ليس بالدولة وحدها يحيا الطالب الجامعي…18 من أصل 20 طالباً يراهنون على المساعدات

https://s2.nidaalwatan.com/storage/attachments/105/507424.jpg/r/1000/507424.jpg

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

ريتا بولس شهوان

ليس الأهل مرهقين وحدهم، بل ان الجيل الصاعد مقبل على صعوبات معيشية التي لا تعدّ ولا تحصى. فهل لدى الدولة خطة ما لتريحهم ليؤمنوا مستقبلهم؟ لا جدوى من السؤال، فحتى لو كان من خطط، هو من ينفذ. على هذا الأساس قررت “نداء الوطن” أن تسال عن أحوال الطلاب الجامعيين، وسبل تأمين الأقساط. ليتضح أن 18 من أصل عشرين طالباً تم استفتاؤهم، يتكلون على المساعدات الجامعية، وهذا الرقم يشي بحجم الأعباء التي على كاهل الجيل الصاعد.

تتكل منال وعمرها21 عاماً وهي تلميذة في جامعة الروح القدس في الكسليك، على المساعدات في الجامعة، حتى مع الزيادات المرتقبة. إن مكتب الطلاب والمساعدات، والذي يظهر بأنه أولوية لعدد كبير من العائلات والطلاب، يخولها التأمل بالمستقبل، مبتسمة. تعمل دواما كاملا في سوبرماركت قرب منزلها هي وشقيقتها. لمَ سوبرماركت هذا عمل مضن، لأي فرد لديه دوام آخر من التركيز؟ تردف: لان لا تكلفة تنقل، ويجعلني اختلط بالمواطنين، واتعرف على “الآخر”، فلا حياة اجتماعية، منذ أيام المدرسة لان هذا الأمر يتطلب “مصروفاً كبيراً”.

هذه حال ميشلين شقيقتها، طالبة ترجمة في الروح القدس – الكسليك، التي حصلت على منحة إضافة الى المساعدة من الجامعة، عبر مكتب مساعدة الطلاب، حازت على منحة سفر الى أوروبا لتستمر في التخصص بالترجمة، وكادت ان تبقى هناك، لو ان الأولوية لوطنها، اذ ان شهادة الوطن هي “كارت” مرور الى الخارج في وقت لاحق. تركز ميشلين على العلوم السياسية والدبلوماسية في مسيرتها، وتعترف أنه بفضل “الروح القدس” وصلت الى الخارج، لكن ظروف البلد على حد تعبيرها، “تنهكنا”. شعرت عند العودة الى لبنان من فرنسا، بالتغير “الانحداري” لانها انتقلت من العمل في بلاد الغربة، إضافة الى مرحلة التدريب، الى السوبرماركت، مستفهمة: هل نستطيع الحصول على عمل كخريجين حديثاً، دون استنزافنا وفي مجالنا؟

قصة سليم (طالب في قطاع السياحة في الجامعة الكندية) مختلفة لانه قرّب المسافة بين اختصاصه وعمله في احد المطاعم، هو مدرك تماماً ان التحول الى الدولار في الأقساط المدرسية والجامعية سيقصم ظهره سائلاً: ماذا أفعل؟ هل من طريقة أخرى لتأمين مستقبلي، غير العمل؟ يرفض فكرة الاتكال على الأهل، فأصلا اهله غير قادرين على اقتطاع جزء من مصروف البيت.

زينة مثله توائم بين مجالها ومسار عملها، تعمل في عيادة خاصة، وحصلت على هذه الوظيفة عبر الجامعة (اليسوعية) ومن دون هذه الفرصة، كانت لتصبح “نادلة”. ومع ان هناك تقاربا بين ما تدرس أي الطب وتدريبها المدفوع، فالمبلغ المستحق اكبر بكثير، لكنها طلبت “التقسيط” وقبلت الجامعة بكل “طيبة خاطر” على حد وصفها.

