صراع بين المجموعات الموالية لتركيا … هل تتخلى أنقرة عن زعيم المرتزقة السوريين في ليبيا؟
النشرة الدولية –
النهار العربي –
بعد تراجع تركيا عن تهديداتها بشن عملية عسكرية جديدة في الأراضي السورية، انعكست عودة الهدوء الميداني على الفصائل العسكرية الموالية لأنقرة، فوجدت نفسها مضطرة لملء حالة الفراغ من خلال فتح دفاترها القديمة والعمل على تصفية الحسابات في ما بينها. ويبدو أن ثمة إجماعاً فصائلياً على توجيه البوصلة نحو فصيل “سليمان شاه” الذي يقوده محمد أبو الجاسم المثير للجدل في تصريحاته وعلاقاته. غير أن المهمة هذه المرة لن تكون سهلة على الإطلاق لأن أبو عمشة، وهو اللقب الذي يعرف به محمد أبو الجاسم، يعتبر ذراع أنقرة في استرزاق السوريين والزجّ بهم في القتال على جبهات خارجية خدمة لمصالح تركيا الجيوسياسية وتنفيذ أجندتها التوسعية في الإقليم.
ويكاد سيناريو إدلب يتكرر بحذافيره في مناطق الاحتلال التركي (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) لجهة سعي فصيل واحد إلى فرض هيمنته وسيطرته ولو اضطره ذلك إلى محاربة وتفكيك الفصائل الأخرى، وذلك في محاولة منه، ليكون على غرار هيئة تحرير الشام، الفصيل المعتمد من الخارج لإدارة شؤون المنطقة وتمثيل مصالحها في أي مفاوضات سياسية محتملة لإنهاء الأزمة السورية.
غضت تركيا الطرف، في السابق، عن تقدم “هيئة تحرير الشام” في إدلب، ولم تبادر إلى اتخاذ إجراءات لمنع فصيل مصنف على قوائم الإرهاب العالمية من فرض سيطرته على محافظة تقع على حدودها الجنوبية، وقد تبدى التجاهل التركي في شكل واضح مع اندلاع أزمة الانقلاب في صفوف قيادة “أحرار الشام” حيث شعر أبو محمد الجولاني بوجود ضوء أخضر لدعم “الانقلابيين” وتعزيز سيطرة الجناح الذي يميل للتحالف معه والذي يمثله القائد العام الأسبق لـ”أحرار الشام” حسن صوفان. غير أن موقف أنقرة من التنافس والصراع بين جناحي الجيش الوطني: الأول تمثله “غرفة عمليات عزم” بقيادة الجبهة الشامية، والثاني الجبهة السورية للتحرير، يبدو محاطاً بكثير من التعقيدات والحسابات الحساسة التي من شأنها أن تمنع أنقرة من إعطاء أي ضوء أخضر يمكن أن يفهم بشكل خاطئ من قبل المعنيين بالأمر.
وكان فصيل “سليمان شاه” قد انضم إلى “غرفة عمليات عزم” لكنه سارع إلى الانفصال عنها بعد ثلاثة ايام بسبب خلافات على حصص التمثيل ضمن مجلس قيادة الغرفة وطريقة اتخاذ القرارات فيها. وقد شكل بعد ذلك مع كل من “فرقة الحمزة” و”لواء المعتصم” ما يسمى “الجبهة السورية للتحرير” كتأكيد لحالة الانقسام وتباين التوجهات بين جناحي الجيش الوطني.
واشتهر “سليمان شاه” باعتباره الذراع التركية الأكثر فعالية في تجنيد مرتزقة سوريين للزج بهم في القتال على جبهات ليبيا وأذربيجان والصومال، وكان ثمة مشروع لإرسالهم إلى مطار كابول في أفغانستان غير أن الانسحاب الأميركي المتسرع أجهض هذا المشروع. وما زال آلاف من مرتزقة “العمشات” متواجدين في ليبيا حتى اليوم برغم كل المساعي الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء ملف المرتزقة.
ووجهت إلى أبو عمشة اتهامات كثيرة لقيامه بتهريب جهاديين عرب وغربيين من الشمال السوري إلى ليبيا تمهيداً لنقلهم إلى جبهات أخرى تخدم مصالح أنقرة لا سيما في القارة الأفريقية التي يتصاعد فيها المد الجهادي. وذكر “المرصد السوري لحقوق الانسان” أن ما يقرب من عشرة آلاف تونسي تم تهريبهم خلال الأعوام الماضية بهذه الطريقة. ومؤخراً جرى التركيز على اسم “العمشات” بتهمة تهريب 5 مغاربة من سوريا إلى ليبيا، وقال “المرصد” إن “أبو عمشة” قائد “فرقة السلطان سليمان شاه” الموالية للمخابرات التركية، “نقل 5 متطرفين من أصول مغاربية، مستغلاً عمليات نقل وتبديل دفعات المرتزقة السوريين في ليبيا، فيما لا يزال هناك 9 متطرفين آخرين يحضر لنقلهم في الدفعات المقبلة، على اعتبار أنهم من المرتزقة السوريين” ويدل ذلك الى أن دور أبو عمشة وفصيله يشكل أهمية خاصة للسياسة التركية التي تحاول اللعب على كل الجبهات ونقل المرتزقة من جبهة إلى أخرى بما يتناسب مع الأوضاع الميدانية والتطورات السياسية والأهم بما يناسب مصالحها الخاصة.
