أزمة الليرة في تركيا لامست حاجز الـ15 مقابل الدولار الواحد ما جدوى تدخلات “المركزي”؟ وهل تهدأ الأسواق؟

النشرة الدولية –

الحرة –

للمرة الرابعة منذ بداية شهر ديسمبر الحالي، أعلن البنك المركزي التركي تدخله في الأسواق من أجل دعم سعر صرف الليرة التركية، التي تواصل انخفاضها في سوق العملات الأجنبية، لتلامس حاجز الـ15 مقابل الدولار الواحد صباح الإثنين.

وبينما يقول البنك المركزي إن تدخله يأتي “نظرا لتكوينات الأسعار غير الصحية التي تظهر في أسعار الصرف”، يرى اقتصاديون أن هذه الخطوة “لم تحدث أي خرق حتى الآن في تعديل مسار الليرة”.

وصباح الإثنين، افتتحت الأسواق في البلاد على سعر جديد وغير متوقع لليرة، استنادا لعدة اعتبارات، في مقدمتها حالة الترقب المفروضة لما ستخرج منه الجلسة التي سيعقدها البنك المركزي، الخميس المقبل.

وهناك توقعات أن يتجه البنك لخفض جديد في سعر الفائدة، ما سيعمق من قيمة تدهور العملة.

ومع تخفيض سعر الفائدة الإجمالي بمقدار 400 نقطة أساس منذ سبتمبر الماضي، فقدت الليرة التركية أكثر من 70 في المئة من قيمتها مقابل الدولار.

وسرعان ما انعكس ذلك على الأسواق، والتي تشهد ارتفاعا في مختلف أسعار المواد، الغذائية منها والصناعية.

“قمة اقتصادية”

في الوقت الذي أعلن البنك المركزي عن تدخلاته الأربعة في اتجاه البيع في الأسواق لم يحدد قيمة هذا الأمر، فيما ذكرت وسائل إعلام معارضة، بينها صحيفة “سوزكو” أن التدخلات تتراوح قيمتها ما بين 1.5 مليار إلى 2 مليار دولار.

ومنذ بداية الشهر الحالي أُعلن عن التدخلات بصورة متواترة، وفي فترة زمنية متقاربة، واللافت أنها جاءت في الوقت الذي بدأ فيه سعر صرف الليرة بكسر حاجز الـ14 ليرة مقابل الدولار الواحد.

وكان التدخل الأول، في الأول من ديسمبر، بينما جاء الإعلان الثاني في الثالث من الشهر ذاته، ومن ثم الثالث في اليوم العاشر من الشهر.

ويقول الأستاذ الجامعي والدكتور في الاقتصاد، مسلم طالاس، إن التدخلات تأتي عادة “لتثبيت سعر صرف الليرة التركية عند مستوى معين”.

ويضيف طالاس لموقع “الحرة”: “لكن يبدو أن النتائج معكوسة بسبب عدم ثقة السوق بالسياسة النقدية”.

وهناك تضارب في الرقم الحقيقي لاحتياطي البنك المركزي من العملات الصعبة.

وقبل شهرين، قال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، إن “احتياطي المصرف المركزي التركي بلغ 122 مليار دولار”، مؤكدا على تصميم الحكومة على خفض التضخم لخانة الآحاد، عبر اتخاذ خطوات إصلاحية عديدة.

وهذا الرقم يؤكده أيضا محافظ البنك، شهاب قافجي أوغلو، بينما تشكك المعارضة فيه، وتقول إنه أصغر بكثير من ذلك.

ما جدوى التدخلات؟

ومن المقرر أن يعقد إردوغان “قمة اقتصادية”، عصر الإثنين، وذكرت وسائل إعلام رسمية أنه سيجتمع مع وزير الخزانة والمالية، نور الدين نباتي، ومحافظ البنك، شهاب قافجي أوغلو، بالإضافة إلى مدراء لثلاثة بنوك، هي: “خلق بنك” و”وقف بنك” و”زراعات بنك”.

وتأتي القمة بعد ساعات من تجاوز سعر صرف الليرة حاجز 14.5 للدولار الواحد، وعقب إعلان البنك المركزي تدخله والترقب السائد عما سيعلن عنه بعد أيام بشأن سعر الفائدة.

وفي تصريحات لوسائل إعلام تركية، صباح الإثنين، قال وزير المالية إنهم عازمون على عدم زيادة أسعار الفائدة.

وفي حديثه عن نموذج الاقتصاد الجديد، والذي يسمى أيضا بـ”النموذج الصيني”، أضاف نباتي: “لا، أبدا! نموذجنا في الاقتصاد هو النموذج التركي”.

وتابع قوله: “أؤكد أنه لا يوجد هجوم خارجي، هناك عمليات تلاعب ومضاربة من الداخل، والمصرف المركزي يتحرك ضدها”، مشيرا إلى أن “الاقتصاد التركي سيتعافى بسرعة”.

بدوره يرى طالاس أن خيار تدخل البنك المركزي لدعم سعر صرف الليرة “يبقى محدودا ولفترة محددة، وبمقدار يبقي الاحتياطي ضمن حدود آمنة”.