حرقة القلب على الشباب تتفاعل مع قصة مريم، وهي طالبة آتية من مدرسة رسمية، ولا تملك رفاهية طلاب المدارس الخاصة، والجامعة اللبنانية شبه معطلة، وحلمها فقط أن تحصل على وظيفة يوماً ما، بشهادة جامعية، دونها هي شبه متأكدة ان لا مكان لها لا بالمجتمع، ولا بالحياة المهنية، ولا إمكانية لدمجها وستبقى حبيسة “السوبرماركت” كما تصف نفسها، ممازحة: وحتى قد لا اجد هنا، (أي السوبرماركت) فارس الاحلام. كل هاجسها ان تصبح طبيبة شرعية، فهي تهوى حل معضلات الجرائم، غير انها لم تستطع حتى الساعة حل معضلة دفع قسط الجامعة لتختار أي جامعة ستدخل. بعض الطلاب لا يجدون حتى ما يساوي مصروف المنزل، كيف بالجامعة. هكذا تقضي جيلبرت وقتها بالبحث عن وظيفة بين المطاعم، الدكاكين، الافران، محطات البنزين، ولكن عبثاً تحاول! كل المعاشات لا تكفي لدفع اجرة الطريق للوصول الى عتبة مبنى الجامعة. وهذا عامها الأخير، ماذا ستفعل تفكر، فوالدتها (الارملة) تتكل أيضا عليها، لتساعدها في مصروف المنزل. لا حل امامها الا ان تؤجل العودة الى الحرم الجامعي، متناسية طموحها، فاشقاؤها اصغر منها، من يعيلهم؟ الدولة؟ وتستقصي اخبار الجامعة اللبنانية من رفيقتها مايا التي تكلمنا معها. مايا هذه تخبرنا كيف ان الأساتذة يعدلون دوامات الدراسة على كيفهم، فلا تتمكن لا من العمل، ولا من متابعة الفصل كما يجب.

 

في الهجرة كما في لبنان، تخبر الوالدة روز عن حياة أبنائها في فرنسا، وهناك في تلك البلاد، العملة هي اليورو. يعمل ابنها في “كزدرة” القطط والكلاب، حتى لو كان طالب دكتوراه. تولول من “اليورو هذا”، اذ ان هي وزوجها عليهما ان يعملا بجهد كبير، لتحويل مبلغ صغير إلى اليورو. وحتى لو كان عمل ابنها بالنسبة الى بعض اللبنانيين “ليس على القدر والقيمة” لكن على حد توصيفها: هو سعيد، كما شقيقه الذي يتخصص في فن الطهي. الطالب “الشيف” أيضا يعطي دروساً خصوصية في فن الطهي للذين يحبون الطعام اللبناني، فيؤمن الايجار، اما عن القسط؟ فترفع رأسها فخرا: أخذ قرضاً سيسدده بسنة، لانه “شغّيل”! أي يعمل بكل ما أوتي من قوة. هذه القوة، التي انطفت شمعتها عند ايلي (طالب حقوق) الذي فكر بان يبيع سيارته ليسدد جزءاً من القسط، في احدى الجامعات الخاصة، لكن يعترف ان فكرته فاشلة، فبهذه الطريقة لن يستطيع ان يصل الى الجامعة وسيدفع بدل نقل اكثر من سعر السيارة. لجأ ايلي الى عميدة الكلية، التي وعدته انها لن تترك أي طالب من الطلاب خارج حرم الجامعة، فتدور وتجول باحثة عن منح.

يتضح بعد كل هذه الشهادات، ان الوطن ما زال قائماً بفضل جهود القطاع الجامعي، وعرق الطلاب، لكن هل فكرت الدولة ان لها دوراً ما لتفعيل الجامعة اللبنانية، لتخفف اعباءً عن هذا الجيل؟

زر الذهاب إلى الأعلى