وانتشرت منذ أيام مقاطع فيديو لأقرباء أبو عمشة يتحدثون فيها عن فساده وعمليات التعذيب الممنهج التي يقوم بها في سجونه إضافة إلى تهريب المخدرات والأشخاص. وقد اعتبر بعض المراقبين هذه الفيديوات بمثابة إشارة البدء من قبل الجبهة الشامية للشروع في محاربة “سليمان شاه” إلى أن يرضخ لشروطها ويقر بهيمنتها المطلقة أو يجري العمل على قص أظافره وحرمانه من موارده البشرية والعسكرية تمهيداً لتفكيك قوته وإحراق ورقته.
وقد تزامن نشر هذه الفيديوات مع حالة استنفار شهدتها ميليشيا “العمشات” في منطقة الشيخ حديد بريف مدينة عفرين شمال حلب، بسبب انشقاق مجموعة من المقاتلين عن صفوفها على خلفية خلافات على تقاسم أرباح تهريب المخدرات والسلاح. ويبدو أن “غرفة عزم” لديها ملفات جاهزة عن ضلوع فصائل مدعومة من تركيا في عمليات تهريب المخدرات إذ سبق لها قبل أشهر عدة أن داهمت معمل مخدرات تبين أنه يعود إلى عبدالله حلاوة قائد “الفرقة 20” الذي أعلن انضمامه إلى منافستها “الجبهة السورية للتحرير”.
وشن أبو أحمد منّغ القيادي في “غرفة عزم” هجوماً كاسحاً على فصيل “العمشات” مهدداً بأنهم “اصبحوا في مهب الريح”. وقال منّغ على حسابه على تلغرام أن “إفساد وفساد العمشات قد عمّ وتعاظم، وأهلك الكثير من الأهالي في المناطق التي تسيطر عليها هذه العصابة، ناهيك بالجرائم اليومية بحق المدنيين من سرقة ونصب وأكل حقوق وإهانة”. وأضاف: “الثوريون أمام مسؤولية عظيمة لإنقاذ ثورتنا من شر المجرمين والمفسدين، وأولهم أبو عمشة الذي يقود مركب الفساد بمساعدة عصابة تجمّعت حوله للتمتع بالمال والسلطة”، وهدد قائلاً: “سيكون العمشات ومن يؤازره في مهب الريح لقاء ما اقترفته أيديهم، وستكون المناطق المحررة بإذن الله على موعد مع إنهاء بلطجة وفساد هذه العصابة”.
وقد انقسمت الآراء حول تصاعد الاتهامات ضد فصيل “العمشات” المقرب من تركيا، حيث رأى البعض أن مثل هذا التصعيد ضد فصيل مدعوم و”مدلل” من الاستخبارات التركية لا يمكن أن يحدث من دون ضوء أخضر تركي، الأمر الذي اعتبره هؤلاء بمثابة إنهاء لملف الارتزاق السوري لمصلحة السياسة التركية، وأن أنقرة بعدما حصّلت مكاسب جيوسياسية من دماء السوريين الذين قاتلوا إلى جانبها في جبهات عدة لا تجد غضاضة في التخلي عنهم وتركهم لمصير أي عميل يخون قضيته من أجل خدمة جهة خارجية.
وذهب الرأي الثاني إلى أن أنقرة لا يمكن أن تتخلى عن “العمشات” وأمثاله بمثل هذه البساطة لا سيما أن الآلاف من مقاتليه ما زالوا ينتشرون في الخارج لخدمة المصالح التركية. وأضاف أصحاب هذا الرأي أن ما يجري هو مجرد تصفية حسابات بين فصائل مختلفة ومتباينة في توجهاتها برغم ارتباطها كلها بالاستخبارات التركية، وأن الأمر لا يتعدى كونه منافسة وصراع بين هذه الفصائل للاستحواذ على التوكيل التركي لتمثيل مصالح أنقرة في سوريا، وحماية حدودها الجنوبية من القوات الكردية، ويستشهد هؤلاء أن رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم مسلط سبق أن قام بتكريم أبو عمشة قبل أسابيع قليلة، الأمر الذي يدل إلى أن الأخير ما زال يحظى بغطاء تركي، لا سيما أن الائتلاف السوري يدور في فلك أنقرة منذ أن تخلى عن بعده العربي.