع مجلس التعاون الخليجي الذي “سيقرر بلا شك خطوة ما تجاه لبنان والكل بانتظار ما سيخرج به الاجتماع”.
وعن مدى ارتباط الملف اللبناني بملفات المنطقة يقول “في آخر المطاف لا احد يحل مشاكل لبنان الا اللبنانيون لان كل الفئات اللبنانية الرئيسية لديها ارتباطات خارجية ولذا ننتظر من استحقاق الى آخر، ولكن اي من هذه الاستحقاقات يمكنه حل قضايانا الداخلية. عدم اجتماع مجلس الوزراء قضية داخلية صرف ونعجز عن حلها، والمفاوضات السعودية الايرانية مهمة لنا لكنها لا تحل مشاكلنا بل تخفف حدة المواقف، وأقل تأثيراً هي المفاوضات النووية”.
عندما جمع بو حبيب مراسلي الصحف الخليجية كان في نيته تأكيد حرص لبنان على علاقاته مع دول الخليج وامتنانه لاستضافتهم هذا العدد من اللبنانيين لولا ان صودف وجود من أراد الاستثمار في ما قاله وتصويره على غير فحواه الاصلي ومع ذلك يقول “لست نادماً واؤكد ما قلته كما أؤكد متانة العلاقة مع الجميع”.
يؤكد تأييد لبنان لعودة سوريا الى جامعة الدول العربية، اما عودة العلاقات الطبيعية بينها وبين لبنان فهذه قصة مختلفة حيث يقول”حين يكون البلد ضعيفاً فلا يمكنه التغاضي عن القرارات الدولية الموجودة ضد سوريا في الامم المتحدة وأخرى اميركية وهذه تجعل التعاطي ضمن حدود”. خاتماً بالتأكيد على وجود “اجماع دولي لمساعدة لبنان شرط ان يساعد اللبنانيون انفسهم. يقولون عدم اجتماع مجلس الوزراء من صنع اللبنانيين ويجب حل هذا الموضوع والاتفاق مع صندوق النقد انتم أخّرتم ولو تم قبل عامين لانجزتم خطوات معينة”. ويضيف “الغرب يحبذ بقاء لبنان ذا وجه عربي وغربي لان من المهم لهم بقاء بلد متنوع بآرائه يمكن التنقل فيه ومعرفة احوال دول اخرى من خلاله” معيداً التذكير بسياسة النأي بالنفس “ليس فقط عربياً بل دولياً. هناك خلافات بين الدول الكبرى تمنعنا من اخذ مواقف نصفية حيالها من أجل الاستفادة منها مثلما يفعل غيرنا”.