ويقول الخبير الاقتصادي: “المشكلة هنا أن رقم الاحتياطي قد يكون محل شك، وهذا يجعل نتائج التدخل بالاحتياطي كارثية، لأن الأسواق ستتوقع الأسوأ بعد نفاذ الاحتياطي وتتصرف على أساس ذلك”.

أما الخبير الاقتصادي التركي، أوزغور دميرتاش، يضيف أن جميع الدولارات التي بيعت الأسبوع الماضي حتى لا تتجاوز الليرة مستوى 14 “ضاعت”، في إشارة منه إلى عدم جدوى تدخلات البنك المركزي.

وهذه الرؤية أكدها أيضا اقتصاديون تحدثوا لصحيفة “سوزكو” المعارضة، حيث قالوا إن التدخلات الثلاثة السابقة للبنك المركزي “لم تستطع السيطرة على الزيادة في أسعار الصرف”.

أسعار المواد الغذائية والصناعية شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأسواق التركية
أسعار المواد الغذائية والصناعية شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأسواق التركية

“فائض”

على الطرف المقابل، استعرضت صحيفة “يني شفق” المقربة من الحكومة، الإثنين، بيانات ميزان المدفوعات لشهر أكتوبر الماضي.

وقالت الصحيفة: “بينما حقق الحساب الجاري فائضا قدره 3 مليارات 156 مليون دولار، في أكتوبر، أصبح عجز الحساب الجاري لمدة 12 شهرا 15 مليارا و425 مليون دولار”.

وبحسب الصحيفة، فقد حقق الميزان التجاري الخارجي المعرّف بأنه “ميزان المدفوعات” فائضا قدره 146 مليون دولار في أكتوبر، بينما زاد صافي التدفقات الداخلة من بند ميزان الخدمات بمقدار 1 مليار و84 مليون دولار إلى 3 مليارات و863 مليون دولار.

وعلى مدى الشهرين الماضيين، أشارت معظم المعطيات وتصريحات إردوغان والأوساط المقرّبة منه أنه لا تراجع بشأن السياسة الحالية القائمة على خفض سعر الفائدة.

وخرج إردوغان في كثير من الإطلالات الإعلامية، مؤكدا أنه سيواصل معركته، التي يعتبرها جزءا من “حرب الاستقلال الاقتصادي”.

وأضاف في كلمة أمام نواب حزبه الحاكم في البرلمان، في الأول من ديسمبر الحالي: “الذي نفعله هو الصواب. لقد وضعنا ونضع خطة محفوفة بالمخاطر سياسيا، لكنها صائبة”.

وتتلخص وجهة نظر إردوغان في أن رفع سعر الفائدة أحد أسباب ارتفاع معدل التضخم في البلاد، كما يُعد سعر الفائدة عائقا أمام المستثمرين، لأن سعر الفائدة المرتفع، يزيد تكاليف الإنتاج.

ويرى أن وصول سعر الفائدة إلى 24 بالمئة أو 19 بالمئة يدفع الأفراد والمؤسسات إلى أن يضعوا أموالهم في البنوك، ويغلقوا الشركات والمؤسسات، مكتفين بما يأتيهم من فوائد على أموالهم.

هل تهدأ الأسواق؟

في غضون ذلك، لا توجد أي بوادر إيجابية تتعلق بالأجواء التي تعيشها الأسواق في البلاد، خاصة مع استمرار تدهور سعر الصرف، وبحسب الباحث الاقتصادي التركي، علاء الدين شنكولر، “سيتفاقم الأمر مع بداية العام الحالي”.

ويوضح شنكولر لموقع “الحرة” أن “المتاجر الكبيرة في البلاد تسّعر المواد التي تبيعها بموجب عقود تتجدد كل ستة أشهر. مع بداية العام سنشهد ارتفاعا في الأسعار بصورة مخيفة”.

وهذا الارتفاع يؤثر على الحالة المعيشية للمواطنين بشكل مباشر، “ويؤدي إلى الفقر وإلى العجز في الشراء”.

ويضيف الباحث “سيجد المواطن التركي، سواء الذي يعمل في القطاع الحكومي أو الخاص، أن دخله لن يغطي مصاريفه كما كان سابقا”.

ومن المتوقع أن تحسم الحكومة التركية قراراها بشأن الحد الأدنى للأجور في اجتماع خلال الساعات المقبلة، في ظل مطالبات بألا يقل عن 5000 ليرة تركية.

ويشير شنكولر إلى أنه “في الأيام القادمة، وعندما تضخ هذه الأموال في السوق عن طريق الدخل الشهري للموظفين والعاملين، سيتسبب ذلك أيضا في ارتفاع أسعار البضائع. كلما كان الحصول على المال أسهل فإن الطلب سيزيد والعرض سيرتفع سعره. هذا الأمر لا مفر منه”.

ومع ذلك يتابع الباحث أن هذه الدورة ستستمر إلى ستة أشهر أو سنة “حتى يستقر الأمر وترجع الأمور إلى أصلها وحقيقتها”.

 

زر الذهاب إلى الأعلى